الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
علوم الدار

«الفاو».. «حرب عالمية» على الجوع

«الفاو».. «حرب عالمية» على الجوع
14 مارس 2019 04:37

 عرض: طه حسيب

«70 عاماً على تأسيس منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة»، إصدار يرصد مسيرة 7 عقود من مهام«الفاو» بدأت من 1945 إلى 2015، الكتاب الذي يضم 258 صفحة استهله خوسيه غرازيانوا دا سيلفا، مدير عام المنظمة، بالقول إنه «كان يود الاحتفال بإصدار إعلان مفاده: لقد قضينا على الجوع، فهذا هو الوقت الذي يستحق الاحتفال فعلاً». شعار المنظمة يلخص مهمتها الأساسية، فالتعبير اللاتيني FIAT PANIS معناه (فليكن خبزاً للجميع) يظهر إلى جانب الحروف الأولى من اسم المنظمة وسنبلة قمح. ويؤكد «دا سيلفا» خلال تقديمه للكتاب أن جيلنا لديه فرصة حقيقية لتحقيق ذلك، وكل ما ينقصنا هو الإرادة السياسية والوعي الاجتماعي والجهود العالمية. العالم اليوم في وضع أفضل مما كان عليه قبل 70 عاماً، آنذاك، كان يلتقط أنفاسه في أعقاب حرب ضارية، لدرجة أن معظم الدول الأوروبية عانت آثار الجوع، ويلفت «دا سيلفا» الانتباه إلى أن دستور «الفاو» الصادر في 16 أكتوبر 1945 قد حدد رؤية المنظمة في عبارة مفادها «عالم خالٍ من الجوع وسوء التغذية يسهم من خلاله الغذاء والزراعة في تحسين مستويات معيشة الجميع، وبخاصة الفئات الأكثر فقراً».
وفق بيانات 2015، فإن العالم- حسب «دا سيلفا» نجح في خفض عدد الأشخاص الذين يعانون الجوع إلى نحو 800 مليون شخص، وهو رقم أقل بنحو 200 مليون مما كان عليه عام 1990، وتلك نتيجة يعتبرها مدير عام «الفاو» غير مقبولة، خاصة في ظل التقدم الذي تحقق في العديد من الدول والمناطق. الآن لا يزال أمام العالم 11 عاماً للقضاء على الجوع، أي بحلول عام 2030 شريطة أن يتم تطبيق سياسات سليمة، وأن تتضافر الجهود لإنجاز هذا الهدف الذي يراه «دا سيلفا» جديراً بأن يكرس له أي إنسان حياته. وهذا في ظل تحديات كبرى تواجهها المنظمة تتضمن التخفيف من آثار التغير المناخي والتكيف معها، وإدارة موارد البحار والمحيطات، ومواجهة ندرة المياه، وتشجيع الاستخدام المستدام للنظم البيئية للأراضي.ويشير الكتاب إلى قناعة مدير عام المنظمة «داسيلفا» إلى أن القضاء على الجوع في متناول أيدينا بشرط تعاون الحكومات مع المجتمع المدني والقطاع الخاص والدوائر الأكاديمية، قناعة رسختها تجاربه عندما كان خبيراً في التنمية الريفية والأمن الغذائي، وأيضاً من خلال عمله كوزير للأمن الغذائي ومكافحة الجوع في البرازيل، كما أن خلفيته الأكاديمية تجعله أكثر دراية بأهداف المنظمة، فهو حاصل على بكالوريوس الهندسة الزراعية، وماجستير في الاقتصاد الريفي وعلم الاجتماع من جامعة ساوباولو، وعلى درجة الدكتوراه من جامعة ولاية كامبيناس البرازيلية، ولديه دراسات متقدمة من جامعتي لندن وكاليفورنيا متخصصة في قضايا أميركا اللاتينية وفي الشؤون البيئية، ولديه 25 كتاباً في موضوعات وثيقة الصلة بالزراعة.

ظروف النشأة
ارتبطت نشأة «الفاو» باسم ديفيد لوبن، رجل الأعمال الناجح المقيم في كاليفورنيا، وهو من أصول بولندية وبدأ العمل في مجال الزراعة منذ ثمانينيات القرن التاسع عشر، ومنذ نهاية هذا القرن وبداية القرن العشرين، تراجعت أهمية الزراعة التي افتقرت آنذاك للتطوير والابتكار والتنظيم.
لوبن أدرك الدور المحوري الذي تلعبه التجارة في التأثير على أسعار المنتجات الزراعية، ومن ثم بات صعباً الدفاع عن مصالح المزارعين، إلا من خلال منظمة دولية، ولهذا الهدف دشن لوبن حملة لحشد الدعم العام للزراعة داخل الولايات المتحدة، وبعدها اتجه إلى أوروبا، عندما تعذر الحصول على الدعم المطلوب من الأميركيين، سافر إلى لندن وباريس، ولم ينجح في مهمته، لكنه وجد استجابة لدى ملك إيطاليا آنذاك فيكتور إيمانويل الثاني.
وفي 7 يونيو 1905، عقدت الحكومة الإيطالية المؤتمر الأول للمعهد الدولي للزراعة، الذي يمكن اعتباره النواة الأولى لما عُرف لاحقاً بمنظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة «الفاو». وبلغ عدد الأعضاء المشارين في المؤتمر 46 دولة، وارتفع 74 دولة عام 1934.
واستطاع لوبن عام 1908 تأسيس المعهد الدولي للزراعة في روما، وكانت رسالته مساعدة المزارعين في تبادل المعرفة والتحكم في الإنتاج الزراعي في عالم التجارة. في البداية كان فنياً، لكن الكساد العالمي خلال الفترة من 1929 إلى 1933 أربك تجارة المحاصيل الزراعية، حيث تم الاعتماد على الإنتاج المحلي وتقلصت الواردات وازدادت الفوائض، ما جعل عصبة الأمم تعقد في يونيو 1933 مؤتمراً اقتصادياً في لندن لحل مشكلة فوائض الحاصلات الزراعية، لكنه مُني بالفشل.
وفي غضون ذلك، ظهرت بحوث تربط بالفقر والتغذية أجراها جون بويد أورو ومن بين المعلومات الواردة في بحوثه أن ثلث سكان بريطانيا يعانون سوء التغذية نتيجة قلة تناولهم الحليب والفاكهة والخضراوات، وكان الفقر السبب الرئيس لعدم استهلاك هذه الأنواع الغذائية. وظهرت مفارقة تتمثل في اتجاهين متناقضين، أحدهما يدعو إلى زيادة استهلاك المنتجات الزراعية والآخر يحث على خفض إنتاجها. وظهر عالم التغذية الأسترالي فرانك ماكدوغل، الذي دافع عن مبدأ «دمج الصحة بالزراعة» للتغلب على مشكلة سوء التغذية. وحظيت مقترحاته بقبول واسع شعبياً وحكومياً، لكن اندلاع الحرب العالمية الثانية أدى إلى عدم إحراز تقدم على الصعيد الدولي.

«الفاو» وإلينور روزفيلت
وبعد الحرب العالمية الثانية أدرك ماكدوغل اهتماماً أميركياً متزايداً بمشاكل الغذاء، وصاغ مذكرة في هذا الموضوع دعا فيها لتدشين برنامج تابع للأمم المتحدة تكون مهمته معالجة نقص الغذاء، ووصلت مقترحاته عام 1942 لسيدة أميركا الأولى آنذاك «إلينور روزفيلت» التي رتبت له اجتماعاً بالبيت الأبيض مع زوجها الرئيس الأميركي فرانكلين روزفيلت، دافع خلاله «ماكدوغل»عن إنشاء برنامج أممي يتعامل مع الغذاء بوصفه قضيته العالمية الأولى، ويعتبر الزراعة أداة بالغة الأهمية لرفع مستوى معيشة الأفراد، وبالفعل عقد الرئيس روزفيلت عام 1943 مؤتمراً في هوت سبرنجر بولاية فرجينيا شاركت فيه 44 حكومة.

10 إنجازات
ويسرد الكتاب فصلاً لإنجارات المنظمة، المتمثلة في القضاء على الطاعون البقري، إنجاز أول أعلنته الفاو في 2011، فهذا المرض كبّد القارة الأفريقية وحدها خسائر بمليارات الدولارات. أما الإنجاز الثاني، فيتمثل في إبرام المعاهدة الدولية بشأن الموارد النباتية الوراثية، ففي عام 1974 تم تأسيس الهيئة الدولية للمواد الوراثية النباتية المعروفة حالياً بمنظمة التنوع البيولوجي الدولية، ويشير الكتاب إلى أن هذه المنظمة تعمل وفق برنامج تمويل إضافي من الدول المنضوية في «الفاو» مهمته تجميع الأصناف وتعزيز بنوك الجينات، وهي الأماكن التي يتم فيها الحفاظ على التنوع البيولوجي لمحصول واحد أو أكثر والاحتفاظ بالبذور في درجات حرارة منخفضة. وبعد المخاوف التي أبدتها الدول النامية وبعد مفاوضات طويلة قامت بها «الفاو»، دخلت معاهدة الموارد النباتية الوراثية حيز التنفيذ في عام 2001. معاهدة وصفت بالتاريخية كونها أول آلية لحماية البذور والمواد الوراثية الأخرى، ما أدى إلى تعزيز الوعي بأهمية التنوع البيولوجي في المجال الزراعي. وبعد اعتماد المعاهدة الدولية في عام 2008، لدينا الآن في المحيط المتجمد الشمالي أكبر بنك للبذور في العالم، وتحديداً في أرخبيل سفالبارد بالنرويج، وتم اختيار هذا المكان لاستقراره الجيولوجي والسياسي وتمتعه بوسائل نقل جيدة وقدرته على استيعاب 3 ملايين صنف من مختلف المحاصيل ويحتوي الآن 860 ألف عينة من 4 آلاف محصول من جميع دول العالم تقريباً، ويستقبل المكان عينات من 1750 بنكاً للمواد الوراثية الزراعية في العالم. الإنجاز الثالث تمثل في «الدستور الغذائي» الصادر عام 1963 والذي يتضمن 300 بند وآلافا من الحدود الخاصة بإضافة بعض المواد للأغذية، والنسب التي ينبغي التقيد بها مثل بقايا المبيدات والعقاقير البيطرية، ويهدف إلى حماية صحة المستهلكين وضمان ممارسات عادلة في تجارة الأغذية العالمية، ويصفه الكتاب بأنه «مشروع ناجح ومشترك بين الفاو ومنظمة الصحة العالمية لإزالة الحواجز من تجارة الأغذية العالمية مع ضمان أمن الغذاء».

انتصار لاتيني
الإنجاز الرابع هو تحقيق قفزة في مكافحة الجوع بأميركا اللاتينية والبحر الكاريبي، فهذه المنطقة عانى نصف سكانها الجوع عام 1990، لكن هذه النسبة انخفضت في 2016 إلى 5.5 في المئة فقط، وذلك وفق خطة أعدتها «الفاو»، وحظيت بدعم دول المنطقة. ويتمثل الإنجاز الخامس في إصدار مدونة السلوك بشأن الصيد الرشيد، المعنية بضمان الأمن الغذائي للأجيال المقبلة، المدونة ظهرت عام 1995 ووافقت عليها 170 دولة أثناء مؤتمر نظمته «الفاو». أما السادس، فيتمحور حول المبادئ التوجيهية لحيازة الأراضي ومصايد الأسماك والغابات، لضمان حصول السكان على الموارد وتمت الموافقة عليها في 11 مايو 2011. ومن أبرز إنجازات «الفاو»، أو الإنجاز السابع، وهو تدشين «لجنة الأمن الغذائي العالمي»، كمنصة ضمن إطار الأمم المتحدة لمعالجة قضايا الأمن الغذائي والتغذية وإشراك المجتمع المدني والقطاع الخاص في النقاشات ذات الصلة بهذه القضايا، بحيث يتم سماع أصوات صغار المزارعين والصيادين والسكان الأصليين. أما الإنجاز الثامن، فهو القضاء على العمى النهري في غرب أفريقيا، بعد تفعيل برنامج أطلقته «الفاو» عام 1974 بالتعاون مع البنك الدولي وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي، بلغت تكلفته 600 مليون دولار واستمر أكثر من عقدين للقضاء على ذباب يحمل الطفيليات المسببة للمرض.. الإنجاز التاسع هو تحفيز الثورة الخضراء في آسيا عبر خدمات إرشادية لتحسين الممارسات الزراعية والاعتماد على أصناف محسنة، ما أدى إلى زيادة الإنتاجية، ويشار إلى أن إنتاج محاصيل الحبوب في العالم تضاعف 3 مرات خلال الخمسين سنة الماضية (بإحصاءات 2015)، بينما لم تزد المساحة المزروعة إلا بنسبة 30 في المئة. أما الإنجار العاشر، فهو تصميم نظام معلومات للأسواق الزراعية تم إطلاقه في سبتمبر 2011 لمنع وقوع أزمات في أسعار المواد الغذائية.

اجتماع قصر «فرونتناك»
اللافت أن دستور منظمة الأغذية والزراعة سبق تدشين الأمم المتحدة، حيث صدر في 16 أكتوبر 1945 في اجتماع تاريخي بقصر «فرونتناك» بمقاطعة كيبك الكندية، وتم اختيار الأسكتلندي «جون بويد أورو» مديرا عاماً لـ«الفاو» نظراً لأعماله المكثفة في مجال التغذية التي حازت إعجاباً واسع النطاق، واختيرت العاصمة الأميركية واشنطن مقراً مؤقتاً للمنظمة الوليدة. تدشين «الفاو» جاء قبل 8 أيام من تأسيس الأمم المتحدة ذاتها، وتوقيت إطلاق الدستور الخاص بمنظمة الأغذية والزراعة كان في منتهى الأهمية، فآنذاك كانت أوروبا ترزح تحت وطأة الدمار وبات الجوع خطراً يهدد كثيرين.

تركة ماكدوغل
لعب فرانك ليدجت ماكدوغل، عالم الاقتصاد الأسترالي البارز (1884- 1958)، دوراً محورياً في إنشاء منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة، ففي عام 1934 كتب وثيقة بعنوان «مذكرة ماكدوغل»، كان لها دور أساسي في زيادة الوعي بمشكلات توزيع الغذاء على السكان الذين يعانون سوء التغذية. وبعد تدشين المنظمة، شغل منصب «المستشار»، ثم منصب المساعد الخاص للمدير العام، وتوفي في روما في 15 فبراير 1958 عن عمر ناهز 74 عاماً، وفي العام ذاته أسس مجلس منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة. ويتم إطلاق مسمى «محاضرة ماكدوغال التذكارية» على المحاضرة التي يلقيها أي شخص ذي مكانة عالمية حول موضوع من الموضوعات المرتبطة بقضايا الغذاء والزراعة العالمية والسكان وتوفير الغذاء.

 

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©