الخميس 18 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

حسن البنا.. جاسوس الرايخ الثالث

حسن البنا.. جاسوس الرايخ الثالث
28 مارس 2019 01:06

مرة جديدة يخرج علينا الكاتب الصحفي المصري توحيد مجدي بكتاب مثير للتفكر والقراءة، سيما وأنه كبقية كتبه مدعوم بوثائق تاريخية صادرة عن أجهزة استخباراتية دولية.
في هذا المؤلف، الذي يحمل عنوان «عملية شرفة القصر/‏ أسرار حسن البنا في الرايخ الثالث»، يستكمل مجدي مشواره الطويل في متابعة وملاحقة جماعة الإخوان الإرهابية منذ البدايات، ويكشف عن وجه مغاير لم يكن أحد يدري به من قبل، وإن كان لدى الذين يتابعون الشأن الإخواني خيط بسيط منه، أي علاقة حسن البنا بالنظام النازي في أربعينيات القرن المنصرم، لكن لم يكن أحد لديه إحاطة كاملة بهذا الملف كما يوضحه لنا الكاتب.

في عمله الشاق والشيّق هذا، والواقع في عشرة فصول من القطع الكبير، وبإجمالي صفحات تقارب الثلاثمئة، والصادر منذ أسابيع قليلة عن قطاع الثقافة في مؤسسة أخبار اليوم المصرية، يكشف المؤلف للمرة الأولى أسرار وتفاصيل وبيانات مع أسماء ووقائع حقيقية غير مسبوقة النشر من ملفات وسجلات استخباراتية رسمية وحكومية بريطانية وألمانية وإسرائيلية موثقة لعملية تجسس نازية، جرت بمنتهى السرية في قلب القاهرة بداية من يناير عام 1940 واستمرت إلى أبريل عام 1945 كان حسن البنا هو محورها.
عرفت تلك العملية باسم كودي هو «شرفة قصر عابدين»، وقد جنّدت خلالها الاستخبارات النازية مؤسس جماعة الإخوان الإرهابية للعمل لحساب ألمانيا كجاسوس بدوام كامل في مصر والشرق الأوسط، وتسببت تلك العملية البالغة السرية في كوارث تاريخية عصفت بمصر ثم ظلت خافية لعقود متصلة، وها قد جاء وقت فتح المناقشة حولها.
يعتمد المؤلف على وثائق مرجعها «الأرشيف الفيدرالي الألماني»، الذي تأسس عام 1952 في مدينة «كوبلنز» الألمانية وسط غرب جمهورية ألمانيا الاتحادية حالياً، وتبدأ القصة من عند استسلام أفراد من شباب الإخوان الذين كانوا يقاتلون مع النازيين على الجبهة الإيطالية عام 1943 إلى جيوش الحلفاء كأسرى حرب نازيين تابعين للجيش الألماني، ثم انكشاف أخطر أسرار التاريخ الحديث المتصلة بـ«فرقة إخوان النازي»، و«عملية شرفة القصر».

الإخوان تاجروا بدماء المسلمين لتحقيق غايات حزبية

ملف هتلر
يقدم لنا توحيد مجدي وفيما يشبه طريقة «الفلاش باك» في الأفلام السينمائية مشهداً مثيراً للغاية، جرت به الأحداث قبل سطوع شمس أول يوم من عام 1940، حين استدعى الفوهور أدولف هتلر الزعيم النازي أحد أهم ضباطه وأكثرهم قرباً منه «هاينريك لويتبولد هيملر» قائد سلاح الدفاع والاستخبارات الذائع الصيت. أما سبب الاستدعاء فهو ما لم يكن يتوقعه هيملر نفسه.
قدم هتلر لهيملر ملفاً مكتوباً عليه ببنط بارز «سري للغاية.. عمليات الرايخ الثالث في منطقة الشرق الأوسط»، وببنط أصغر مكتوب على الملف «تجنيد الشيخ حسن البنا مؤسس جماعة الإخوان المسلمين المصرية، واتفاقية تشكيل اللواء العربي في الجيش النازي».
بأسلوبه التقليدي راح هتلر يعرض أمام هيملر ملخصاً قصيراً عن فكرته وخطته التي سجلها بين صفحات الملف، وقال في جمل سريعة خرجت منه بطريقة نظامية غريبة مثيرة، كأنه كائن زائر للأرض من كوكب غريب:
«حسناً ربما تبالغ، لكن أصدقك حسناً، فلتطالع الملف أولاً أمامي وأخبرني فوراً عن دقة انطباعك، ورأيك الأولي، ستجد التعهد موقعاً من ذلك الرجل مع مكاتباته السرية وملخصاً عن حياته ونشأته البسيطة، لكن لا تنخدع فيه، لأنه مؤثر في أتباعه الذين يعدّون بالآلاف، ولقد وافق أن نستخدم المئات منهم في تشكيل فرقة عربية خاصة ستخدمنا مقابل بعض الطلبات التي سألبي بعضها».
ويكمل هتلر: «لقد أشّرت على ما رفضته منها، وانتبه جيداً، لأنك ستجده متطلعاً لدور أكبر من حجمه الحقيقي. اجلس.. اجلس هيملر أمامي، خذ وقتك، قبل ذلك اختر لنفسك شراباً يساعدك هيا.. هيا.. الآن.. تصرف بحرية كاملة، فلدي الوقت كله للبت في ذلك الموضوع السري الهام والعجل، لن نخرج من هنا إلا بقرار نهائي».

تعهد البنا
في الملف طالع الجنرال هيملر عدة مكاتبات كانت حديثة آنذاك، حملت شعار «سري للغاية» تحررت من الشيخ المصري «حسن البنا» مؤسس جماعة الإخوان ومرشدها العام الأول الذي قادها خلال الفترة من 22 مارس 1928 حتى اغتياله في 12 فبراير 1949. كانت رسائل خطية حرّرت من القاهرة في تواريخ مختلفة لكنها بدت عند مراجعة الجنرال هيملر الأولية منتظمة ومتسلسلة، وجد معها أسطوانة كبيرة حرر على غلافها وبخط سميك محتواها، وهي ثلاثة تسجيلات لمكالمات هاتفية أجراها الشيخ البنا من مصر مع أودلف هتلر، الذي تلقاها في مقر قيادته بمدينة برلين.
رويداً رويداً تبدى للجنرال هيملر أن هناك اتصالات جرت بين البنا وهتلر منذ يناير من عام 1938، إلى بداية يناير عام 1940، انتهت بتوقيع ذلك الشيخ المصري على عقد تعهد من صفحة واحدة بالتعاون الكامل مع قيادة الرايخ الثالث النازي.
وطبقاً للملاحظة التي سجلها هيملر، وقع التعهد من الشيخ البنا في غياب الطرف الألماني السيادي، والدليل خلو الورقة من التوقعيات النازية، بينما ورد نص التعهد لسببين رئيسيين:
الأول: العمل لحساب النازية من القاهرة.
الثاني: ربما الأهم بالنسبة للقائد أدولف هتلر أن يقوم البنا بتجنيد فرقة من خمسين ألف متطوع من شباب جماعة الإخوان من مصر والعالم العربي، على أن يقاتل هؤلاء الخمسون ألفاً كنازيين مسلمين تحت القسم الإخواني في الحرب العالمية الثانية، التي كانت مشتعلة بمعظم جبهات العالم لحساب الجيوش الألمانية ضمن فرقة عسكرية نظامية عربية خاصة، قاتلت بالفعل طبقاً للوثائق الرسمية مع ألمانيا ضد جيوش دول الحفاء، حتى سقط منها آلاف القتلى ومعهم بضع المئات من الأسرى الذين احتفظت أرشيفات كل من ألمانيا وبريطانيا بأفلامهم ووثائق استسلامهم وتم تسليمهم في ميناء الإسكندرية بمصر.

دور غوبليز
كيف تم تجنيد البنا لصالح جند النازي؟
يبدو أن حوار الثعالب قد غلب على كل جانب، لذلك كان حتماً على أدولف هتلر كشف جميع تفاصيل الاتصال بالشيخ المصري الخطير، خاصة أن العملية تمّت خارج نطاق علم «هيملر»، وكان الموضوع ليبدو وكأنه اعتداء صارخ على صلاحياته، وقد شعر هتلر بالفعل أن الجنرال المخلص له تلقى طعنة ثقة عميقة، سببها الاتصال بمؤسس جماعة الإخوان المصرية من دون الاستعانة أولاً بجهاز الاستخبارات الألمانية الذي أشرف عليه هيملر.
كشف أدولف هتلر أمام الجنرال هيملر أنه عهد في بداية العام 1938 إلى جوزيف غوبليز، وزير الدعاية النازية، والرجل القوي في قيادة الرايخ الثالث لمهمة الاتصال السياسي السري بمؤسس جماعة الإخوان في مصر.
وفي التفاصيل فقد سافر غوبليز بالفعل إلى القاهرة في زيارة علنية، رتبتها وزارة الخارجية الألمانية مع نظيرتها المصرية تحت قيادة عبد الفتاح يحيى إبراهيم باشا، ونجح بتحديد لقاء سري مع حسن البنا ساعده على ذلك نفوذ ديوان قصر عابدين بتعليمات مباشرة من الملك فاروق الأول شخصياً.
زار غوبليز مصر بوصفه سائحاً يتطلع لزيارة الآثار المصرية، ولتمضية إجازة شخصية اعتيادية، وفي تلك الأوقات كان الملك فاروق يعاني من السلطات العسكرية البريطانية، ولهذا نصحه وزير خارجيته باستقبال غوبليز.
كانت عناصر الاستخبارات الإنجليزية تراقب وعن كثب زيارة غوبليز وبانتباه بالغ وحذر شديد، على الرغم من أن الحرب العالمية الثانية لم تكن قد انطلقت وقتها، وقد التقى غوبليز الملك فاروق بعيداً عن أعين الاستخبارات البريطانية التي راقبت الحركة بديوان المملكة المصرية.
بعدها خرج غوبليز من باب جانبي خصص لخدم القصر وكان غير مراقب لساعة واحدة قابل خلالها الشيخ حسن البنا وجهاً لوجه بداخل شقة خاصة وفرتها جماعة الإخوان، كانت على مقربة من ميدان الإسماعيلية «ميدان التحرير حالياً»، بوسط القاهرة، وفي ذلك اللقاء رتب غوبليز مع البنا جميع التفاصيل التي ستحدث فيما بعد بملف تجنيد المرشد الأول في تاريخ جماعة الإخوان للعمل كجاسوس لصالح ألمانيا النازية.

الرايخ الثالث.. إلى الشرق عن طريق الإخوان

تسريب إنجليزي
كان اتصال البنا بالألمان النازيين سراً في عام 1938 يعني ببساطة أن مؤسس جماعة الإخوان كان لديه الاستعداد التام للتعامل مع أي قوة أجنبية خارجية من أجل تحقيق الأهداف الخبيثة لجماعته داخل المملكة المصرية ومنطقة الشرق الأوسط، وأن اتصاله ثم عمله لحساب جهاز الاستخبارات الألمانية فيما بعد كان مجرد مسألة وقت كتحصيل حاصل.
ما أوردته الاستخبارات الألمانية بشأن حسن البنا يبين أنه شخص مزدوج الأخلاق، يقول ما لا يفعل، ويفعل ما لا يقول، والدليل أن الاستخبارات البريطانية ولقطع الطريق على زيارة غوبليز، كانت قد سربت معلومات للقاهرة ولقلب الديوان الملكي تفيد بأن غوبليز شاذ جنسياً، وكان السؤال هل حسن البنا الرجل الذي ينادي بالفضيلة والدين والإيمان سوف يقبل أن يضع يده في يد شخص على هذا الانحطاط الأخلاقي كما يتقولون أم لا؟
اتصل البنا بأحمد حسنين باشا المسؤول البارز في الديوان الملكي للتأكد من الخبر، يومها كان الإنجليز يتنصتون على الملك والقصر وقد اعتقدوا أن البنا يتساءل عن فاروق وليس عن غوبليز لمكايدته سياسياً.

المحامي الوسيط
كان حلقةَ الوساطة بين هتلر والبنا كما تبين لنا صفحات الكتاب، محامٍ مصري يدعى «محمد فهمي عبد الرحمن»، درس اللغة الألمانية في مدرسة ألمانية في القاهرة وعرف باسم «أبو غدير» المحامي في محاكم الاستئناف المصرية، وكان وقتها قد انضم إلى جماعة الإخوان، وقد رافق أبو غدير الفريق الألماني الزائر بحجة إتقانه اللغة الألمانية، حيث كلفه مكتب وزير الخارجية المصري عبد الفتاح باشا بتذليل المشاكل التي يمكن أن تقابل الوفد النازي خلال زيارته لمصر وتنقلاته ما بين الأقصر وأسوان.
لم يكن أحد يعرف أن أبو غدير هذا المقرب من القصر الملكي، القصر الذي يعتبر وساكنه من أعداء الإخوان، من جماعة الإخوان، وقد تلقى الألمان هذه المعلومة الثمينة بعدما صرح أبو غدير نفسه لطبيب فرنسي كان يتعالج في عيادته الخاصة في القاهرة بكونه عضواً سرياً في جماعة الإخوان.
لم يكن أبو غدير ليشك في أن الطبيب الفرنسي الذي أقام وعمل في القاهرة بحرية تامة كان الرايخ الثالث يشغله لحسابه في باريس، ثم أرسله إلى مصر، وهكذا طارت المعلومات ووصلت إلى برلين مبكراً، فانتهز وزير الدعاية النازي غوبليز الأمر وطلب مرافقاً قانونياً أثناء زيارته القاهرة.
المثير بالأمر أن المنصب السياسي الرفيع لوزير الدعاية النازية جوزيف غوبليز حال دون اطلاعه بشكل شخصي على أحد الأسرار الاستخباراتية الألمانية الهامة بالمملكة المصرية، فاعتقد غوبليز طيلة الوقت أن المحامي المصري مجرد شخص تحدث باللغة الألمانية ربما بطلاقة، لكنهم لم يكشفوا له مسبقاً في برلين حقيقة أن أبو غدير جنّد في مايو عام 1933 للعمل في القاهرة كعميل نائم لحساب الرايخ الثالث.
ولأن لمكتب أبو غدير مصالح عديدة سابقة مع ديوان وزارة الخارجية المصرية، وكانت الوزارة على علم مسبق بإتقانه اللغة الألمانية، فقد كلفته من تلقاء نفسها من دون تدخل أي عامل خارجي حتى بطلب من السفارة الألمانية بالقاهرة، وهكذا ظهر أبو غدير بشكل روتيني خالص في المشهد الذي صوره الألمان لزيارة غوبليز وكان من الواضح أنه يحاول الاختفاء أو الاختباء من الكاميرا، لكن تلك الملاحظة الذكية لم تكن لتغيب عن أعين وزير الاستخبارات النازي الماهر هيملر، الأمر الذي أدى إلى زيادة إعجاب هتلر به.
وكشأن كل الأفراد والوقائع المتصلة بالإخوان، يؤكد المؤلف على أن شخصية أبو غدير هذه ظلت غامضة طوال بحثه، بل وردت أحياناً المعلومات عنه منقوصة البيانات، وربما كان الأمر عمداً في محاولة لإخفاء هويته الحقيقية.
وحتى مع الكشف عن تفاصيل الدور الذي لعبه أبو غدير في معاونة الاستخبارات الألمانية النازية في مصر خلال الفترة الممتدة من عام 1933 على أقل تقدير حتى نهاية عملية شرفة القصر في أبريل عام 1945، فقد ظلت المعلومات الموثقة لقصة ذلك المحامي غير واضحة، وربما يكون الملف الأمني النازي الخاص به تحديداً قد تعرض للتدمير مع عشرات الآلاف من الملفات الأمنية المهمة التي حرقت وفقدت خلال القصف المكثف الذي تعرضت له العاصمة الألمانية من أبريل إلى مايو من عام 1945، ولم يظهر اسمه إلا عبر مواقع متفرقة بين السطور، دون تفاصيل كاملة ودقيقة عن شخصيته، الأمر الذي يعني أن وراءه الكثير الذي كان لا بد وأن يختفي وألا يظهر إلى النور مرة ثانية.
تعمد غوبليز أثناء الزيارة التقرب من المحامي المصري، ونجح في كسب ثقته حتى أصبح أبو غدير، وربما بترتيب مسبق، همزة الوصل الخفية بين حسن البنا مؤسس جماعة الإخوان الإرهابية، والرايخ الثالث النازي، لدرجة أن تحول مكتب القانون الدولي الذي أداره والواقع في ميدان عابدين بالقاهرة إلى واجهة هادئة للاستخبارات الألمانية، والتي استخدمته فيما بعد كمنزل آمن وكمحطة معلومات سرية بكل ما يحويه المعنى.

وثيقة بريطانية
هل قطعت الاستخبارات البريطانية بصحة عمالة حسن البنا للنازية في النصف الأول من القرن الماضي، وطوال الحرب العالمية الثانية؟
يورد الكاتب وثيقة بريطانية فيها ما يلي:
مكتب الخارجية والكومنولوث
لندن
28 أغسطس 1945
سري لغاية
معلومات عن الشيخ المصري البنا خلال الحرب العالمية الثانية
اشترى الشيخ حسن البنا شقة في عام 1940 أطلت شرفتها على قصر عابدين، ومنها عمل كجاسوس لخمسة أعوام كاملة لحساب الرايخ الثالث، في عملية سرية تحت كود «شرفة القصر» دارت خلال الحرب العالمية الثانية.
عملت تلك الشقة كواجهة تحت لافتة «مكتب قانوني ومحاماة»، لصالح الاستخبارات النازية السرية في القاهرة، وذلك من عام 1940 إلى عام 1945، حيث بدأت في إرسال البث المشفر لرسائل التجسس في ديسمبر عام 1940، وذلك بعدما تدرب البنا نفسه على يد ضابط الاستخبارات النازية في القاهرة لمدة شهرين، حتى أمكنه إدارة تلك الشقة والاستمرار في تسيير أعمال التجسس من قلب العاصمة المصرية.
وتضيف الوثيقة البريطانية:
إن كل الأسرار التي بثها البنا إلى برلين كانت ترسل إلى جهاز المأني مشفر كان مخبأ في مركب صيد مدني خاص رسا داخل مينا أبي قير بمدينة الإسكندرية، وقد تم ضبط ذلك المركب على يد الاستخبارات السرية البريطانية خلال الحرب في نوفمبر عام 1943، لكنها أخفقت في إخضاع طاقمه للتحقيق بعدما قتل أفراده خلال محاولتهم الهرب.
التوقيع: مساعد السكرتير الخاص
نسخة إلى جورج بالدوين
10 داوننج ستريت لندن.

متابعة وتوصية
الكتاب مليء بالأسرار والفصول وبقصص تحتاج إلى قراءة تاريخية معمقة، لا سيما أن في الأمر صلة مشتركة بين ما جرى في القاهرة من ناحية حسن البنا وهتلر، وما جرى في القدس من جانب المفتي أمين الحسيني الذي قابل هتلر شخصياً في ألمانيا.
الجزئية الأخيرة بدورها لها تفصيلات ربما تبين لنا أسرار نشوء وارتقاء جماعات إخوانية في الداخل الفلسطيني.
وعلى سبيل المثال لا الحصر، يورد المؤلف وثيقة سرية للغاية صادرة في 29 أغسطس عام 1945 من مكتب الخارجية والكومنولث عن الأنشطة السرية والخطيرة التي تديرها جماعة الإخوان لصالح النازي صد بريطانيا العظمى.
المعلومات الواردة في تلك الوثيقة تؤكد تفويض الشيخ حسن البنا المفتي الأعظم للقدس أمين الحسيني لتجنيد الشباب المسلم من جميع أنحاء العالم للخدمة لحساب الرايخ الثالث النازي.
والأكثر إثارة هو ما جاء في الوثيقة من أنه لم يتم رصد البنا نهائياً في الميدان، على الرغم من مراقبته اليومية بوساطة الاستخبارات البريطانية في القاهرة، مع العلم أنه كان ممنوعاً من مغادرة بلاده منذ عام 1939.
أما التوصية التي ربما تميط اللثام عن سر نهاية البنا فتقول: لذلك ننصح بتصفية خطر ذلك الشيخ المصري بأسرع وقت ممكن، ولن نتخذ أي إجراء (أي الاستخبارات البريطانية) ما لم تتدخل وزارة الخارجية لدى السيد رئيس الوزراء.
هل يلقي هذا التقرير بظلال على اغتيال البنا بتوافق أممي في 12 فبراير عام 1949؟
تكشف الصفحات سر هزيمة بريطانيا في معركة العلمين الأولى، وأسرار خطة البنا في ضرب الاقتصاد المصري، ناهيك عن قضية طائرة الفريق عزيز المصري العسكري السابق في الجيش التركي العثماني في الحرب العالمية الأولى والذي دعم النازية في مصر، وهناك فصل كامل عنوانه «طائرة الفريق عزيز المصري وحسن البنا».
يتوقف المؤلف كذلك عند قضايا داخلية مصرية لا تزال تثير جدلاً كبيراً من نوعية دور حسن البنا في حادث 4 فبراير عام 1942، وعلاقة القصر والملك ببريطانيا ومحاولات الاستقلال المصري.
الكتاب مثير وشيق ويؤكد ما هو مؤكد في الحال والاستقبال.

الفيلق الإخواني النازي
منذ بدايات تأسيس جماعة الإخوان الإرهابية وهدفها الأول والأخير الاستيلاء على أنظمة الحكم في العالم العربي بداية، ثم الهمينة على مقدرات الكون بأكمله عبر القوة المسلحة، ولهذا لم تأل جهداً في استغلال كل فرصة سانحة للتدريب والاستعداد العسكري، وتوفير مسارب لاعضائها ليكونوا جيوشا بديلة عن جيوش أوطانهم القومية.
كانت رؤية البنا هي بناء جيش نظامي مدرب يتبعه، ولاحقا يكون السند والعون للمخطط السياسي للإخوان بشكل واضح ورسمي.
لكن الالمان أدركوا الأبعاد الخفية للبنا، وكيف أنه وجماعته السرية الدوجمائية لن تتوقف تطلعاتها عند حدود مصر، ذلك أنه إذا توافرت لهم قوة عسكرية كبرى سيسعون إلى السيطرة على بقية العالم الاسلامي، بل الشرق الأوسط أول الأمر ولاحقا التوسع عالميا.
هنا قرر هتلر إن الفيلق الإخواني العربي كما سماه الجنرال هيملر لن يكون جيشا للبنا، بل سيكون فرقة اسلامية نازية خاضعة بالكامل إلى الرايخ الثالث، فيما عدا رجال الوعظ الديني والطباخين والاداريين الخدميين في المعسكرات التي ستخصص لاستيعاب وتدريب جيش مؤسس جماعة الإخوان، فيمكن أن يكونوا مدنيين.
اشترط البنا أن يورد القوة البشرية من شباب جماعته في مصر مع وعد ملتزم منه بتلقينهم خطابا دينيا اسلاميا خاصا، لحثهم عند تجنيدهم على الولاء التام غير المشروط للجيش الالماني النازي، أما طابور الطباخين والاداريين فكانوا لأجل الإشراف على شؤون الطعام ثم الذبح الشرعي على الطريقة الاسلامية والوعظ الديني، ناهيك عن سلطات إدارة المعسكرات والتواصل مع الجنود باللغة العربية لحين المامهم باللغة الالمانية.
أراد البنا أن يستغل الفرقة الإخوانية النازية للانقلاب على فاروق ملك مصر، لكن هتلر أبلغ جنراله المهم هيملر أنه لن يستبدل ملكا حقيقيا صديقا لالمانيا، بانتهازي مثل البنا، حتى وإن قبل أن يقوم أنصاره بجهد في معارك الالمان ضد دول الحلفاء، وهو ما جرت به الوقائع بالفعل في معركة العلمين الأولى، ما أدى إلى انتصار البريطانيين على الالمان والايطاليين بالقرب من ليبيا.

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©