الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
الأخبار العالمية

الأيزيديون ... فريسة في شبكة عنكبوت الموت

الأيزيديون ... فريسة في شبكة عنكبوت الموت
10 نوفمبر 2007 03:02
الحديث عن المعتقدات الدينية في إقليم كردستان العراق، يشبه السير في حديقة واسعة مليئة بنوع واحد من الزهور ولكنها تحتضن بين جنباتها أصنافا نادرة من الورود تجعل منها حديقة فريدة· إن أغلب سكان كردستان هم من المسلمين السنة بنسبة تزيد على 95%، هذه النسبة تجعل البعض يراها بقعة مغلقة عقائدياً، فيما الاقتراب يجعلك ترى مشهداً مغايراً· فالإسلام هنا يحمل سمات الوسطية المنفتحة والحاضنة للآخر، وحركات الصوفية تجذب مئات الآلاف من الانصار والمريديين، وهناك أيضاً المسيحيون الذين يقطنون المكان منذ الفي عام من أبناء الأشوريين والكلدانيين المحتفظين بتراث ثقافي ولغة سريانية تعود إلى أكثر من 4 آلاف سنة، وإذا اقتربت أكثر ستجد نفسك تغوص في عقيدة ''الأيزيديين'' الغريبة والمثيرة للجدل بما تحمله من اتهامات بعبادة الشيطان، وتسير إلى جانب النهر الصغير فترى ''الصابئة'' وقد حطوا رحالهم من جنوب العراق هنا في الشمال بحثاً عن ملاذ آمن، ونهر يقيمون بجانبه طقوسهم الدينية· إن الخوض في تنويعات العقائد الدينية في كردستان، مهمة محفوفة بالمخاطر، لعل أخطرها هو أن تغوص قدماك في مناطق يعتقد الكثيرون أنها من المحرمات، ولكننا قررنا أن نخوض التجربة ولنا شرف المحاولة ونرفض أن ينكر احد حقنا في أن نخطئ أحياناً·· ''رجاء سيدي الرئيس لا تستعذ من الشيطان الرجيم'' هكذا تكلم النائب الأيزيدي كاميران خيري في الجمعية الوطنية العراقية في 10 أغسطس 2005 طالباً من رئيس الوزراء العراقي ''حينذاك'' إبراهيم الجعفري مراعاة شعوره بعدم الاستعاذة من الشيطان الرجيم في كلمته وسط استغراب نواب البرلمان العراقي ·· لقطة سارعت الكاميرات في نقلها الى العالم ليقف الجمهور العربي ''مبهوتاً'' أمام هذه الظاهرة التي تعيش في العراق منذ 3 آلاف عام ولا يعرف عنها شيئاً· عند بزوغ الشمس، تبدأ فئة من الأكراد يومها بالسجود للشمس ''المقدسة'' ويسجدون على الأرض ''المقدسة''، ويمارسون حياتهم وسط مخاطر جمة في المناطق المحيطة بمدينة الموصل العراقية، فهم متهمون بـ''عبادة الشيطان''، هؤلاء هم الأيزيديون أصحاب أكثر العقائد الدينية غرابة وغموضاً في الفسيفساء الدينية الكردية، إنهم أصحاب الطاووس ''المقدس''، الذي لم نعرفهم إلا بعد مذبحة سنجار شمال الموصل في 14 أغسطس الماضي التي راح ضحيتها نحو 500 من هذه الطائفة الصغيرة· إنها أرض كردستان موطن الأسرار، ومن بين أسرارها ''الأيزيدية''، ولعل من الخطر في الصحافة العربية أن تطرق باباً مغلقا بالأوهام، ولكن ''الاتحاد'' في رحلتها قررت أن تطرق باب ''عبدة الشيطان'' ، فهل أنت مستعد أيها القارئ العزيز أن تترك نظارتك القديمة جانباً، لتتعرف معنا على مجموعة من الناس لهم معتقداتهم الغريبة عن ثقافتنا التقليدية، ولكنهم في النهاية جزء من تركيبة منطقتنا، إذا كان لديك نظارة جديدة فندعوك الى قراءة هذا الموضوع· '' الإعلام الظالم''! تداولت الفضائيات والصحف في العالم العربي كلمة ''الأيزيدية'' للمرة الأولى بشكل واسع في أغسطس 2005 عندما طالب النائب الأيزيدي الجعفري مراعاة شعوره بعدم التعوذ من الشيطان الرجيم في كلمته أمام الجمعية، وكعادة الإعلام العربي تم نقل القصة الخبرية بالمنطق الشهير''لا تقربوا الصلاة''، فذهبت إلى القول إلى أن ''الأيزيدية'' ديانة تقول بعبادة الشيطان ووصفت الإيزيديين بـ''عبدة الشيطان''· إن بعض الإعلاميين يرفضون أحيانا أن يتعبوا أنفسهم، فلم يبحث أحد عن كون الديانة الأيزيدية تكره ''اللعن'' و'' التعويذ'' بشكل مطلق، بالإضافة إلى رفض جمع حرفي الشين والطاء في الكلام وتجنبهم ذكر الشيطان كاسم للملاك المقدس لديهم، وأسقط الجميع باقي جملة النائب الكردي الذي استدرج بالقول إنه عند التعويذ من الشيطان يشعر بإحراج شديد بسبب التفات النواب العراقيين له وكأنه ''ممثل الشيطان''· وعادت كلمة ''الأيزيدية'' إلى صفحات الجرائد في مارس وأبريل ،2007 حيث انتشرت بين الشباب العراقي صور على الهاتف المحمول لعملية رجم فتاة أيزيدية تدعي دعاء خليل أسود على يد أقارب لها شكوا في علاقتها بشاب مسلم، وبعدها قتل المتشددون 24 عاملاً ايزيدياً في الموصل، وللأسف لم يلتفت إعلامنا كثيراً للحادث، ولكن اضطر الإعلام العربي إلى تسليط الضوء على الأيزيديين بعد مذبحة ''سنجار'' التي قتل فيها 500 من قروي الأيزيديين في ناحية تل عزيز وسيبا شيخ التي يقطنهما أغلبية أيزيدية، ليدهش الجميع من أن هؤلاء يعيشون بيننا، وليخرج العلماء المسلمون ويعلنوا ادانتهم الصريحة لقتل أصحاب المعتقدات المغايرة، ويفتحوا طريقاً لفهم الآخر بدلا من ثقافة ''رفض وقتل'' الآخر التي اشاعها المتشددون· ''الصمت هو الحل'' حاولنا أكثر من مرة الحديث مع شباب من الطائفة الأيزيدية في إقليم كردستان، وكان دائماً الصمت هو الإجابة التي نحصل عليها بسبب الخوف وأحيانا بسبب كراهية الإعلام العربي، وكما قال لنا شاب منهم ''أنتم تلتقطون كلامنا لتحولوه إلى دعاية مضادة''· وفي حديث مع شاب أيزيدي هو ''س· س'' قال لنا: ''إننا أناس مسالمون ونكره العنف ولكننا نعيش وسط مجتمعات تروج حولنا كلاما يجعلنا هدفاً دائماً للكراهية''· ويبلغ عدد الأيزيديين في العالم نحو 800 ألف شخص فقط من بينهم 550 ألفا يعيشون في العراق وبالتحديد في الشمال قرب الموصل، وتوجد أقلية من 30 ألف يزيدي في سوريا في محافظة الحسكة ومنطقة عفرين التابعة لمحافظة حلب، بينما هناك أقل من 500 أيزيدي في تركيا· والأيزيديون طائفة كردية مغلقة تماماً حيث لا تسمح لأحد بالانضمام إليها أو الزواج من خارج الطائفة، ويعمل الإيزيديون في الزراعة على الأغلب في المناطق الخصبة بمحافظة الموصل، بشكل خاص في سنجار وعين سفني المسماة الشيخان، التي يعيشون فيها أكثر من 3 آلاف عام على الأقل، ولكنهم أصبحوا الآن يهجرون بأعداد ضخمة المنطقة بسبب العنف والإرهاب الذي يستهدفهم، وتوجه جزء كبير منهم إلى مناطق إقليم كردستان العراق بحثاً عن الرزق· وقص لنا ''س·س'' الكثير من القصص بشأن تهديدات المتشددين لأبناء طائفته الصغيرة في المناطق حول الموصل، ولكنه يؤكد أنه في كردستان لا يقوم أحد بالتعرض إلى الأيزيديين· ويعتقد ''س·س'' أن العنف لن يأتي إلى إقليم كردستان بسبب حالة التسامح التي يتمتع بها أبناء الإقليم، بالإضافة إلى الانضباط الأمني· وأكد ''س·س'' أنه شعر أنه سيضطر يوماً للهجرة أو الخروج من العراق، بحثاً عن مكان أفضل للعيش·· تركنا ''س·س''· ولكن بقي السؤال في اذهاننا ما هي الإيزيدية، وبعد البحث وجدنا الإجابات· سر الطاووس ''المقدس'' يرتبط اسم الأيزيديين في عقلية العراقيين والأكراد بـ''الطاووس''، فهذا الطائر له مكانة ''مقدسة'' لدى الأيزيديين، فهو ملك أو بالأصح كبير الملائكة، وهو مقدس ليس لأنه ''الرب'' كما يشاع، بل لأنه يمثل القداسة والطهارة والجمال، فالطاووس بالنسبة للأيزيدية مثل كافة الأديان القديمة رمز ''طوطمي'' لعبادة الله، وبالتالي فإن الأيزيديين يعتبرون تمثال الطاووس رمزاً مقدساً لكبير الملائكة· ووفقا للأسطورة الإيزيدية فإن الطاووس ملك أختاره الله ليحكم ويتسلط على العالم وفعل ما يشاء مستمداً قوته من الله، وبمساعدة سبع ملائكة وبالتالي حرمت الإيزيدية لعن وسب الطاووس وكذلك حرمت لعن الأنبياء في الديانات الأخرى أو مقدسات الآخرين· ويقدس الأيزيديون تمثال الطاووس ويسمى ''السنجق''، وهم لا يعبدون التمثال ولكنه يعتبرون ان له مكانة خاصة مثل تمثال بوذا في الديانة البوذية، وكان هناك 7 ''سناجق'' قبل اختفائها وبقي ''سنجق'' واحد في العراق·وكلمة إيزيدي مقتبسة على الأرجح من كلمة ''يزد'' التي تعني الأرواح المجردة، ويمثل الروح المجردة لدى الأيزيدية سبعة هم '' ملك شيخ سن، ملك فخر الدين، سجادين، بابادين، أمادين، ناسردين، شيخ شمس''، وكل واحد من هذه الأرواح مُوكل بيوم في الأسبوع، وتنقسم هذه الأرواح ''المجردة'' إلى قسمين، سماوي وأرضي·وتقدس الإيزيدية العناصر الأربعة الشهيرة ''النار، التراب، الهواء والماء'' وهذه العناصر التي قامت عليها الأبراج، وهم يقدسون الكواكب ولكن لا يعبدونها، ولذلك يعتقد البعض خطأ أنهم يعبدون الكواكب· عدي بن مسافر ··و كتاب رش ·· و لالش من أهم الشخصيات الروحانية عند الأيزيديين هو عدي بن مسافر الأموي ويطلق على الأيزيدية '' العدوية'' نسبة له، وكان الشيخ عدي بن مسافر (471هـ/ 1078- 557هـ/1161م) وفقا للرواية التاريخية المتداولة زاهداً متصوفاً اعتنق الأيزيدية، ويقول البعض إنه كان من الأمويين وهرب إلى جبال كردستان هرباً من اضطهاد العباسيين، وهذه الرواية يشكك الأيزيديون فيها، ويقولون إن عدي بن مسافر جاء إلى منطقتهم بعد سيطرة العباسيين على السلطة بأكثر من 200 سنة، ويؤكدون أن البعض أشاع هذه الرواية ليربطوا الأيزيدية بـ''يزيد بن معاوية''· وحسب رواية الأيزيديون فإن عدي هاجر الى المنطقة الكردية بحثاً عن أفق للتصوف وليس هرباً من الاضطهاد العباسي وانسجم عدي مع ''الإيزيدية'' كعقيدة بسيطة وبعيدة عن التعصب ورفضها للخلافات، وبعد اعتناقه الإيزيدية أصبح من مراجعها ورموزها الدينية· ويشيع الكثير أن الأيزيديين يؤلهون عدي بن مسافر، ولكن ما شاهدناه لا يؤيد هذه الفرضية على الإطلاق، فعدي يمثل لهم مرتبة مثل الأولياء الصالحين أو تقترب إلى حد ما إلى الأنبياء ولكنه ليس ''إلها''، بالإضافة إلى عدم تأكيد الأيزيديين لنا رواية شائعة عن عدي بن مسافر بأنه صعد الى السماء وأكل خبزاً وبصلاً مع الخالق· وانحصرت الرئاسة الدينية للأيزيدية في أحفاد الشيخ حسن بن عدي بن مسافر، وتحولت في القرن الحادي عشر الهجري (17 ميلادي) إلى أسرة الشيخ أبي البركات، ودفن عدي بن مسافر في لالش، المكان المقدس للإيزيديين· وللأيزيديين كتاب مقدس هو ''كتاب رش'' أو الكتاب الأسود وهو أهم واقدس الكتب عند الايزديين، وتألف من 750 كلمة ومن عدة فصول، وتحدث عن خلق السموات والأرض وخلق الملائكة وآدم وحواء ونزول عزرائيل الى الأرض، والخطيئة لآدم وإقامة ملوك للايزيديين ومقاومة بقية الطوائف لهم، وعن نزول ''رب'' من السماء كل ألف سنة يشرع لهم الشرائع وينظم لهم الأمور، وهناك كتاب ''الجلوة'' المؤلف من خمسة فصول تمثل 490 كلمة، ويقوم على نصائح الملك طاووس لأتباع الديانة، وينسب الكتابان إلى الشيخ عدي بن مسافر· ومثلما في كل دين هناك المكان المقدس، وفي العقيدة الإيزيدية هناك ''لالش'' قرب الموصل، وهو المكان الذي يضم المعبد الرئيسي للعقيدة الإيزيدية في وادي لالش القريب من منطقة ''وادي الصمت''، ويقع هذا الوادي بين 3 جبال، وتنتشر فيه الأشجار وفي وسطها ينابيع المياه وقناطير يعبرها الأيزيديون حفاة إجلالاً وبعد الاغتسال في المياه الجارية بإحدى العيون· وفقا للأساطير الأيزيدية فإن أرواح الإيزيديين تظل في منطقة لالش حتى يتم الحلول والتناسخ، ولا تخرج عن دائرة الوادي إلا بخروجها عن الدين· ويحيي الأيزيديون عيد الجماعة (جه ما) في معبد لالش طوال ستة أيام ، وتتضمن الاحتفالات فضلا عن زيارة لالش طقس القربان عبر ذبح ثور في المعبد، وزيارة قبر الشيخ عدي بن مسافر، وعند مدخل المعبد هناك حفر ''ملكا الطاووس'' رئيس الملائكة· الطبقات الست ينقسم الأيزيديون إلى ست طبقات هي : الأمير والشيخ والسناتور والوعاظ والنساك والمؤمنون الذين يشكلون 70% من أبناء الطائفة، ويمنع الزواج بين افراد الطبقات المختلفة منعاً باتاً، فكل طبقة هي مغلقة على ذاتها، ويتزعم الطائفة الأمير بابا شيخ الذي يترأس المجلس الروحاني المكلف بإدارة شؤون الطائفة· تناسخ الأرواح يعتقد الأيزيديون بتناسخ الأرواح مثل البوذية والزرادشتيه، حيث يقولون إن الروح تعود للحلول في جسد آخر ويتكرر الأمر حتى قيام الساعة، وينبع هذا المعتقد من إيمانهم بأن الروح مقدسة لأنها جزء من الله وهي باقية تتكرر لا تموت· التوحيد عندما سألت شابا أيزيديا ماذا تعبدون، قال ببساطة ''الله''، وبابتسامة سخرية من جهلي أضاف'' نحن نعبد الله مباشرة دون وسيط ونقدس الظواهر على أنها جزء تابع لله، وقبل ان يتركني قال نحن مثلكم نقول ''لا اله إلا الله''·
المصدر: أربيل-السليمانية
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©