الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
علوم الدار

«زوكيد» الاستيقاظ على كارثة «فيسبوك»

«زوكيد» الاستيقاظ على كارثة «فيسبوك»
28 مارس 2019 02:26

عرض: منى عبدالوهاب

في شهر مارس من عام 2011، وفي منطقة «سانتا كروز» بكاليفورنيا، أدلى روجر ماكنامي* بحديث عن مؤامرات «تيد توك» (تيد هي اختصار لـ«تكنولوجيا وترفيه وتصميم» وهي سلسلة من المؤتمرات العالمية، التي تهدف لتعريف ونشر الأفكار الجديدة والمتميزة للعالم). وقال ماكنامي، وهو مُعلِم سابق لمارك زوكربيرج ومستثمر في شركة «فيسبوك»، إن الخمس عشرة سنة المقبلة ستتمحور حول تعزيز «الانخراط»، وهو عبارة عن تقنية تتحدث عن إقحام المستخدمين داخل المنصات الرقمية. وقد كان «فيسبوك» بإمبراطوريته غير المحدودة من الروابط الاجتماعية، حليفاً طبيعياً في تحقيق هذه المهمة. وأوضح ماكنامي: «إذا قمت بمشروع جديد اليوم في العالم الاجتماعي، يجب أن يكون مبنياً على أساس فيسبوك».
بعد ثماني سنوات من الحديث عن «تيد توك»، يبدو أن ماكنامي حظي بصحوة روحانية. في تلك الأيام المبكرة، هل كان يؤيد مصطلح «زوكيد» بشدة؟ (المصطلح زوكيد يعني المنع من استخدام «فيسبوك» بسبب نشر مواد تخالف البروتوكول الأخلاقي للشركة، وهو مستحدث ومشتق من اسم مؤسس «فيسبوك»).
ويبدو الأمر معقولاً، إذا حكمنا من خلال كتابه «زوكيد: الاستيقاظ على كارثة «فيسبوك». وهذه الأيام يعرض ماكنامي نصيحة مختلفة بشكل ملحوظ. فالانخراط، كما تبين، هو مجرد تعبير مستساغ لجعل المستخدمين مدمنين على خدماته، وهدفه الشرير هو إنتاج «تعديلٍ للسلوك يجعل الإعلان أكثر قيمة». وفي عام 2019، يصر ماكنامي على أنه لا ينبغي لشركة جديدة تحترم ذاتها أن تعمل مع «فيسبوك»، وفي حين أن «تويتر» و«جوجل» أيضاً يواجهان انتقادات، فإن «ماكنامي» في الغالب يصب جمّ غضبه على «فيسبوك»، الشركة التي يعرفها جيداً، ويتهمها بتضخيم التحيزات، والسماح لـ«جهات فاعلة سيئة» بـ«إلحاق الضرر بالديمقراطية» وحتى «التهرب من المسؤولية المدنية».

ميزانية يمولها المستخدمون
وأي شخص يبحث عن معالجة منهجية للسلطة الاقتصادية والسياسية لوادي السيلكون سيصاب على الأرجح بخيبة أمل. ويعمل مصطلح «زوكيد» في التاريخ الحديث لوادي السيلكون وبلاده على توضيح كيف تحولا كلاهما إلى التحرر واستبدال المشاركة المدنية في قلب ديمقراطية حية بمشاركة المستخدم في ميزانية «فيسبوك» الضخمة. ومع ذلك، فإن هذه الجهود التحليلية في الغالب تظل على السطح. وماكنامي مقتنع بشكل كبير فيما يتعلق بالأعمال الداخلية لوادي السيلكون، مشيراً، على سبيل المثال، إلى الدور غير المتناسب لمنصات مثل «باي بال» – بما في ذلك «بيتر ثيل»، و«ريد هفمان» وغيرهم كثيرون – في تشكيل ثقافة الشركات الجديدة مثل «فيسبوك»، التي ازدهرت في العقد الأول من القرن الـ21.

مشاعر مناهضة لـ«فيسبوك»
لقد ظهر مصطلح «زوكيد» في الوقت، الذي كانت لا تزال فيه المشاعر المناهضة لـ«فيسبوك»، والتي يغذيها جزئياً جدل لا ينتهي بشأن انتخابات الرئاسة الأميركية عام 2016، وفضائح البيانات المنتشرة، تتصاعد بشكل كبير. أما «ردود الفعل السلبية والمنتشرة ضد النفوذ المتزايد لشركات التكنولوجيا، لا سيما تلك الموجودة في وادي السيلكون» – والتي كانت ذات يوم محل اهتمامٍ فقط لخبراء التكنولوجيا في واشنطن وبروكسل – فقد غمرت الآن أجزاءً أخرى كثيرة من العالم، مع قيام سريلانكا بحظر «فيسبوك» لفترة وجيزة بسبب التحريض على «عنف الغوغاء».

نهاية اللامبالاة
وقد ولّت منذ فترة طويلة الأيام الخوالي عندما كنا نشعر بالقلق بشأن اللامبالاة المدنية، واليوم، نحن بالكاد نعرف كيف نمنع الأجزاء المتطرفة من «المجتمع المدني» من الالتقاء سوياً عبر «فيسبوك». من المعلومات المضللة إلى التبعية النفسية، ومن التنمر السيبراني إلى التطهير العرقي، لم يعد بالإمكان تجاهل الحصيلة الثانوية العرضية لربط الإنسانية عن طريق الإعلان. وبدت القرية العالمية كمقصدٍ مبجل – حتى انتبهنا إلى تكلفة الرحلة.

النمو يتفوق على كل شيء
إن مصطلح «زوكيد» هو جزئياً عبارة عن مذكرات، وتوبيخ لـ«فيسبوك» وسرد مفصل ساعة بساعة لشهادة الكونجرس. ويقدم ماكنامي صورة مقنعة للثقافة التنظيمية المزعجة للـ«فيسبوك»، وكشف كيف تستمر الشركة في تجاهل الانتقادات الموجهة لها حتى مع العلم أن تنازلاً بسيطاً كفيل بتسوية المسألة إلى الأبد. ويفسر مصطلح «زوكيد» هذا العناد من خلال مزيج من العوامل الثقافية والاقتصادية. من ناحية، فإن مديري «فيسبوك» التنفيذيين من الشباب والكبار مقتنعون بأن «العالم المتهور» خارج مينلو بارك (مقر شركة «فيسبوك») جاهز لمهمتهم فيما يتعلق بنشر الحضارة. ومن ناحية أخرى، فإن نموذج عمل الشركة، الذي يعتمد على الإعلان لا يحث المستخدمين فقط على التصرف بطرق لطيفة ودية، بل أيضاً يجمعهم بسهولة كجماهير مخصصة لعملائه– بما في ذلك الحكومات ومشغلوها– لجذبهم والتأثير عليهم. وكلما حدث الجمع بسرعة وبطريقة فعالة، كلما كانت عملية «فيسبوك» أكثر ربحية. وبذلك، يتفوق النمو على كل شيء.
وعند قراءة المصطلح «زوكيد»، من الصعب تحديد ما الأمر الأكثر إثارة للقلق: حقيقة أن «فيسبوك»، بكل تكتيكاته الماهرة والقاسية، التي تعطي عملاءه المعلنين أدوات ترويجية مجانية، فقط لتسحبها وتفرض رسوما عليها، أم أن المستثمرين أصحاب الأسماء الكبيرة مثل ماكنامي يستطيعون ادعاء الكثير من السذاجة –ولفترة طويلة – بشأن الأشخاص الواقعين تحت حمايتهم.
ماكنامي في عام 2011 – رجل الأسهم الخاصة الحاصل على درجة الماجستير من كلية «دارماوث» – لم يكن يعرف أن المشاركة كانت تعني جعل المستخدمين مدمنين -يبدو غير قابل للتصديق. وكان تحالفه المناهض لـ«فيسبوك» يتضمن مخاوف بشأن تأثيرات وسائل التواصل الاجتماعي على الصحة العامة، لكن المصادر الحقيقية لقلقه مؤخراً يبدو أنها تكمن في مكانٍ ما. يشعر المرء أنه، لو ما كان انتخاب دونالد ترامب جعل عمليات الـ«فيسبوك» تخضع لتدقيق وثيق، لكان ماكنامي الآن يستعد للإدلاء بحديث آخر أمام مؤتمر «تيد»، ربما حول «المشاركة 2.0» (ويب 2.0 هو مصطلح يشير إلى مجموعة من التقنيات الجديدة التي أدت إلى تغيير سلوك الإنترنت).

مقترحات ماكنامي
ومع ذلك، يقدم ماكنامي العديد من المقترحات لإصلاحات تكنولوجية كبيرة، وليس فقط «فيسبوك». بعض هذه المقترحات، مثل استعادة سلطة مكافحة الاحتكار وتطبيقها بقوة أكبر، وهناك اقتراح يتعلق بتفعيل منطق ربحية البيانات، على أمل أن تصبح المنصات، التي تمولها الاشتراكات، غير قلقة بشأن بيع «طريقة تفكير» مستخدميها للمعلنين. ولكن هل ستخفض نماذج ماكنامي القائمة على الاشتراك من هذا الإدمان؟ ربما لا.

تسعير البيانات
ومن مقترحات ماكنامي الأخرى المثيرة للجدل السماح للمستخدمين بتملك البيانات كما لو كانت ممتلكات خاصة. وبمجرد أن تتحرر بياناتهم ويتم تسعيرها بشكل مناسب، بحسب ما يرى ماكنامي، سيكون المستخدمون أحراراً في البحث عن الخلاص في السوق التنافسية – بما في ذلك، ربما، من خلال بيع بياناتهم للمعلنين أنفسهم، وتجاوز وسطاء المنصة. قد يكون هذا الخيار مجدياً من الناحية التقنية.
قد يفكر المرء في فهرس جوجل للبحث أو الرسم البياني الاجتماعي لـ«فيسبوك» ليس فقط كقطع وأجزاء متباينة تم جمعها معاً بوساطة خواريزميات خاصة وخوادم سحابية، ولكن كأجزاء مهمة من البنية التحتية الافتراضية التي يعتمد عليها الكثير من النشاط التجاري وغير التجاري الذي يحدث اليوم. وقد استغل «فيسبوك» وجوجل مثل هذه البنية التحتية بشكل فعال ولكن، كما يشير مصطلح «زوكيد» بتكلفة مرتفعة للغاية وغير مرئية في الغالب للمجتمع.
والتحدي الذي يواجه القوى التقدمية في مواجهة شركات التكنولوجيا الكبيرة هو التفكير في شروط أكثر جرأة وأكثر استراتيجية. ربما ما نحتاج إليه ليس خليطاً بيزنطياً من رسوم البيانات المبالغ فيها، ولكن بالأحرى المعادل الخاص بالبيانات لنظام الطرق السريعة بين الولايات: مفتوح للجميع، ومدعوم بالموارد العامة ويتم نشره بدرجة جيدة من التخطيط والتنسيق. ومن المؤسف للغاية أن هؤلاء الذين بشروا بفضائل «طريق المعلومات السريع: في مطلع تسعينيات القرن الماضي لم يهتموا قط بإخبارنا إلى أين سيقودنا هذا – ومن الذي سيدفع الثمن. ولم يقدم ماكنامي إجابات، أيضاً، لكننا نأمل أن يؤدي مصطلح «زوكيد» إلى إثارة النقاش للعثور عليها.

أدوار ماكنامي
لعب ماكنامي دوراً صغيراً في السنوات الأولى لفيسبوك، فإلى جانب إرشاد زوكربيرج من آن لآخر، ساعد في تعيين شيرل ساندبيرج، ثاني أكبر مسؤولة في الشبكة الاجتماعية. وأمضى ماكنامي السنوات الثلاث الماضية في دق جرس الإنذار بشأن الشركة. ويعد مصطلح «زوكيد» تتويجاً لهذه الجهود. وانطوت دعوته ليس فقط على تيار من مقالات الرأي والأبحاث والظهور في وسائل الإعلام بشكل متكرر، بل أيضاً تدريب الكونجرس على استجواب المديرين التنفيذيين لشركات التكنولوجيا حول هياكل البيانات في الخوادم الخاصة بهم.

 

 

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©