الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

"تلايا الليل" نص ساطع.. وأداء خافت

"تلايا الليل" نص ساطع.. وأداء خافت
27 مارس 2019 01:46

إبراهيم الملا (الشارقة)

في محاولته لتهيئة الجمهور، ودخوله مسبقاً إلى أجواء العرض، لجأ الفنان مرعي الحليان إلى إطفاء الإضاءة الداخلية في الصالة لخلق رابط ذهني، واشتباك بصري مع العنوان الذي اختاره للعرض، وهو «تلايا الليل» من تأليفه وإخراجه، والذي شاهدناه مساء أمس الأول ضمن عروض الدورة التاسعة والعشرين من مهرجان أيام الشارقة المسرحية، هذا التداخل الداكن مع إيحاءات العنوان، صاحبته أغنية قديمة للمطرب الكويتي مصطفى أحمد، وكأنها قادمة من عمق الحنين، كي تملأ الفضاء السمعي قبل رفع ستارة العرض، والتي تقول كلماتها: «ترى الليل عوّدني على النوح والسهر./‏‏ يذكّرني بيّاع الهوى يوم أنا شاري./‏‏ عشيرٍ صفالي بالهوى والهوى أمر./‏‏ أحبه وأداري الودّ، وكم بحت له أسراري». وهي كلمات كان يمكن لها أن تجد مساحة خصبة وتفاعلية مع المناخات البصرية والشعرية للعرض، إلّا أن البنية المشهدية العامة لم تسمح لها بتحقيق هذه الغاية الجمالية، لإشكالات وصعوبات كثيرة عزلت النص المكتوب، عن شكله المرئي، وعنصره التجسيمي.
ومع رفع الستارة يبرز الفضاء المفتوح للخشبة والخالي تماماً من الديكور ومن دلالات الزمان والمكان، ومن هنا، وفي وسط هذا الخلاء البصري المعتمد على التعبير التجريدي للإضاءة، بدا أن رهان المخرج منصب على أداء الممثلين، وعلى قدرتهم على ترجمة النص، واستنباط مضامينه من خلال أداء متقن وقارئ لزوايا وأبعاد وأصداء هذا النص، سواء على المستوى التمهيدي المتعلق بفرش أرضية سردية يمكن البناء عليها، أو على المستوى التصاعدي للحبكة وما يموج فيها من حوارات ثنائية (ديالوغ) ومن حوارات داخلية وذاتية (مونولوغ)، يتشكّل هذا البناء في حالته التجسيدية مع دخول شخصيتين وبشكل جامح ومباشر داخل إطار العرض، وهما الشاب عبدالله (يقوم بدوره الممثل عبدالله الكمالي) ومعه زوجته حمدة (تقوم بدورها الممثلة دلال الياسري). ومع هذا الدخول القوي للشخصيتين في البداية المبكرة، ظهرت أولى ثغرات العمل، وهي طغيان حماسة الشخصيات واندفاعها الصارخ وغير المتدرج في قلب ولب الحكاية، لدرجة غياب الملامح التمهيدية للعرض، وخفوت صوت الممثلين الذي أدى لخلق فراغات كبيرة في مساحة التواصل بين الخشبة والجمهور، وضياع مفاصل الحكاية التي ظهرت بشكل عشوائي في المشاهد التي استطاع الجمهور فيها التقاط حوارات الممثلين وفهمها.
هذه الثغرة الأولى والكبرى في العرض أنتجت سلسلة من الثغرات الأخرى المتتالية، مثل التشنج الأدائي من قبل الممثل الرئيس، والمبالغة في ردات الفعل من قبل الممثلة، وتخبّط الإيقاع السردي بين الماضي والحاضر، والتأثير السلبي لصوت الموسيقا المصاحبة على استيعاب الحوارات والتواصل مع القصة المحكية في ثنايا العرض، وكذلك ضعف الدراماتورج الذي يعتبر عنصراً أساسياً للتحكم بخيوط اللعبة المسرحية.
وأدت هذه الثغرات إلى خذلان النص المكتوب بشعرية عالية، والذي عزّزته اقتباسات من قصائد عامية للشاعر الراحل أحمد راشد ثاني، منتقاة من ديوانه «يالماكل خنيزي.. ويالخارف ذهب» ومن ديوان آخر بعنوان: «سبع قصائد من أحمد راشد ثاني إلى أمه التي لا تعرفه»، هذه المعالم الشعرية التي تاهت في الفوضى الأدائية، لم تمنعنا من التقاط الخطوط العامة وإن بشكل مشوّه وغير مكتمل.
فالشاب عبدالله يعاني من تمرّد زوجته وانسياقها خلف الشهرة الزائفة لنجمات السوشيال ميديا والوسائل الحديثة للتواصل الاجتماعي، إضافة لمعاناته القديمة والمتراكمة من سلطة الأب (يقوم بدوره خالد البنّاي) والحضور العابر والمربك للأم (تقوم بدورها الفنانة أشواق)، حيث تتوافد الذكريات المرّة والثقيلة على الشاب، وكأنها أمواج سوداء تندفع من حياة ماضية، ولكنها تكرر عنفها وقسوتها في حياته الحاضرة، ما يضطره للتعايش مع رومانسيته المحطّمة، المسوّرة بعزاءات شعرية، والمكسوّة بقصائد تنطق بانكساراته وهزائمه الداخلية، وهي انكسارات موصولة أيضا بصراعات خارجية وتمزقات عاطفية بين الحنين الناعم، والواقع الجارح، خصوصا عندما نتعرف على شخصية والده الثمل على الدوام والذي مات، وهو في حالة سكر أمام باب المسجد، وهو ذات المسجد الذي تعرف قربه على «حمدة» ابنة المؤذن التقية والورعة، والتي انقلب حالها تماما بعد الزواج، وبعد انجرافها في عالم الشهرة الافتراضية، والذي وصفه المخرج مرعي الحليان بأنه عالم أشبه بمنصّات التفسّخ الأخلاقي، وكان واضحا رغم غياب صوت الممثلين وتداخل الأزمنة غير الواضح بالنسبة للمتفرج، أن المخرج كان يسعى لنقد هذه التحولات العنيفة في حياتنا المعاصرة، وأن شخصية الشاعر عبدالله، هي مثال قائم وقاتم للضحايا الحالمين بواقع أجمل وأفضل، ولكنهم تحت ضغط التبدلات العاصفة تحولوا إلى نماذج يائسة، تسعى لإيصال معاناتها بصدق وعمق، ولكنها ظهرت في المكان الخطأ والزمان الخطأ، وبمعية ميراث قاحل وموبوء باللعنة والانصياع لشرط الآخر، المهيمن والمستبد، الذي يعتاش على تفاهة سائدة، وعلى ذهنية سطحية كاسحة، تمتلك الصوت الأعلى، والحضور الأوضح، والأكثر فداحة وغرابة.

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©