الخميس 28 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

مجاريح.. الضحية تتقمَّص دور الجلاد

مجاريح.. الضحية تتقمَّص دور الجلاد
24 مارس 2019 01:39

عصام أبو القاسم (الشارقة)

شاركت فرقة مسرح الشارقة الوطني، مؤخراً بمسرحية «مجاريح» تأليف إسماعيل عبد الله وإخراج محمد العامري، في مهرجان الشارقة للمسرح الخليجي، وأمس الأول قدمت الفرقة العرض ذاته بمسرح قصر الثقافة في إطار مشاركتها بمهرجان أيام الشارقة المسرحية في دورته التاسعة والعشرين «داخل المسابقة»؛ فهل يسمح الوقت بين العرضين بإجراء أي تغييرات على هوية العرض التي شوهدت في «الخليجي»، وكيف يمكن لرائي العرض في المرة الأولى أن يتعاطى مع نسخته الثانية، لا سيما بعد الصدى القوي الذي حققه سابقاً وفاز بجوائز عدة، من بينها جائزة الإخراج التي استحقها العامري؟ هذه أسئلة لا بد من طرحها عند مشاهدة العرض، خاصة بالنسبة لشخص تابع نسخته التي قدمت في فبراير الماضي.
لا بد من الإشارة إلى أن فريق العمل، فقد في المسافة الزمنية بين العرضين، أحد المشاركين به، وهو الفنان الراحل حميد سمبيج، الذي فجعنا برحيله في العاشر من الشهر الجاري، إثر علة لم تمهله طويلاً، وطغى هذا الفقد على صورة العرض التي قدمت مساء أمس الأول، وعمد فريق العرض إلى تسجيل لحظة حزنه في المشهد الختامي للعرض عبر مادة فليمية بثت مصحوبة بصوت الراحل، وقد أحدثت هذه اللمحة التذكارية أثراً وجدانياً عميقاً تداعى معه جميع الحضور بالأسى والدموع.
إذن، جاء المخرج بممثل آخر (محمد غانم) ليحل محل الراحل سمبيج، كما توجه إلى إحداث بعض التغييرات على مستوى الأدوات التي استخدمها لترسيم وإبراز الحدود الزمنية (النهار والليل والماضي والحاضر)، ومناطق الوقائع ومنطق التشخيص والتحولات والحالات النفسية.
العمل الذي استند إلى نص مسرحي، والذي كتب بلغة عامية مفعمة بالحس الشعري، تتأسس حبكته على مواجهة عائلية أطرافها الأم (قامت بالدور بدور) والأب (قام بالدور موسى البقيشي) من جهة والبنت (قامت بالدور سارة) من جهة أخرى، ترغب هذه الأخيرة في الزواج من الشخص الذي تحبه لكن والديها سبق لهما أن اتفقا على تزويجها من شخص آخر. يتخذ الكاتب من هذه المجابهة ذات الطابع العائلي والمتعلق بمسألة حرية الاختيار، نقطة انطلاق ليضيء ماضي «الأب والأم»، وليعكس من خلال هذه الإضاءة التقاليد والقيم التي كانت سائدة في المجتمع، على مستوى العلاقات بين الناس، استناداً إلى الفروقات بين الجنس والعرق واللون.
ويحصل هذا الانتقال إلى الماضي حين تسأل البنت والدها عن سر إصراره على تقييد حريتها في انتقاء ما تريده وفيما لو كان للأمر صلة بتاريخه الشخصي.
ونستبين من مراوحة العرض بين الماضي والحاضر في هذا المستوى، أن الحرية ليست منحة إنما حق، وهي لا تعطى ولكنها تولد معنا (كما يرد في جملة للشابة).
ينتقل العرض إلى الماضي، حيث كانت الاختلافات العرقية بين الناس حاكمة لعلاقاتهم، فلا يمكن لشخص مثل «فيروز» أن يتزوج من سيدة مثل «ميثاء»، فلا لون يوحدهما ولا مكانة اجتماعية تجمعهما، هكذا قضت قوانين المجتمع، بيد أنهما لم يرتضيا بذلك، خاصة الأم التي هربت ذات ليلة رافضة قرار والدها بتزويجها من زوج يماثلها لوناً ومكانة وعرقاً، ومتحيزة لما اختاره قلبها وهو «فيروز»، الذي عاشت معه ودفعت ثمناً لذلك انفصالاً دائماً عن العائلة.
وحين انتقل المخرج بصورة عرضه إلى الماضي، في النسخة التي تابعناها أول أمس، عمد إلى استثمار مرئيات الحياة اليومية في ذلك المجتمع القديم، ولكن على نحو مكثف ومقتصد، ليعطي لغة الحوار الملفوظ، الثرية والمحتشدة بالمجازات والاستعارات، مجالاً أوسع للتجلي والحضور، إذن تابعنا ملامح من يوميات الأب الذي أمضى أيامه تلك في حال تختلط فيها مشاعر القهر والاضطهاد، وهو على هذه الحال لا يجد السلوى إلا في عيون حبيبته، وإيقاعات وأنغام الفرقة الشعبية التي يرافقها التي تشكل معازفها وأغانيها الموقعة على آلات مثل الهبان القرب والكاسر وغيرها من أدوات الموسيقا الشعبية، فضاءً روحياً ووجدانياً بديلاً لذلك الذي يعيشه على المستوى الواقعي، فينسى لحين أحزانه وانكساراته وانسداد الأفق أمامه.
وأضاف العامري جديداً في صياغته لمشهدية الماضي في العرض الجديد، فلقد استخدم الفوانيس أيضاً، كمصدر مغاير للضوء المسرحي، وبوصفها من وسائل الحياة الاجتماعية في الأيام الأولى.
يظل الأب على موقفه الرافض لاختيار البنت إلا أنه بعدما يستعيد ماضيه، وإثر محادثة مع زوجته، يدرك أنه تعامل مع موقف ابنته وقد تملكته روح قاهِرِهِ (والد زوجته) فهو فعل ما كان يُفعل به، وحين يتراجع يكون الوقت قد فات وهربت ابنته، مجسدة دور أمها الذي جسدته قبل عشرين سنة.
وكما في المرة الأولى، بدت «الحبال» الملمح الأبرز في الاستعارات الرمزية التي استخدمها المخرج لترجمة منظوره إلى النص، ولكنه أضاف إليها الفوانيس هذه المرة، منوعاً في منهجية استثمارها، فالمتدلية في شكل مثلث، وفي مدى أطول، من فوق منصة العرض، بدت مرة شبيهة بخيمة أو بيت كما ظهرت كقيود تحيط بالعائلة، أما تلك الحبال التي توزعت على سطح الخشبة، وقد بدت مقصوصة أو مجزوزة، وظهرت في هيئتها مثيلة للنباتات الطفيلية، وقد لعبت دوراً مزدوجاً، فهي تمظهرت كذكرى لحبال العبودية التي قطِّعت سابقاً، كما بدت كأرضية خشنة تدور من فوقها وقائع العرض في زمنه الحاضر.
ثمة العديد من اللمحات الإخراجية، ظهرت في المنظر العام للعرض، مثل حفلة العرس، وجهاز العروس، وفقرات الفرقة الشعبية التي أدتها في المحفل، ومنها أدائية الشويبة، وغيرها من الأشكال الأدائية المرتبطة بالفرق الشعبية، كل ذلك كان له دوره في إثراء العرض بنائياً وشكلياً.

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©