الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الشمس والمرأة

الشمس والمرأة
11 يونيو 2009 02:55
هناك قصيدة لها في قلبي وعقلي مكانة خاصة من شعر صلاح عبد الصبور، اسمها «الشمس والمرأة»، ومبناها على التضاد بين الثابت الذي لا ينتهي، والمتغير الذي سرعان ما ينتهي. المتغير هو الإنسان أما الثابت فهو الشمس. القصيدة تبدأ بوصف الشمس وهي تتململ في ضجعتها التي تشبه مللها من البقاء واستعدادها للغروب، وذلك مقابل امرأة عجوز، في نهايات العمر، كانت لها حياة حافلة، انتهت ولم يعد منها سوى ذكريات. في المقطع الأول تتأهب الشمس للرحيل، غارقة في الأشعة الحمراء التي بهتت تدريجيا، وذلك مقابل المرأة التي تركت مقعدها في الحانة، ومضت في طريقها إلى المنزل، مرهقة شمطاء، لا تملك سوى الذكريات التي أصبحت بعيدة جدا، وتمر في الطريق على بائع دخان، تشتري منه تبغها، ثم تسير إلى المنزل، تعاودها في الطريق ذكريات الشباب، لحظات الحب التي قضتها مع حبيبها، وعندما تصل إلى المنزل، تدخل إلى حجرتها وحيدة، تستلقي في سريرها منهكة، أضناها تعب اليوم، ويسلمها التعب إلى النوم، وعندما يأتي الصباح لا تستيقظ، إذ يأتيها ملاك الموت خلال الليل، ويحملها في ظلمته إلى الموت، العدم، أما الشمس فإنها تمضي إلى هجعتها، ولكنها تعود في الصبح عذراء، مفعمة بالحيوية، كأنها قد ولدت من جديد. الفارق بين اللوحات التي تصف نهاية يوم المرأة الذي ينتهى بالموت ونهاية يوم الشمس الذي ينتهى بالولادة الجديدة هو الفارق بين الإنسان والطبيعة. الإنسان زائل له دورة حياة، لكنها لا تتجدد، وإنما تنتهي إلى العدم الذي هو الموت، وعناصر الطبيعة هي على النقيض من ذلك، تتجدد دورة حياتها أبدا، كالشمس التي هي جديدة قديمة في آن، ثابتة متغيرة معا تولد في الفجر، وتواصل رحلتها إلى الذروة في الظهيرة، وتأخذ طريق العودة في الغروب، إلى أن تصل رحم الليل الذي تولد منه كالمولود العفي المفعم بالحياة وتشبه الشمس كل مظاهر الطبيعة التي تعبر الزمن، خلال دورة الفصول، لكي تبدأ من حيث انتهت، فالزمن لا سبيل له إلى عوالم الطبيعة، ولا تأثير لدورة الفصول التي تبقى محايدة إزاء الثوابت التي تبقى مثلها في الملامح ولكن هناك فارق مهم، يكمن في أن الإنسان المتغير الفاني هو القادر على أن يحدث تغييرا في عناصر الطبيعة، يقطع الأشجار أو يستنبتها، يشق طريقا فى الجبال، أو ينسفها، يزرع الحدائق وينسقها، قادر على التعمير والتخريب معا، ربما إدراكا منه لقصر عمره الذي يشبه انطفاءة الشمعة بالقياس إلى ظواهر الكون المتغير، ومنها الشمس. وشيء ثان يمايز بين الإنسان والطبيعة هو إرادته الخلاقة على الفعل التي تختزنها الذاكرة، وذلك على نحو يمكن القول معه إنه لا معنى لوجود الإنسان دون ذاكرة وفعل على السواء.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©