الأشرفي والتومان.. أهم عملات الصفويين والقاجاريين

في مطلع القرن العاشر الهجري نجح الشاه اسماعيل الصفوي في ايقاع الهزيمة العسكرية بأمراء أسرة آلاق قيونلو ''الشاة البيضاء'' التركمانية واستولى على مدينة تبريز ليجعل منها عاصمة لدولته في عام 907 هـ، وسرعان ما فرض الشاه اسماعيل سيطرته على مختلف الاقاليم الايرانية، وعرف باسم اسماعيل الصفوي، نسبة الى الشيخ صفي الدين صاحب إحدى الطرق الصوفية، وكرس الشاه اسماعيل ما تبقى من سنوات عمره من اجل إرساء الاستقرار في مملكته التي كابدت لفترة من الوقت نتائج الصراعات العرقية بين التركمان والايرانيين، فقد كان العسكر في دولة الشاه اسماعيل من اصحاب السيوف القزلباشية من قبائل التركمان، فيما كان ارباب القلم او اصحاب الوظائف المدنية من الايرانيين، ونجح اسماعيل في تحقيق التوازن بين هاتين القوتين· وبعد وفاة الشاه اسماعيل جلس على العرش الصفوي ابنه طهماسب الذي نقل العاصمة الصفوية من مدينة تبريز الى مدينة قزوين· وأبرز ملوك الاسرة الصفوية هو الشاه عباس الاول الذي حكم البلاد لفترة طويلة تجاوزت الاربعين عاما وقام خلال حكمه بتحويل العاصمة الصفوية للمرة الثانية والاخيرة الى مدينة اصفهان، وركز جهوده من أجل شحنها بالعمائر الفخمة حتى صارت تعرف باسم اصفهان نصفي جهان، أي اصفهان نصف العالم· ولا يوازي هذا الشاه في العظمة سوى حفيده الشاه عباس الثاني الذي اعتلى العرش في سنة 1052 هـ فنشر الأمن والاستقرار في ربوع بلاده ووطد علاقات ايران مع جيرانها في آسيا، ولكن بعد وفاته في عام 1077 هـ تعاقب ملوك ضعاف على عرش اصفهان، ونشبت الصراعات بين الأمراء الصفويين الى ان برز نادر شاه وقضى على دولتهم· أشرفيات وضرب الصفويون عملاتهم الذهبية على وزن الدنانير المملوكية المعروفة بالاشرفيات منذ قيام السلطان الاشرف برسباي بسك الدنانير الاسلامية على وزن وعيار دوكات البندقية، وعرفت نقود الصفويين الذهبية بالأشرفي ايضا وهي تمتاز بوجود كتابات مركزية وهامشية على وجهيها مسجلة باللغة الفارسية· ومع اتصال الصفويين بمغول الهند عقب فرار الامبراطور همايون لبلادهم قامت الدولة الصفوية بسك عملات ذهبية ثقيلة مماثلة للمهر الهندي ومن بينهما مهر ضربه الشاه سليمان الثاني بمدينة مشهد في عام 1163 هـ وهو يزن 22,5 جرام، ورغم كبر حجمه فقد احتفظ بطراز الأشرفي نفسه· ودالت دولة الصفويين على يد نادر شاه الافشاري وهو من اسرة تركمانية رقيقة الحال في خراسان وتوصل بجده وطموحه ودهائه الى الجلوس على عرش الصفويين في ايران ليتجه بعد ذلك الى توسيع ملكه حتى دانت له كافة الاراضي الواقعة بين بحر الخزر وقندهار· وما لبث نادر شاه بعد ذلك ان سيطر على اقليم كابول وكان لا يزال بأيدي حكام دهلي، ثم انحدر الى البنجاب فنشر الخراب والدمار في ارجائها كلها بعد ان دخل لاهور في شوال عام 1151 هـ/ 1739م· وفي اعقاب هزيمة الامبراطور المغولي محمد شاه دخلت جيوش نادر شاه دهلي وأعملت فيها السلب والنهب، ولم يرجع نادر شاه من الهند الا بعد ان اغتصب عرش الطاووس المغولي الذي صنع لشاه جهان نفسه، وأرغم محمد شاه نظير اعادته الى عرش دهلي على التنازل له عن اراض كثيرة في البنجاب امتدت من كشمير حتى ولاية السند اضافة الى تعويضات مالية طائلة ومزيد من الجواهر والاحجار الكريمة، وبفضل هذه الغنائم الجزيلة تغاضى نادر شاه عن جمع الضرائب من سكان فارس لمدة ثلاث سنوات ولم ينس ايضا ان يصطحب في ركابه قسرا فريقا من مهرة النقاشين ورجال المعمار على غرار ما فعل محمود الغزنوي وتيمور لنك من قبل· ويعتبر نادر شاه بمثابة المؤسس للسياسة الايرانية الطامحة للتمدد، وأصدر هو ومن جاؤوا بعده الى العرش فئات مختلفة من النقود الذهبية سواء من الاشرفيات او مضاعفاتها، ومن امثلة هذه النقود قطعة ذهبية تعادل خمسة اشرفيات 23,97 جرام وهي من ضرب بروجرد في عام 1230 هـ باسم فتح علي شاه، ويغلب على الظن ان هذه العملة الذهبية الثقيلة قد سكت كنقد تذكاري بمناسبة احدى الزيارات التي قام بها الشاه الى هذه المدينة، ووصلت الينا قطع مشابهة لها من ضرب تبريز واصفهان· وتتميز عملة بروجرد الذهبية بانها حافلة بزخارف التوريق العربية الارابيسك التي كانت بمثابة ارضية للكتابات النسخية، وسجل في مركز الوجه اسم السلطان فتح علي شاه قاجار ومركز الظهر فيه عبارة السك ضرب بروجرد سنة ·1230 التومان ومن عهد ناصر الدين شاه الذي اعتلى العرش في عام 1265 هـ 1848م وصلتنا عملة قاجارية اخرى، وكان هذا النوع يضرب على هيئة قطع من الفضة فئة تومان واحد وهو اسم العملة ومن الذهب فئة 25 تومان· والواضح ان العملات الذهبية من الفئة الاخيرة كانت تضرب في المناسبات الخاصة لتوزع كنقود تذكارية ومنها ما كان يمنح لكبار اعيان البلاد ومنها ما كانت الدولة تسمح للموظفين الكبار بشرائه· ونجد في مركز وجه هذه العملة الذهبية التذكارية صورة نصفية للشاه القاجاري ناصر الدين وقد وضع غطاء رأس مرتفعا ويتقلد اوسمته وتتطابق ملامح هذا النقش مع الملامح الشخصية لهذا الشاه التي سجلها بريشته الفنان محمد الحسين قاجار في لوحة زيتية مؤرخة بعام 1265 هـ 1849م وخاصة في طريقة قص الشارب وملامح الوجه، وتحيط بصورة ناصر الدين على وجه القطعة زخرفة من اوراق نباتية تدور حول الهامش بإتقان· اما الظهر فبهامشه زخرفة نباتية تنتهي من اعلى برسم التاج الملكي ومن اسفل بشعار الدولة القاجارية وهو عبارة عن قرص شمس مشع امامه أسد يحمل سيفا في يده اليمنى· وبمركز الظهر كتابة تقرأ من اسفل الى اعلى السلطان الاعظم والخاقان الافخم ناصر الدين شاه قاجار· ميداليات الاستحقاق يبدو ان ناصر الدين شاه كان مولعا بتقليد عادات البلاط في الممالك الاوروبية ولذا نراه يكثر من إصدار ميداليات الاستحقاق وهو تقليد اوروبي يعادل عادات الشرقيين في اسباغ حلل وخلع التشريف، ويبلغ وزن احدى ميداليات الاستحقاق التي اصدرها ناصر الدين حوالي 14,32 جرام وبوجهها رسم شعار الدولة الأسد والسيف وقرص الشمس تحيط به زخرفة نباتية، أما الظهر فبهامشه عبارات فارسية وبمركزه اسم السلطان ناصر الدين شاه قاجار مع تاريخ سك الميدالية وهو عام 1300 هـ·