السبت 18 مايو 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

«عكوس سالمين» ينسج خيوط الذاكرة الرفيعة عبر الفوتوغرافيا

«عكوس سالمين» ينسج خيوط الذاكرة الرفيعة عبر الفوتوغرافيا
20 مارس 2020 00:08

نوف الموسى (دبي)

في اللحظة التي تبدأ فيها الأشياء بالتغير عبر الزمن، يقف الإنسان عند لحظة التحول متسائلاً كيف سيكون شكل الذاكرة وتأثيرها عليه عبر كل نقلة جديدة مختلفة تماماً، في تفاصيلها وتشكيلها للأحداث والمعتقدات والقيم ولأسلوب الحياة وتعاطينا مع أنفسنا والآخر؟ بالنسبة للمصور الفوتوغرافي علي الشريف، فإن المسألة تمتد إلى حاجته الملحة في أن يكون هناك ما يمسك بطرف خيط رفيع بين الذاكرة باعتبارها تاريخا ممتدا، وبين كونها مشاهد لصور فوتوغرافية متتالية ومتسارعة من حياتنا، قد نكون كأجيال جديدة لم نعاصرها، وبالأخص الفترة التي سبقت قيام دولة الإمارات في عام 1971، وما بعدها، وهي أحد الأسباب الجوهرية التي جعلت الشريف يعمل على الأرشفة والبحث عن الصور القديمة من خلال التواصل مع عائلات عدة، عايش أفرادها تلك الفترة المهمة والفاصلة من عمر التحولات في مجتمعنا المحلي، إيماناً منه بكونها مرجعية اجتماعية وثقافية ومعرفية. ما جعله ينجح في إقناع العديد من تلك العائلات بمنح جزء من الذاكرة الفوتوغرافية التي التقطوها في مدينة دبي بصورة خاصة، والإمارات عموماً، ويستخرج منها مشاريع لإصدارات توثيقية، ومنها كتاب أنتجه مؤخراً بعنوان «عكوس سالمين» من إعداده وتنفيذه، صدر عن دار كلمن للنشر والتوزيع، يتناول أهم المحطات في حياة المصور سالمين محمد السويدي، إضافة إلى أبرز ما التقطه من صور تؤرخ ذاكرة الحياة في الإمارات.
الإطلاع على تجربة علي الشريف، من خلال التعرف على الحوارات البحثية مع المصور الإماراتي سالمين السويدي ـ في السبعينيات من عمره ـ التي استمرت بين 3 إلى 4 ساعات عبر عدة جلسات على مدى 10 أيام، يعكس لنا دور الأفراد في فتح أفق ومسارات معرفية توازي الفعل المؤسسي بل ويمكنها أن تطوره، فمن خلال سعي الشريف الشخصي، المبني على شغف وحب، ظهرت صور فوتوغرافية جديدة، تمت إضافتها للمنصة الثقافية الرسمية، وهي إشارة مهمة لأهمية الحراك المجتمعي في إنتاج الأرشيف المحلي.
واللافت بالنسبة للمطلع على الكتاب، ما توصل إليه الشريف حول حياة سالمين، وأن علاقته بالتصوير ارتبطت بالشاعر سالم الجمري، يقول الشريف: «كان من أوائل من دربه على هذه المهنة، وأول من أشعل لديه فكرة التصوير بمعناها الإنساني من التوثيق»، وهنا قد يدهشنا ما يمكن أن تقدمه هذه المعلومة من خلال توظيفها عبر المخيال الأدبي المحلي، خاصةً أن سالمين السويدي من مواليد عقد الثلاثينيات من القرن العشرين في دبي، ويعكس فترة زمنية على بساطتها، إلا أنها مكون للكثير من المتغيرات المجتمعية، لأناس المكان.
يسرد علي الشريف عبر الكتاب، أن سالمين تعرف على الكاميرا بشكلها البدائي، بعد تعينيه مصوراً في تلفزيون «أرامكو» الذي كان يعرف بـ «قناة الظهران»، من بين أوائل المحطات التلفزيونية في الخليج العربي، وبعد سنوات من العمل في الدمام، عاد إلى دبي لمزاولة التصوير التلفزيوني المهني في تلفزيون الكويت من دبي، الذي بدأ بثه في سنة 1969، وانتقل بعدها إلى تلفزيون أبوظبي الذي عمل فيه قرابة الـ 12 عاماً لينتقل أخيراً إلى تلفزيون الشارقة الذي استمر مع طاقمه التصويري حتى تقاعده في التسعينيات. ويصف الشريف كيف أن المصور سالمين السويدي ورغم انتظامه طوال فترته المهنية، في التصوير المرتبط بالتغطيات الإعلامية الرسمية، إلا أنه كان يمارس فعل التصوير الفوتوغرافي باهتمام ورغبة شخصية، محترفاً التصوير في «استوديو الأهرام»، و«الاستوديو العصري»، ليوجه عدسة الكاميرا بعدها للأماكن والوجوه، ويتساءل الشريف في الكتاب: «هل كان يدرك إنه كان مصوراً توثيقياً؟».
قسم علي الشريف الكتاب في جزئه الأول إلى عدة مراحل، واضعاً في كل فصل مجموعة من الصور الفوتوغرافية. جاء أول فصل كمدخل إلى عالم سالمين، يشاهد فيه القارئ صوراً متنوعة من حياة المصور ومغامراته في الطبيعة مع الأصدقاء، إلى جانب صورة شخصية له وهو يقود سيارته، تهديك الهيئة واللباس وطبيعة المشهد في ذاك الوقت، أما الأقسام الأخرى فحملت صوراً متنوعة لمؤسسي دولة الإمارات وشخصيات رسمية، من بينها زيارة عبدالخالق حسونة، الأمين العام الأسبق لجامعة الدول العربية إلى دولة الإمارات، احتفاءً بقيام الاتحاد. إضافة إلى اهتمام سالمين السويدي يتوثيق المعالم العامة، من بينها: «سوق نايف في دبي»، «مطار دبي الدولي في ستينات القرن العشرين»، «تلفزيون الكويت من دبي»، «ميدان الرولة في الشارقة». وبالعودة إلى عنوان الكتاب، أوضح علي الشريف بأن كلمة «عكوس» تعني «صوراً» باللهجة الإماراتية المحلية، هدف من خلالها أن يذهب برحلة للماضي عبر الكتاب، والعنوان هنا له دلالة مرتبطة بالحميمية والجاذبية لماهية واقعنا عبر ذاكرة التاريخ الفوتوغرافي.

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©