السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

فراغ يملأه الفراغ

فراغ يملأه الفراغ
23 فبراير 2011 19:40
مازالت علاقة ثورة يوليو 1952 في مصر بالأحزاب قيد الدراسة والبحث، ليس فقط بسبب الطابع التاريخي لهذه القضية، لكن لأنها ترتبط بالشأن الحاضر، فهي في قلب المسألة الديمقراطية المطروحة في دول المنطقة، وقد سبق لكثير من الدارسين ان خاضوا في هذه القضية، لكن د. احمد زكريا الشلق استاذ التاريخ بجامعة عين شمس ابى إلا ان يشارك في هذا الامر بكتابه الجديد “ثورة يوليو والحياة الحزبية.. النظام واحتواء الجماهير”. والواضح انه تكونت لدى الضباط الأحرار منذ فترة مبكرة قناعة تامة بإفلاس النخبة الحاكمة في مصر، فقد عجزت هذه النخبة عن ان تحقق مبدأ الاستقلال الوطني وطرد الانجليز من مصر، صحيح ان هذه النخبة قدمت استقلالا منقوصا في عام 1922، وفي عام 1936 لكنها لم تنجز الاستقلال التام ولذا تساوى لدى الضباط الأحرار طرد الانجليز وطرد الملك ومعه النخبة الحاكمة من رجال الاحزاب خاصة “الوفد” أي الذين كانوا يشاركون في الحكم. إلغاء تدريجي وفي المقابل لم ينتبه رجال الاحزاب الى هذا الامر وتصوروا في البداية ان الضباط الأحرار قاموا بالانقلاب على الملك وانهم بأداء هذه المهمة سوف يعودون الى الثكنات ويتركون لهم الحكم. ومن البداية كانت هناك شكوك ومخاوف متبادلة بين الضباط وقادة الاحزاب، صحيح ان قادة الاحزاب اندفعوا الى الضباط للتهنئة والمباركة لاسيما بعد ان خرج الملك فاروق من مصر، وفوجئ الضباط بهؤلاء الكبار وقد اخذوا في التهاوي والتصاغر أمامهم. قادة الاحزاب ايضا كان لديهم شك في نوايا هؤلاء الضباط وتثبت الوقائع ان كلا من الفريقين كان محقا في مخاوفه وشكوكه، وطبائع الامور كانت توجب ان ينسحب أو يختفي طرف منهما، وقد اختفى رجال الاحزاب. ورغب الضباط الأحرار ازاحة الاحزاب يوم خروج الملك فاروق لكنهم لم يكونوا قادرين على ذلك، لذا عملوا على تحقيقه بالتدريج وفي سبتمبر عام 1952 صدر قانون تنظيم الأحزاب ودعت فيه الثورة رجال الأحزاب الى تطهير انفسهم وأحزابهم وابتلع هؤلاء الطعم وأخذوا في فصل بعض الأعضاء وقام الوفد بفصل 12 عضوا من البارزين كانوا وزراء سابقين وشيوخا، وهكذا فعلت بقية الاحزاب إلا الأحرار الدستوريين أدركوا مغزى هذه الدعوة وقبل ذلك كانت الأحزاب قد شنت هجوما قاسيا على الملك فاروق ولم ينتبهو الى ان هذا الهجوم يدينهم، فقد كان الملك رأس النظام وكانوا هم أعوانه وأدواته والضباط يتابعون ويرصدون كل هذا، وفي سبتمبر 1952 شكل محمد نجيب الحكومة واختار فيها 6 أعضاء من رجال الحزب الوطني الجديد كان كل اعضاء الوزارة 15 وهؤلاء اختيروا ليس بسبب عضويتهم بالحزب الوطني لكن كان ذلك مؤشرا على ان نجيب ومن معه لا يريدون الاحزاب، فقد كان الحزب الوطني حزبا هامشيا، وبعد عدة شهور وفي يناير 1953 صدر قرار حل الاحزاب المصرية وفي مقدمتها حزب “الوفد” صاحب التاريخ العتيد. الغريب أنه لم تحدث حالة احتجاج واحدة في الشارع على إلغاء الاحزاب ولاقامت مظاهرة واحدة تدافع عن اي حزب، صحيح ان الضباط كانوا قد اصدروا قانون الاصلاح الزراعي الذي خاطب الفقراء، لكن هل كان المواطنون قد سئموا الأحزاب الى هذه الدرجة؟! الواضح ان الرأي العام ربط بين الأحزاب والملك، وما قيل عن فساد الملك أو انحرافاته أصاب الأحزاب ايضا، فلم تكن الأحزاب بعيدة عن الملك بل كانت كلها تشيد به وتخطب وده. البديل العقيم تخلص الضباط بسهولة من الأحزاب القائمة بلا صعوبات كبيرة، لكن الصعوبة الحقيقية كانت في إيجاد البديل، ويبدو انهم ادركوا ذلك فبعد أسبوع من حل الاحزاب شرعت الثورة في إنشاء تنظيم خاص بها، يحتوي الجماهير ويسيطر على الشارع، هذا التنظيم هو “هيئة التحرير” واعلن الرئيس محمد نجيب شعارات وأهداف ذلك التنظيم وهي “الاتحاد والنظام والعمل” وكان رئيس الهيئة محمد نجيب وسكرتيرها العام البكباشى جمال عبدالناصر وكانت أهدافها مستقاة من مبادئ ثورة يوليو الستة. حيث تركزت في العمل على تحرير وادي النيل من القوات الاجنبية والحفاظ على الحريات العامة وتحقيق العدالة الاجتماعية وتعميق العلاقات والصلات العربية، لكن هذه الهيئة لم تنجح رغم الجهد والدعم اللامحدود الذي بذل لإنجاحها، وربما كان السبب هو ان الضباط لم تكن لديهم ايديولوجية سياسية محددة، عبدالناصر نفسه لم يكن يعتنق اي ايديولوجية لقد مر على “مصر الفتاة” و”الحزب الوطني” و”الاخوان” و”الشيوعيين” كان لديه حماس وطني ولذا جذبه اكثر “مصر الفتاة” وشعارات احمد حسين ، لكن لم يرتبط بايديولوجية محددة، وربما بسبب الصراع بين نجيب والضباط من رفاقه لم تنجح “هيئة التحرير” لذا عمل عبدالناصر على إلغائها في عام 1956 وأقام مكانها “الاتحاد القومي” بهدف بناء مجتمع اشتراكي تعاوني. وكان عبدالناصر قد انفرد بالسلطة وتخلص من رموز النظام القديم جميعا ومن بقي منهم أمكن تطويعه وتخلص كذلك من محمد نجيب وبدأت صورته تتضح في العالم، لكنه في نهاية الخمسينيات اكتشف ان ذلك التنظيم بلا فاعلية ولا تواجد حقيقي في الشارع والمثقفون ابتعدوا عنه، وظهر ما تحدث عنه محمد حسنين هيكل عام 1960 باسم “أزمة المثقفين” حيث كانت لهم ملاحظات عميقة وحادة على النظام مثل استعانته بأهل الثقة وليس بأهل الخبرة واعتماده على العسكريين وليس على المدنيين وقيام النظام بقطيعة تامة مع الماضي الوطني للمرحلة السابقة. ولما ثبت عجز “الاتحاد القومي” وعدم فاعليته تم انهاؤه وتأسس “الاتحاد الاشتراكي العربي” ولم يكن له نصيب كبير من النجاح وثبت ذلك لدى عبدالناصر إبان ازمة يونيه 1967 فالجماهير التي تحركت يوم 9 و10 يونيه 1967 لم تكن جماهير الاتحاد الاشتراكي وحين وقعت المظاهرات عام 1968 تبين لعبدالناصر عدم فاعلية التنظيم لذا طرح في عام 1968 وثيقة أو بيان 30 مارس لتطوير الاتحاد الاشتراكي. ولما مات عبدالناصر اطاح السادات في 15 مايو 1971 برموز الاتحاد الاشتراكي ولم يبك عليهم احد. وفي النهاية ألغى السادات الاتحاد الاشتراكي في عام 1976 لكنه قبل الإلغاء حاول تطويره وأصدر ورقة اكتوبر في مطلع عام 1974 لكن كان التنظيم عصيا على التطوير. اعتمدت ثورة يوليو التنظيم الواحد. شمولي الطابع والتكوين، ولم يثبت نجاحا لذا اتجه السادات من جديد الى التعددية الحزبية لكن المعضلة الحقيقية ان هذه التعددية لم يثبت نجاحها الى اليوم.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©