الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

حكاية أبو حامد الغزالي مع قُطّاع الطُّرق

30 نوفمبر 2007 23:39
مقاصد الفلاسفة، ''تهافت الفلاسفة''، ''المنقذ من الضلال''، ''إحياء علوم الدين''· تلك هي بعض من أشهر كتب أبو حامد الغزالي التي عرفه بها الناس، فهو من مدينة ''طوس'' يغزل الصوف في أسواقها، وكان يتمنى أن يتعلَّم أولاده الخط، لذا أوصى صديقاً له بذلك، وترك له ما يملك من مال قليل سرعان ما نفد بعد وفاته وأولاده لم يكملوا مشوار تعليمهم، وعندها جمعهم هذا الصديق الذي هو الاخر كان فقيراً وأخبرهم بالحال، ونصحهم بأن يلجأوا إلى مدرسة كي يحصلوا على قوت يعينهم على الحياة، ففعلوا ذلك، لكن الغزالي كتب قائلاً: ''طلبنا العِلم لغير الله فأبى أن يكون إلا لله''· تعلَّم الغزالي الفقه والمنطق والجدل والكلام، وعينه الوزير ''نظام المُلك'' أستاذاً في ''المدرسة النظامية'' ببغداد، وكان يرفض الشهرة ويتوجَّه إلى الزُّهد، فالزُّهد هو الخطوة الأولى في درب الصوفية، وبفضل الغزالي صار التصوُّف ذروة المعرفة والأخلاق، لأن الغزالي اطلع على علوم عصره سواء الفلسفية منها أم الكلامية أم الفقهية، وتوصَّل إلى أن الشيء الذي يبحث عنه لم يكن في هذه العلوم، لذا فإنه نقدها جميعاً، وبدأ يبحثُ عن علم لا يتطرُّق إليه الشك وسماه بـ ''العلم اليقيني''· عاش الإمام الغزالي محنة الشك والقلق والخوف في أن يلقى الله وهو على هذه الحال حتى أشفاه الله عن هذه الأمراض بنور قذفه في صدره، وكانت تلك التجربة قد زوَّدته يقيناً معرفياً قائماً على العلم الصوفي وكان نقده للفلاسفة في كتابه ''تهافت الفلاسفة'' مبنياً على هذا العلم· كان الغزالي متمكِّناً في كل فرع من فروع العلم والمعرفة، وكان واضحاً في عرض أفكاره، وبارعاً في فهم خصومه ومعارضيه· لذا يصفه الكثير من الكُتَّاب بأنه كان فيلسوفاً مع الفلاسفة، متكلِّماً مع المتكلِّمين، فقيهاً مع الفُقهاء، صوفياً مع المُتصوِّفة· اللافت للنظر أن السبب الرئيس وراء استيعاب الغزالي لعلوم عصره هي تلك الحادثة التي جرت له في إحدى رحلاته العلمية في فترة صباه؛ إذ قطعت عليه الطريق جماعة من السُّراق العياريين، وأخذوا جميع ما معه ومضوا، فتبعهم الغزالي، وكان أن التفت إليه كبيرهم فناداه قائلاً: ''أرجع ويحك وإلا هلكتَ· فقال الغزالي: أسألك بالذي ترجو السلامة منه أن تردَّ علي تعليقتي فقط ـ يقصد المخلاة التي كان يحتفظ فيها بالكتب ـ، فما هي بشيء تنتفعون به· فقال له قائد هذه العصابة: وما هي تعليقتك؟ فقال الغزالي: كتب في تلك المخلاة هاجرتُ لسماعها وكتابتها وعرفتُ عِلمها· فضحكَ الرجلُ، وقال: كيف تدَّعي أنكَ عرفتَ عِلمها وقد أخذناها منكَ، فتجرَّدتَ من معرفتها، وبقيتَ بلا علم؟ ثم أمر بعض أصحابه فسلَّم الغزالي المخلاة''· فقال الغزالي بعد ذلك: هذا مستنطقٌ انطقهُ الله ليرشدُني به في أمري، فلما وافيت ''طوس'' أقبلتُ على الاشتغال ثلاث سنين حتى حفظتُ جميع ما علَّقته، وصرتُ بحيث لو قطع عليَّ الطريق قاطعٌ لم أتجرَّد من عِلمي· أستاذ في جامعة الإمارات ـ العين jalilwali@hotmail.com
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©