الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

ثلاثية القبيلة والأسرة والوطن

10 ابريل 2008 02:13
يواصل مركز الإمارات للدراسات والبحوث الإستراتيجية في أبوظبي نشاطه العلمي من خلال المؤتمر السنوي الثالث عشر الذي اختتمت فعالياته بمحور بحثي جديد بعنوان ''الخليج العربي بين المحافظة والتغيير''، وساتناول في هذه الكلمة الفرع الثالث من المحور والمتعلق بالجانب الاجتماعي، من خلال طرح سلة من التصورات والأسئلة ذات الصلة بالرأس مال الرمزي المعرفي للمجتمع الإماراتي والتحولات التي طرأت وتطرأ عليه، والتحديات التي تواجه راهنه السوسيولوجي في أبعاده وأنساقه الثقافية· سانطلق من فقرة ذات دلالة مستقبلية فكرية عميقة وردت في حوار مع المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان ''رحمه الله''، أجراه معه في 4 يونيو 1970 الصحافي العالمي كرانجيا: ''القبيلة هي الخلية الأساسية في المجتمع، ونحن نعمل تدريجياً من أجل الانتفاع بهذه الخلية الأساسية، وتطويرها، للوصول بها إلى مستوى المجتمع الحديث، وإنه لمن الصعب بالنسبة للبدو أن يتركوا قراهم وعاداتهم القديمة المتوارثة ليعيشوا في المدن، بكل ما فيها من مظاهر حضارة، وعلى الأقل فإن هذا لا يمكن أن يحدث بين يوم وليلة''· إن الفكر السياسي الذي تتمتع به شخصية الشيخ زايد يتجلى في أكثر من جانب محلي وإقليمي وعالمي، وهو في الفقرة السالفة الذكر يقدم مفاتيح استراتيجية للباحثين في الشأن السوسيولوجي والانثروبولوجي الإماراتي· فقد ركزت المقولة على كون القبيلة هي الخلية الأساسية في المجتمع في الأيام الأولى للشروع في دولة الاتحاد، ثم أشارت إلى تطوير هذه الخلية بصورة تدريجية، خوفاً من التمزقات المفاجئة التي قد تحدث للنسيج الاجتماعي المتوارث منذ قرون، وانتظاراً لسن قوانين تتلاءم مع المعطيات العرفية المتمثلة في التعامل مع العادات والتقاليد بتوازن مدروس، يتوخى مراقبة التغيرات التي تطرأ على أنماط المعيشة والسلوك جراء التحديث في الدخل الاقتصادي للأسرة ونمط العمران الجديد والتعامل مع التكنولوجيا الطارئة على المكان· غير أن الهدف البعيد هو النهوض بالقبيلة لتتزود بالقدرة على التعامل مع الآخر من خلال أجيالها الجديدة المسلحة بالمعرفة العلمية وروح المبادرة والتمرس في إدارة شؤون المجتمع بقيم مدنية حديثة· وتشير المقولة إلى أن كل هذه التحولات لا يمكن أن تحدث في فترة وجيزة· كان هذا في الأيام الأولى لبزوغ شمس الاتحاد، وما إن مرت أكثر من ثلاثين سنة من البناء حتى شهد المجتمع تغيرات شبه جذرية في أنماط معيشته وتفكيره وإبداعه وحواره مع الثقافات والفكر المصاحب للتكنولوجيا الوافدة· وقد أعلن صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، ''حفظه الله''، في الأشهر الماضية أن سنة 2008 هي سنة الهوية الوطنية، وقد كان ذلك الإعلان بمثابة محطة جديدة للتفكير والمراجعة والبحث عن صيغ حديثة للمفاهيم والقيم التي تحكم المجتمع المحلي وتقوده إلى إنجازات جديدة، انطلاقاً من مقولة أخرى لفقيد الوطن والأمة الشيخ زايد، وردت في تصريحه لبعثة التلفزيون البريطاني في 29 ديسمبر 1971 ''إن التغيير لا بد أن يتم بقدر ما تتطلبه الأوضاع وبقدر ما تتطلبه الظروف وتفرضه الحياة''، وهو ما يعني أن الأنساق الاجتماعية تتغير تبعاً لمعطيات ذاتية إرادية، مصدرها الفلسفة السياسية المتعلقة بالشأن المحلي، ومعطيات خارجية ضاغطة، مصدرها التحولات الإعلامية والاقتصادية والتكنولوجية العابرة للقارات· نتائج وأرقام وقد أكدت مختلف الدراسات التي أنجزها باحثون وشهدت على نتائجها مؤسسات محلية أهلية ورسمية أن بنية المجتمع من خلال أجياله الجديدة، فقدت خلال السبع والثلاثين سنة الماضية الكثير من قناعاتها الموروثة، وتجلى ذلك في فسح المجال واسعاً لتعليم المرأة وتمكينها من العمل، وتجلى في تغير ملحوظ في نمط الأسرة، وطرائق تفكير الأفراد، والتعامل مع المؤسسات المدنية التي أنشأتها الدولة وأصبحت مرجعاً يومياً لإدارة شؤون المجتمع كافة· غير أن هذا الفقدان لم يؤثر على سلة قناعات أخرى بصورة جذرية، بسبب تأثير الفرع الأول من الهوية، ومن بين ذلك زواج المواطنة من غير مواطن أو خليجي، والحذر المستمر من انخراطها في حقول ثقافية وفنية، بدعوى أن ذلك يخدش النسيج الاجتماعي للأسرة ويعرضها لتأنيب الضمير العام· ولعل الوقت لم يحن بعد لمثل هذا التغيير، لكنه قادم لا محالة في العقود الزمنية القريبة، حين تتوافر القناعات التي تسببها الضغوط المستمرة على بنية الأسرة، وتسببها المعرفة العلمية الجامعية، والمراس المتواصل في التعامل مع الآخر، الذي لا يزال حتى اللحظة يشكل منطقة حذر، حين يتعلق الأمر بالفرع الأصلي للهوية· وأذكر أن الباحثة الإماراتية ليلى محمد حسن ناقشت رسالة ماجستير في قسم علم الاجتماع بكلية الآداب في عين شمس بمصر سنة 2003 تحت عنوان ''التحولات الاقتصادية والاجتماعية ومستقبل النظام الأسري في مجتمع الإمارات''، وخلصت في هذه الرسالة التي حصلت على درجة الامتياز إلى مجموعة نتائج استشرافية منها ما يلي: ؟ سوف تطرأ على عملية الزواج بعض التغيرات في المستقبل تتمثل في اختفاء الطرق التقليدية للزواج وما كان يصاحبها، لتحل محلها الطرق الحديثة، مع ما يصاحبها من ترتيبات· ؟ ستواجه الأسرة في المجتمع الإماراتي بعض المشكلات الاجتماعية، بعضها لم تعرفه من قبل مثل التشبع بالقيم الغربية· وتؤكد دراسة حديثة للباحث الإماراتي عبدالله العوضي منشورة في الموقع الإلكتروني لمركز الإمارات للدراسات والبحوث الإستراتيجية النتائج ذاتها، وتشير إلى ولادة مجتمع عصري حديث، حيث ورد فيها ما يلي: علماً بأن عملية التغيير مازالت قائمة ولم تصل إلى مستوى الرسوخ بشكل نهائي، فهذه العملية مازالت مستمرة، وتلاقي في بعض جوانبها مقاومة من جانب بعض الفئات الاجتماعية، ولكن ما نود تأكيده هنا هو أن الظروف والتحولات الاقتصادية التي نمر بها، لم تترك مجالاً للعودة أو لاستمرار المجتمع التقليدي القديم · إشارات وبشائر لقد ساهمت التنمية السريعة على المستوى التعليمي الجامعي، والتفاعل مع الثقافة المصاحبة للجاليات الوافدة، والمصاحبة لنقل التكنولوجيا والتعامل معها، والانفتاح على الإعلام العالمي في حدوث قلق اجتماعي يعبر عن ردة فعل طبيعية تقابل ما أحدثته التحولات السريعة في الأفكار والمفاهيم والأنماط المعيشية، وقد اختلفت ردات الفعل بين أفراد المجتمع المحلي تبعاً لطبيعة الاستعداد، والمنطقة الجغرافية، مدينة/ قرى داخلية صحراوية وجبلية· ولعل ذلك يتطلب وضع إشارات في طريق التنمية أبرزها النهوض بالمستوى العلمي الجامعي، الذي لا يزال حتى الآن مشغولاً بالتلقين المعلوماتي بمعزل عن تكوين كوادر علمية بحثية يتماشى مستواها العلمي مع التحديات الكبرى التي تواجه المجتمع الإماراتي، ويمكن ملاحظة ذلك على سبيل المثال في الضعف الملحوظ في عدد الباحثات والباحثين المواطنين في الشأن السوسيولوجي والانثروبولوجي، وشبه خلو المجلات المختصة والإعلام البحثي والثقافي من الدراسات الجادة التي من المنتظر أن تنجزها على مدار السنة في حقول مجتمعية علمية كوادر محلية عدة· وهو ما يؤكد ضرورة تبني المؤسسات والمراكز البحثية لطلاب وطالبات مميزين يتم دمجهم عن طريق التكوين الميداني المتواصل في شتى حقول البحث، ذي الصلة بالمطبات والفراغات المفاجئة والمنتظرة التي تحدثها التغيرات· على أن تمنح لهم رواتب وامتيازات مغرية حتى لا تستقطبهم جهات أخرى· إن مرور عشر سنوات من دون ظهور باحثين وباحثات جدد في أي مجتمع يشكل ظاهرة تحتاج إلى التوقف عندها، خاصة في مجتمع يتحول بسرعة وتنفق فيه الدولة الأموال الطائلة على مستوى التعليم الجامعي في الداخل والخارج· وإن ابتعاث عدد من الطلاب في الأشهر الماضية إلى الخارج للتخصص في مجال علم الآثار يشكل بادرة في منتهى الأهمية الوطنية والعلمية والإستراتيجية، وإن الأمل كبير في ابتعاث طالبات وطلاب آخرين إلى الخارج للتكوين في حقول علمية أخرى ذات صلة ببنية المجتمع المتحركة في ظل الضغوط الداخلية والخارجية والوتيرة السريعة للتنمية· وجدير بالتوضيح أن ابنة الإمارات بذلت جهوداً علمية واضحة في البحث السوسيولوجي في عقدي الثمانينات والتسعينات، كما بذلت جهوداً بارزة في الإقبال على المعرفة، على عكس أخيها الرجل· وتوضح لغة الأرقام الفروق في موقفي كل من الفتيات والشباب من إقبالهم على التعليم في الدولة؛ ففي حين تأخذ نسب مواليد المواطنين الذكور إلى الإناث مسارها الطبيعي (50,4% ذكور ''و'' 49,6% إناث) حسب إحصائيات وزارة التخطيط لعام ،2002 فإن نسبة المواطنين الذكور الحاصلين على الشهادة الثانوية لعام 2003 هي نحو 41%، مقابل 59% من الإناث، ويزداد التباين وضوحاً عند الوقوف على نسب خريجي جامعة الإمارات العربية المتحدة ـ أكبر وأول جامعة في الدولة ـ للعام 2003 من الذكور والإناث؛ والتي تبين أن نسبة الخريجات من الإناث تفوق نسبة الخريجين من الذكور بخمسة أضعاف·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©