الثلاثاء 21 مايو 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

«ناتالي ساروت».. المرأة- العالم

«ناتالي ساروت».. المرأة- العالم
13 مارس 2020 00:07

أحمد عثمان (باريس)

هل نعرف ناتالي ساروت حقاً؟ هل من الممكن أن تكون مقروءة اليوم؟ في بيوغرافيتها التي حملت اسمها، والتي صدرت قبل أيام عن مطبوعات فلاماريون، تكشف آن جيفرسون، البروفيسورة في جامعة أوكسفورد، صور حياتها اليومية: طريقتها البطيئة في الكتابة، حياتها في اللغات، قوة التزامها في آنٍ واحد.
ولدت في روسيا في عام 1900، حيث عاشت لسن الثانية قبل أن تهاجر وأمها بعد انفصالها عن أبيها إلى فرنسا، حيث استقرتا في باريس.
«طفولة» نص كتبته في 1982، يتناول التوازن بين الحياتين الروسية والفرنسية في طفولتها، التأرجح بين اللغتين، ففي عام 1905 انقلبت الأوضاع رأساً على عقب: رجعت الأم إلى روسيا (سان-بطرسبرغ) والأب الذي يعاني من الاضطهاد يقرر الإقامة في باريس. بدءاً من عام 1909، استقرت ناتالي صحبة والدها في باريس ولم تر أمها إلا متأخراً. عن هذه الطفولة بين البلدين، الأب والأم، وبين اللغتين، سعت إلى مقاسمة هذا القلق المستمر الذي وسم حياتها وظلت تبحث عنه لكي تكتبه.
على الرغم من كونها تجيد الإنجليزية والألمانية، فإنها كانت تعتبر الفرنسية دوماً لغتها الأم، ولهذا كان طبيعياً أن تكتب بها.
تعير بيوغرافيا آن جيفرسون اهتماماً كبيراً لتنقلاتها ورحلاتها، بل وجعلت منها الكاتبة- العالم: لا يتبدى هذا فقط من علاقتها باللغات الأجنبية فقط، وإنما أيضاً بتحركاتها وذوقها في التجوال. إذا كانت تسافر في بعض الأحيان لأسباب سياحية (اليونان وإسبانيا، مثلاً)، فإنها كانت متأثرة دوماً برغبتها في اكتشاف طرق أخرى للحياة، كما تبينها يومياتها عن كوبا والمغرب.
بدءاً من الستينيات، كانت تدعى إلى كثير من البلدان لحضور ندوات وغيره. بين شقتها الباريسية ومنزلها الريفي في شيرانس، مارست التزاماً سياسياً (نضال نسوي منذ العشرينيات، مقاومة الاحتلال النازي، التوقيع على بيان 121 الخاص بتبني مشروعية النضال الجزائري من أجل الاستقلال، كأمثلة)، بيد أنها لم تشأ الخلط بينه وبين نتاجها الأدبي.
استغل تطور نتاجها الأدبي – حتى 1939، لم تكن نشرت سوى «انتحاء» – بلا انقطاع وفي كل الاتجاهات، مما مكنها من فتح أبواب الكتابة على عوالم غير مطروقة. بعد الحرب، التقت بسارتر الذي قدم عملها «بورتريه مجهول».
بدءاً من روايتها الثانية «محركة السيارة» (غاليمار، 1959)، عرفت ساروت جماهيرياً ككاتبة في فرنسا، كما في الخارج (حازت على الجائزة العالمية للناشرين في عام 1964 عن «الثمار الذهبية»).
وعت بيوغرافيا آن جيفرسون مختلف الأشكال التي استغلتها ناتالي ساروت لتجريب حركات اللغة، تعددية الطرق التي تحياها الكلمات.
وعن كتابتها للمسرح، نجد أنه منحها جمهوراً عريضاً لم تكن تملكه من قبل، بفضل العمل مع كلود ريغي، وأيضاً جاك لاسال وسيمون بنموسى. بقراءة مسيرتها، نتحسر بالتأكيد على هذا العصر حيثما كانت الجدة الأدبية متاحة للجميع. نتحسر على عصر كان يقول فيه مخرج إذاعي مثل فينير سبيس لساروت: «حققي ما هو حديث وصعب كما تريدين. هذا لن يزعجني – على العكس!».
وثقت البيوغرافيا صداقات ناتالي ساروت، من المثير أن نجدها برفقة مثل ماري مكارثي، هانا آرندت، مونيك فيتيغ، كريستين بروك-روز، فرانسواز دوبون، مرغريت دوراس. إذ نراها تتطور في عالم نسوي غير محتفى به في التاريخ الأدبي والفكري في القرن العشرين، ومع ذلك يجسد التزامها النسوي. إذا كانت البيوغرافيا تلتزم الصمت أحياناً في التعبير عن الحقل الأدبي الباريسي، فإنها توازنه بمنح الكلام إلى بعض النساء، نساء المنفيين اليونانيين في باريس 1945 وكذا نساء المهاجرين الروس. توفيت ناتالي ساروت في عام 1999. عاشت قرناً ومثلته أيضاً.
..............................
(*) الكتاب:
Ann Jefferson، Nathalie Sarraute. Trad. de l’anglais par Pierre-Emmanuel Dauzat et Aude de Saint-Loup. Flammarion، coll. «Grandes biographies»، 496 p.،

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©