الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

زيمبابوي: أسباب الانهيار الشامل

زيمبابوي: أسباب الانهيار الشامل
26 مايو 2009 03:55
شاهد الزيمبابويون دخلهم وهو يتهاوى بمعدّل أكثر من الثلثين في خضّم أداء اقتصادي لبلادهم هو أسوأ ما يمكن تصوره، مقارنة مع بقية البلدان ذات المعطيات المماثلة. وعلى رغم ذلك ما زال بإمكانهم إنقاذ بلدهم إذا ما توفرت لهم الفرصة المواتية لذلك. والخبر الجيد، في هذا الاتجاه، هو أن الإصلاحات الاقتصادية سرعان ما تؤتي أكُلُها: فقد عرفت كل البلدان المجاورة لزيمبابوي فوائد تحرير التجارة في العقد الماضي. وحتى الاقتصاد الزيمبابوي نفسه كان في مقدمة المصدّرين في المنطقة حتى سنوات قليلة. فكل تسهيل للأنظمة الضريبية والتجارية، أو دعم لقانون العقود والأمن العام، له تأثير مباشر على معدلات دخل الأفراد، والعائلات، والاقتصاد في مجمله. وما الواقع المزري الآن ووباء الكوليرا المتفشي في زيمبابوي منذ أمد بعيد إلا علامة أخرى من علامات الواقع الصعب والعنيد. فمنذ عام 1998، كان معدّل متوسط العمر للزيمبابويين قد تراجع من 55 عاماً إلى 35 عاماً فقط. ناهيك عن معدّل البطالة الذي يطال أكثر من 80 في المئة من السكان. وأكثر من ذلك أن نصف الزيمبابويين تقريباً معرّضون لمخاطر سوء التغذية والمجاعة: فهناك ثمانية ملايين شخص يحتاجون إلى المعونات الغذائية -وهو ضعف العدد الذي كان قائماً قبل سنوات قليلة فقط. ويعاني أطفال زيمبابوي أيضاً من أعلى معدلات الوفيات، وسوء التغذية والنمو المتعثّر بين جميع البلدان الأفريقية الواقعة جنوب الصحراء الكُبرى. وقد لجأت القوى المتنفذة الفاسدة إلى القوة من خلال فرض الأحكام العرفية، وسرقة الأرض لصالحها، والسيطرة على الإعلام، وحظر المعارضة. واعتُقِل ناشطو المعارضة أو اغتيلوا، بينما تعرض القضاء للإهمال. وتبدو حكومة التوافق ثنائية الحزبية الحالية وكأنها مكيدة أخرى من مكائد موجابي، لسحق أعدائه من خلال استمالتهم أكثر فأكثر لممارسة السلطة. وقد سجّل منتدى زيمبابوي لمنظمات حقوق الإنسان غير الحكومية أكثر من 20 ألف حالة انتهاك لحقوق الإنسان بما فيها 3 آلاف حالة تعذيب منذ عام 2001. وبدلا من حماية الناس من العنف، تحمي قوات الأمن النظام الحاكم، وتصب وبال العنف على رؤوس العامة. ولذا فلا غرابة إذا ما نزح الآلاف عبر الحدود مع دولتي بوتسوانا وجنوب أفريقيا، بينما يتم إرجاع وطرد آلاف آخرين كل يوم. وحوالي ثلث سكان البلد يعيشون في الخارج. ويزعم نظام زيمبابوي أن الأمر برمته يعود إلى خطأ المستعمرين البريطانيين، وليس الخطأ الناتج عن القمع الذي يمارسه النظام، والإنفاق المتهوّر، والضرائب، والقيود المفروضة على الأعمال التجارية والتضخم. وباستخدام عبارات مبتذلة ولكن ملائمة، حول نظام موجابي زيمبابوي التي كانت تعرف بـ«سلة خبز المنطقة» إلى سلة كوابيس تسحق آمال الملايين. ولكن، مع ذلك، ليست زيمبابوي حالة ميؤوساً منها بعد. فلا يزال في هذا البلد عدد من المقاولين، وأصحاب المناجم، والمزارعين، وموظفي التربية والتعليم، وحتى بعض موظفي الخدمة العمومية المتبقين من فترة ازدهار البلد. كما أن الدول المجاورة لزيمبابوي تبقى، على كل حال، دولا صديقة، على رغم علاقتها المتوترة مع موجابي. كما قطعت البلاد خطوة كبيرة إلى الأمام حين سمح بالتداول في العملات الأجنبية على أرضها، وجاءت هذه العملات لتحلّ محل عملتها الوطنية المفرطة في التضخّم، بشكل خرافي. وإن كانت زيمبابوي تحتاج الآن إلى كبح جماح الإنفاق الحكومي، واستعادة الحريات الاقتصادية لتحرير كل عامل منتج من براثن التدابير التنظيمية الخانقة، والضرائب الطاردة التي دفعت جزءاً كبيراً من النشاطات الاقتصادية نحو السوق الخفية السوداء. وتقدّر مؤسسة التمويل الدولية أن البدء بمشروع تجاري في زيمبابوي يحتاج إلى 96 يوماً، و481 يوما للإيفاء بالتراخيص، و30 يوماً آخر لتسجيل ملكية معينة. ولذا فإن تعقيد الأمور، بهذه الكيفية، وعلى نحو مصطنع، في وجه المشاريع التجارية الجديدة يجعل -تلقائياً- إمكانية خلق فرص عمل جديدة مجازفة بالغة الصعوبة -فتكلفة استئجار موظف أو أجير تعادل متوسط الراتب في البلد أربع عشرة مرة. وفي المقابل فإن البلدان النامية التي خفضت الحواجز التجارية في التسعينيات، حققت نسبة نمو أسرع بمعدّل ثلاثة أضعاف (أي بواقع 5 في المئة سنوياً) معدلات تلك البلدان التي أبقت على سياساتها التجارية دون تغيير. وأما زيمبابوي فقصة أخرى، فقد فرضت قيوداً على التجارة الخارجية مع العالم. ولم تتأخر النتيجة، فهي تحتل الآن المرتبة السابعة الأسوأ في مؤشر البنك الدولي للقيود التجارية. وليس هذا كل شيء، فقد هيمن الاستيلاء على المزارع التي يمتلكها البيض على عناوين الأخبار، ولكن الحقيقة المُرّة هي أن حقوق الملكية الخاصة للأفراد قد انتهكت أيضاً وتعرّضتْ للدمار، سواء أكانت أراضي صغيرة، أم مشاريع كبيرة. ومعظم الزيمبابويين لا يستطيعون الحصول على سندات ملكية رسمية، بما في ذلك أولئك الذين مُنحوا أرضاً مغصوبة من آخرين. إن الدرس المجرّب وذا النتائج المؤكدة لتطوير التجارة، والانخراط في الأعمال التجارية، وتوفير فرص العمل، وتسجيل الأراضي، ليس معقداً مع ذلك، وكلمة السر فيه هي: بسِّطْ، ثم بسِّط، ثم بسِّطْ. غير أن البساطة ليست بالأمر السهل. فالأقلية القوية والمخيفة تستفيد من النظام الذي تسبب في هذه الفوضى. ولكن في مرحلة معينة في المستقبل القريب، ستضعف هيمنة حزب موجابي الذي يدعى حزب «زانو- بي. أف» (ZANU-PF)، وسيتهاوى ليفسح المجال أمام الإصلاح. وعلى المصلحين أن يستعدّوا ويحضّروا السياسات المؤكدة والمجرّبة التي أثبتت نجاحها في أماكن أخرى، والتي يمكن أن تنجح في زيمبابوي أيضاً. تمبا نولوتشونجو كاتب من زيمبابوي يعمل في هيئة «الأوراق الزيمبابوية» ينشر بترتيب خاص مع خدمة «منبر الحرية»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©