الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

معادلة سرية عالمية للحضارات

معادلة سرية عالمية للحضارات
21 مارس 2019 02:56

غالية خوجة (دبي)

إذا أردنا أن نعرف تطورات أمة من الأمم فلا بد أن يكون الشعر هو البوصلة. وأمتنا العربية مولعة بالشعر منذ الأزمنة الغابرة، وما زالت تنجب الشعر الذي نحتفي بيومه العالمي مع أعياد مختلفة، منها عيد الأم، وكأن الشعر أم ثانية للإنسان، تهتم به، وتضيء له الغياهب، وتشعّ معه أثناء الكشف. وإذ يحتفل العالم باليوم العالمي للشعر، تثور في البال أسئلة عن مستقبله، هل يأفل في عصر الديجيتال والواتس والفيسبوك وغيرها، هل يدخل في حال افتراضية ينافس فيها وسائل التواصل الاجتماعي، أم يبقى بيننا كائناً أسطورياً حياً؟
رغم اختلاف المشاركين وتعدد آرائهم، إلا أنهم يجمعون على بقاء الشعر، وأنه لن يموت.. وستظل جذوته متقدة في القلوب ما دامت الحياة، وما بقي الإنسان.. ربما تتغير علاقتنا مع الشعر، لكنه سيبقى سرّ الإنسان، وسرّ الكون، وسرّ الخلود البشري و ماء حياة الحضارات..
يقول الشاعر والإعلامي خالد البدور: لاشك أن علاقة الإنسان بالشعر قد تأثرت كثيراً في العقدين الأخيرين، لكن، ما دام للإنسان لغة مكتوبة يستخدمها فسيبقى هناك من يكتب ومن يقرأ الشعر، ويمكن القول إن تحول علاقتنا بالشعر يرجع إلى تحول علاقتنا باللغة ذاتها، هذه العلاقة تغيرت اليوم، إضافة إلى وجود وسائط اتصال عديدة تستخدم لغات بصرية وسمعية تسيطر على خياراتنا بما فيها قراءة الشعر والاستماع إليه.
واسترسل: لا نعرف ماذا يحدث في المدارس والجامعات؟ هل اختفى منها تدريس الأدب؟ في الكثير من الدول هناك برامج إعلامية وأنشطة ثقافية مرتبطة بالشعر والشعراء، وإن كان ذلك أصبح يتم على نطاق محدود، خاصة بين الجيل الحالي، إلا أن مثل هذه الأنشطة موجودة، والزائر لمعظم المدن الكبرى في العالم يجد ضمن الأنشطة الثقافية مهرجانات شعرية، كما أن أصحاب المكتبات يخبروننا أنه ما زال
هناك قراء يأتون ويسألون عن دواوين الشعر. وفي المجالس حين يرد اسم شاعر فإن الكثيرين يسارعون للبحث عنه في شبكة الإنترنت، إذن، سيبقى للإنسان حاجة ما في نفسه للشعر، سنبقى نحتاج الشعر ونرغب في سماعه وقراءته بطريقة أو أخرى، وقد يتحول إلى صورة عليها كتابة في وسائل التواصل الحديثة، إلى أغنية، إلى بطاقة معايدة.. وهكذا تتحول علاقتنا بالشعر اليوم، لكنه يظل حياً وباقياً في العقول والقلوب.

مشكلتنا في النوعية
ورأت الشاعرة الإماراتية الهنوف محمد بأن الشعر باق ما بقيت الحياة، الشعر يتنفس، وخاصة بين المبدعين غير الشعراء، لأن الإنسان العادي يشعر بالشعر، وإذا مارسه كتابة فإنه يعيش الشعر مرتين. لن يموت الشعر أبداً حتى في الزمن الافتراضي الذي يجمّد عواطفنا، ومشكلتنا ليست مع الشعر، بل مع نوعية الشعر. وربما، مشكلتنا أننا بدأنا نفقد وهج الشعر، لأننا نفتقد نجومية الشعر. وأضافت: الكتابة الشعرية موجودة لكن الإبداع الشعري نادر، وعموماً، ما زالت القصيدة العربية والإماراتية تعيش على أطلال قصائد الشعراء النجوم والقصيدة النجمة، أمثال محمود درويش، ونزار قباني.

دون الشعر تسقط الحضارات
الشاعر اللبناني ناجي نعمان المعروف بمؤسسته للثقافة بالمجان فاجأنا بسؤال: من أَفتى أنّ الشّعر لم يَجْتَحْ بَعدُ موجةَ العالَم الافتِراضيِّ، أو أنَّه لن يَستطيعَ فِعلَ ذلك ذاتَ يوم قريب؟ ثمَّ، مَن قال إنّ العالم الافتراضيّ هو نهاية الأزمنة، أو أنْ لا عودة مُمكنَة مِن ذا العالَم إلى العالمِ الَّذي عرفَه جيلنا أو جيل الأقدَمين، حيث الشّعر هو السيِد، جَماليَّات ومَعان؟ أَوَليس الشِّعر الشُّعورَ خارِجًا مِن كلّ منا، كُلٌّ على طريقته؟ أَوَليس «الكل يشعر وما من شاعر، بل محاوِل»؟ بمعنى أن الشِّعر يرتجى فيما لا نبلغ الشاعريّة بأعلى مَراتِبها أبدًا؟ ثم كيف لنا أن نتوقَّف عن الشعر ولَمَّا نُعْطِه، بَعدُ، حقه في الكمال؟
وأكد: الشعر وراء قيام الأَساطير، بل هو الَذي خلَّدها، وهو وراء قيام الحضارات، بل هو الَّذي يُبقي عليها. دون الشعر تسقط الحضارات وتقوم الجَهالات.

الشعر في احتضار
وأخبرنا الشاعر المترجم د.جورجي غريغوري رئيس قسم اللغة العربية في جامعة بوخارست الرومانية أن الشعر لا يموت ما دامت البشرية، لأن الشعر مطبوع في ذات الإنسان، وأنا أقصد بذلك الحالة النفسية، أما الشعر كفن فشيء آخر، لأن الشعر كفن فقد ذاته، لأن الناس متعجلة، ولا تقف للاستماع للآخر، كل إنسان يريد أن يبدي رأيه، ويصف عواطفه، دون أن ينظر إلى ما يكتبه الآخرون، وفي وسائل التواصل الاجتماعي، هناك ضوضاء وضجيج، لأن كافة الناس تصرخ، لكن، أين المستمع؟ وأين الشاعر؟
وتابع د.غريغوري: الشعر كحالة نفسية تدوم، نجدها في صورة زهرة أو قطة أو زاوية من الطبيعة، نجدها من خلال ابتسامة، وغير ذلك. ولكن الشعر فعلاً في احتضار، فمن يشتري دواوين الشعر؟ من يقرأها؟ من الضروري أن نتوقف قليلاً، من الضروري أن نسترجع أنفاسنا، وبهدوء، لنمسك مجموعة شعرية، ونتمتع بها، ونتذوق الشعر ونبكي ليلاً.. «قفا نبكِ».

حتى تترك الإبل الحنين
بينما أجابنا الشاعر محمد عبد الله البريكي مدير بيت الشعر في الشارقة: لدي إيمان عميق بأهمية الشعر وحضوره، ولأنه اكتسب أهمية بالغة لدى الأمم، ومنهم العرب القائلة: لن يترك العرب الشعر حتى تترك الإبل الحنين، وحين نرى ضجيج المدن، وتصاعد الملوثات، نرى في الجانب الآخر من يهرب من الضوضاء إلى الهدوء، من يترك الرفاهية وازدحام المباني ليجلس على رمال الصحراء ويتناغم مع تلك البيئة الهادئة الحالمة، التي تثبت يوماً بعد آخر أنها سفينة الصحراء مثلما يثبت الشعر أنه ديوان العرب. الشعر للعرب الهواء والماء، هو الحياة، والشعر والموسيقى جناحا طائر يحلق في سماء الدهشة والإبداع.

الإمارات.. شعر
الإمارات فيها أكاديمية الشعر، وشاعر المليون، وأمير الشعراء، وبيوت الشعر المفعّلة داخلياً، وخارجياً، وهناك شاعرات إماراتيات مرشحات للتصفيات النهائية في برامج أخرى، ومسابقات شعرية لغير الناطقين بالعربية، مثل جائزة القصيدة العربية للهنود، أجابت الكاتبة د.مريم الشناصي، وتابعت: بعض دور النشر الإماراتية متخصصة في الإصدارات الشعرية، وعند العشاق والمحبين ما زال الشعر متربعاً على عرش القلوب، وعلى مستوى الخليج العربي، والعالم العربي، فإن الشعر مزدهر، وأنا من الذين يرون المستقبل للشعر.

الشعر موسيقى الوجود
ورأى الكاتب اليمني د.عمر عبد العزيز رئيس قسم الدراسات والبحوث بدائرة الثقافة والإعلام بالشارقة أن العالم محكوم بموسيقاه الخاصة، وللوجود موسيقى يمكننا أن نسميها البوصلة، موسيقى الوجود تستمد عناصرها وجوهرها الأصيل من قوانين الكون والطبيعة والمجتمع المبثوثة بأمر الحق. وستبقى الموسيقى ما بقيت الأكوان، والشعرية بمعناها الواسع هي حالة تمثّلٍ كلياني لموسيقى الوجود، سواء من حيث الشعرية، والألسنية، والمقامات الشكلية والصوتية للغة، وسواء من حيث علاقة الشعر بسياق النص، ودلالاته المتعددة، ومعانيه الملتبسة. واختتم: هذه الأسباب مجتمعة هي الموسيقى والشعرية، التي تتخطى الجغرافيا، لأن الشعر يستمد جذوره من التاريخ المشترك والهوية اللغوية الواحدة والبيئة الثقافية الأنثروبولوجية المناسبة الممتدة من الماء إلى الماء.

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©