السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

رسالة قوية ألهمت صاحبها.. وتلهم من يجاريها

رسالة قوية ألهمت صاحبها.. وتلهم من يجاريها
26 مارس 2019 02:36

محمد عبدالسميع (الشارقة)

«داليّة» صاحب السّمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبي، هي قصيدة من فرائد شعره الفصيح، تدلّ على مكانة الشعر الأثيرة لديه، هذه المكانة التي تنبع من التحدّي الذي سار عليه منذ بداية القصيدة حتى نهايتها؛ خصوصاً وقد قام صاحب السّمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم بمتطلبات هذا التحدّي من خلال تجويد قصيدة كبيرة ومطوّلة بالتشبيهات والصّور الفنيّة واستدعاء كلّ هذا التاريخ والموروث، وحين ينطلق الشاعر من إبراز الفرادة والتميّز في شعره، فإنّ ذلك حتماً سيكون مدعاةً لأن يبدع، فيضفي بظلال هذا كلّه على ما يكتب.
واستطاع صاحب السّمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم أن ينسج قطعةً موشّاةً بالبديع والبيان والبلاغة وحسن السبك والتصوير، متمثلاً ما يجعل من أبياته كثيرة العدد حاضرةً لدى المتلقي، فلا يملّ منها أو يراها ثقيلة، وما ذاك إلا لأنّ سموّه في هذه القصيدة وفي كلّ ما يكتب إنّما يصدر عن ثقافة عالية، يتكئ عليها في البناء الفنّي واختيار المفردات المناسبة، وبحور الشعر وموسيقاه المواتية لغرض القصيدة.
ولأنّ القصيدة حققت شروط التحدي في جمالية التصوير والبناء المدهش، فقد اتُّخذت أنموذجاً قويّاً لأن يبني عليه أبناؤنا الشباب في الحلقة الأخيرة من برنامج «أمير الشعراء»، قصائدهم كمجاراة لقصيدة بليغة هي من عيون شعر صاحب السّمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم في القصيدة العموديّة الأصيلة، لتكون بمنزلة اختبار لطبعهم الشعريّ وموهبتهم المأمولة في استلهامها ومساجلتها، وهو اختيار موفّق جداً لأن تكون «حيّاك من فلك» ميزاناً شعرياً توزن به قصائد المتسابقين، فتكون معياراً جمالياً وبنائيّاً ينتشر بينهم، فيتسابقون للوصول إلى مستواها، وفق ما أعلنه سعادة الدكتور علي بن تميم، رئيس لجنة تحكيم «أمير الشعراء»، من أنّ القصيدة هي مرآة لعلاقة الشاعر بشعره وذاته وموروثه اللغوي والثقافيّ، فضلاً عن حسن السبك فيها والصور المبتكرة التي اشتملت عليها القصيدة.

طاقة كبيرة
فالقصيدة، إذن، استمرار لقصائد كبار الشعراء في عصرنا العربيّ الزاهر بالفرائد والقلائد التي أبدعها شعراء العربيّة وصبّوا فيها الذّات وجوارها الإنسانيّ عنواناً لهم، فلا عجب أن نجد أنّ شعر المتنبي، شاعر العربيّة الأكبر، يتواصل اليوم على يد صاحب السّمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم الذي أخلص للغة وأقرّ لها برامج غاية في الدقة والتنظيم للحفاوة بها ونشر سحرها بين الأجيال.
وحين يبدع الشاعر في اللونين الفصيح والشعبيّ في الشعر، فإنّما هو يصدر عن طاقة كبيرة تؤكّد لنا أنّ صاحب السّمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم قد أخلص للقصيدة بغضّ النظر عن وعائها اللغويّ، طالما أنّه يدرك جيداً الفرق بين القصيدة والشعر؛ حيث الشعر عالم مدهش من الجمال وله شروطه اللائقة به في البناء الفنّي والتقنية المذهلة التي ظلّ يبدعها النَّفَس الشعريّ الطويل لصاحب السّمو، وهو ينتقي أبياته وفق معياريّ التحدّي والشرط الفنّي، في لغة اعتمدت الصّورة الخالية من التعقيد واللافتة للشعراء، بما اشتملت عليه من نار القوافي ومدادها وعظمة الأبيات في نفس قائلها، لتشكّل بحراً متلاطماً يظلّ يعصف بقارئها بين الإعجاب والتوقّف عند علائم التميّز، ذلك التصوّر المسبق والاستعداد الفطريّ الأصيل والمبكّر لصاحب السّمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم وهو يبدع «حيّاك من فلك» مثلما أبدع الكثير من الشعر طوال مسيرته الشعريّة التي شكّلت قاموساً للريادة في الربط الذّكي والتوليفات المذهلة في إظهار مفاتن القصيدة وكنوزها ونوادرها، فلا عجب إذن أن تنطلق حناجر الشعراء الشباب اليوم في التماس شيءٍ من بلاغة القصيدة وتصويرها الأصيل العذب الذي يدلّ على الانسجام الذي لا انفكاك له بين الشاعر والقصيدة.
في الأبيات التاليّة، والتي هي مجتزأ مهم وعيّنة قويّة على ما تزخر به داليّته المطوّلة من جماليات، عبّر صاحب السّمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم عن فرحته بالقصيدة، وإظهار قوّتها، وأنّها ستسير مشتهرةً بسببٍ من فرادتها وقوّتها؛ حيث اعتمد مسارين، هما: تفوّق القصيدة وبيان مسوّغات هذا السبق والتفوّق، في شخصه ومقدرته، فهو رائدها ومبتكرها، والمسار الثاني هو في مشاركة الآخرين حيرتهم وتفكيرهم الدّائم بكيفية استثمار هذا الجهد العبقريّ الذي أبدعه، ولذلك فقد ألبس هذه الأبيات لبوساً فنيّاً لا تقريريّاً؛ إذ الشعر هو أبعد ما يكون عن التقرير والوصف العاديّ الخالي من الإبداع.

«أخو بدعٍ»
أولاً، هذه الفرائد هي «شذرات» تعبّر عما يتوافر عليه صاحب السّمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، وهي إلهامٌ لا يأتي إلا لمن أخلص للقصيدة، بدليل تعبيره عن ذلك بـ «أخو بدعٍ»، من صفاته أنّه «يحلّ ويعقدُ»، دليلاً على المقدرة العالية في هذا المجال، كما أنّ السؤال المنطوي على تحدٍّ واضح من لدن سموّه يحيلنا إلى وصول المرتبة العالية جداً في ثقة الشاعر بشعره، أمام من مضى من الشعراء ومن يأتي: «إن كان من شعرٍ يخرّ له الورى/‏‏‏‏‏‏‏‏ فأنا بدعتُ فمن تراه سيسجدُ؟!»، وهذا قمّة القوّة وسنام الاعتزاز بالقصيدة، وواضحٌ في هذا البيت والبيت الذي سبقه تأثّر الشاعر بموروثه الديني والثقافي واستعارته هذا الموروث، في وحي القصيدة وإلهامها، وفي الشعر الذي ينحني له البلغاء والشعراء، أما «يحلّ ويعقد» فتحمل في مضمونها قرار الشاعر وتصرّفه بالقصيدة، حيث شاء من منطلق قوّةٍ وبأسٍ ومهارة واعتياد.
هذا الاعتياد نراه في الأبيات التي نجح صاحبها في الوفاء بشروطها والتزاماتها: فقد لثم صاحب السّمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم أكمام البيان، ووشم وجه الشعر، فأوقد بمداده نار القوافي، بل إنّ قصيدته التي أوحى بها «هاروت» هي قويّة بقوّة اعتقاد المتلقي بقوّة «هاروت»، فهي عصماء تفوق ما عُلّق من القصائد أو خُلِّد منها.
وتصويراً فنيّاً، دخل الشاعر في الأبيات السابقة عالماً من الانسجام الروحي والخلوة مع قصيدته الأثيرة: «ولثمت أكمام البيان، فراعني/‏‏‏‏‏‏‏‏ من قد أتى وله المحلّ الأوحدُ»، إذ أنّ لثم الشاعر أكمام البيان تعبيرٌ عالي المزاج عن قربه وتوحّده مع قصيدته وانسجامه معها، ومعرفته بما لم يعرفه آخرون خلال عالم لم يكن إلا هو والقصيدة فيه، أمّا عن قوله «وكتبت من آي القريض قصيدةً/‏‏‏‏‏‏‏‏ أوحى بها هاروت فهي الأجودُ»، فتعبيرٌ يحمل بالتأكيد سحر قصيدته، باستعارة فكرة السّحر كمعنى يدلّ على عنفوان القصيدة وجودتها، وفي هذا تأثّر كبير بالموروث الديني واستثمار له لمصلحة فكرة شعريّة موفّقة.

«زلزل» و«معبد»
هذه القصيدة التي طارت بها الصّادحات مترنّمةً على غريبها وقريبها، وهو تعبير يحمل معنى انتشارها لقوّتها وجمالها، لدرجة أنّ طيور السماء اتخذتها أنشودةً ولحناً تصدح به فيطرب على تغريدها الكون، إنّما هي قصيدةٌ تستحقّ أن ننشغل بالتفكير في «ما هي الحفاوة المثلى لهكذا إبداع؟!»، وما هو اللحن الأفضل لها بين الألحان؟!.. بل هل تأكّدنا من مقدرة الوتر أو مجموعة الأوتار واستطاعتها لأن تحمل جمالية هذا القول البليغ والقوي إلى الناس؟!..بل هل في «الناي» من مدىً لأن تسير في جوفه الحزين إلى الفضاء مثل هكذا قصيدة لم يبدعها شاعر، ومثل ذلك بقيّة الآلات التي يأسى صاحب السّمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم لحالها أمام إبداعه الذي قُدّر لها أن تحمله، ثمّ، يأتي السؤال الكبير الذي يتوّج كلّ ذلك، لينقل حيرة الناس وتأنيهم في نسبتها للبشر لما حوته من الزمرّد والزبرجد، وهو دليلٌ على قوّتها وعلو مكانتها وبلاغتها المتفوّقة.
وفي التعبير عما سبق، استعار صاحب السّمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم من الموروث الثقافي الموسيقيّ العربي شخصي «زلزل» و«معبد» في تلحين القصيدة وغنائها، وتخاصمهما على طريقة الحفاوة بالقصيدة في التفكير المستمر باختيار الأوتار المناسبة والناي، وما يلزم من حواضن موسيقيّة لهذا القول البليغ القويّ والمتفرّد والعذب في عالم الشعر.

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©