الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
علوم الدار

"طراز جنوني".. يوثق نهاية "عصر النفط"

"طراز جنوني".. يوثق نهاية "عصر النفط"
5 مارس 2019 01:27

عرض: وائل بدران

فكرة جامحة وحلم بدا مستحيلاً، لكنه ابتكار من أجل مستقبل أفضل وبيئة أنظف، وأرض بلا احتباس حراري، هي باختصار رحلة شركة السيارات الكهربائية الأميركية «تسلا» الممتدة منذ 15 عاماً، بجهود رجل الأعمال المهندس والمخترع «إيلون ماسك».
وتيمناً بالعالم الفيزيائي الشهير «نيقولا تسلا»، أسّس مهندسون في وادي السيليكون بالولايات المتحدة الأميركية الشركة المتخصصة في إنتاج السيارات الكهربائية، وغايتها المنشودة تغيير شكل سيارات المستقبل باعتمادها على المحركات الكهربائية والبطاريات مصدراً للطاقة، من دون أي انبعاثات ضارة للبيئة.
وتجاوزت تسلا بالفكرة المدى، فسعت لجعل سياراتها فارهة عالية السرعة وآمنة، وتتحمل بطارياتها مسافات طويلة، وهو ما نجحت إلى حد بعيد في تحقيقه حتى الآن.

رغم أن «تسلا» بدأت عملها من دون «ماسك» في عام 2003، لكنها ما كانت لتصبح عليه الآن لولا انضمامه إليها كرئيس لمجلس الإدارة في عام 2004. وأصبح «ماسك» بعد الأزمة المالية العالمية رئيساً تنفيذياً ورئيساً لقطاع الإنتاج، قبل أن يتخلى عن إدارة الشركة العام الماضي إثر أزمة أثارتها «مزحة» على موقع «تويتر» كلفته منصبه.
وفي كتابه الجديد «طراز جنوني: كيف أطلقت تسلا بقيادة ماسك شرارة الثورة الكهربائية لإنهاء عصر النفط» يسلط الصحفي «هاميش ماكنزي»، بعد أن قضى عاماً كاملاً في العمل لدى «تسلا» الضوء على استراتيجية الشركة في سياق أزمة هوية قطاع السيارات وما يبدو صراعاً بين الصناعة التقليدية وعمالقة قطاع النفط من جانب، وقطاع السيارات الصديقة للبيئة من جانب آخر.
وأجرى «ماكنزي» حوارات صحفية مع خبراء في قطاع السيارات ورؤساء تنفيذيين في شركات تصنيع السيارات الكهربائية لتوضيح كيف مهّدت «تسلا» الطريق أمام المقلدين الباحثين عن موطأ قدم في لعبة الطاقة النظيفة، وأججت المنافسة بينهم.

المرتبة الثانية
واحتلت شركة «تسلا» لصناعة السيارات والبطاريات الكهربائية، المرتبة الثانية كأكبر شركة في قطاع السيارات الأميركي، وذلك بعد الارتفاعات الكبيرة في أسهمها في «وول ستريت» لتصل قيمتها السوقية إلى أكثر من 50 مليار دولار.
وتخطت «تسلا» شركة «فورد»، واقتربت من مستويات شركة «جنرال موتورز»، رغم أن مبيعات «فورد» تصل إلى 18 ضعف مبيعات «تسلا»، إلا أن المستثمرين يرون أن مستقبل الأخيرة، أفضل بكثير من منافسيها، إذ تملك تقنيات متطورة وبراءات اختراع في صناعة المحرك الكهربائي وبطاريات الليثيوم.

تسلا في الفضاء
ويُعرفنا المؤلف برجل الأعمال الكندي الأميركي المولود في جنوب أفريقيا «إيلون ماسك»، الذي تعرّض لتنمر قطاع الأعمال في جنوب أفريقيا قبل أن يفوز بدعوى قضائية كمؤسس لموقع «باي بال»، وحقق له ذلك النجاح رأسمال كافيا لإطلاق شركته «سبيس إكس» المتخصصة في إنتاج المركبات الفضائية، والمشاركة في شركة «تسلا» لتصنيع السيارات الكهربائية.

طموح غير محدود
ويشير «ماكنزي» إلى أن لدى «ماسك» طموحاً غير محدود، وخلال العام الماضي حمل صاروخ «فالكون الثقيل» من إنتاج «سبيس إكس»، والذي يعتبر الأقوى في العالم، سيارة «تسلا رودستر» إلى الفضاء. وكان من المفترض أن تصل السيارة إلى مسار حول الشمس، لتبعد عن الأرض مسافة مماثلة لبعد كوكب المريخ عنها. ولكن، يبدو أن صاروخ الإطلاق قد تجاوز هذا المسار ليضع سيارة تسلا في المدار الذي يمتد إلى حزام الكويكبات بين المريخ والمشتري.
وفي عام 2018، كانت طبيعة «ماسك» غير المتوقعة في قلب الحدث: إذ صدم المستثمرين في أغسطس الماضي بزعمه على موقع «تويتر» للتواصل الاجتماعي أنه كان يسعى للحصول على تمويل لتحويل الشركة إلى ملكية خاصة، وهو زعم وصفه «ماسك» بأنه كان مزحة، لكنه أثار بذلك تحقيقاً من قبل لجنة الأوراق المالية والبورصة الأميركية أفضى إلى تخليه عن منصب رئيس مجلس إدارة الشركة.
وفي «طراز جنوني»، يشير المؤلف إلى شعارات «ماسك» التي يتم ترديدها على نطاق واسع، مثل قوله: «إن إنشاء شركة مثل أكل الزجاج والتحديق في الظلمات».

براءات الاختراع
ويزعم «ماكنزي» أن دوافع «ماسك» ليست تحقيق أرباح فحسب، وإنما إحداث ثورة في قطاع البنية التحتية للسيارات في أرجاء العالم، وفي 2014، أعلن ماسك في بيان صحفي أن تسلا ستشارك براءات الاختراع الخاصة بها وكل أفكارها بشأن تطوير السيارات والبطاريات وتقنيات الشحن مع أي شريك جدي ومن دون مقابل، وهذا فقط في حالة ضمان أنه لن يستنسخ خطوط تصميم الشركة، ولن يسجل تلك الاختراعات باسمه ليحرم منها تسلا والبشرية بعد ذلك. والهدف من ذلك كما يقول ماسك هو دفع المزيد من الشركات للاستثمار في مجال سيارات المستقبل وخفض تكاليف التطوير والإنتاج.

تشكيك وتردد
غير أن دخول قطاع السيارات ليس مهمة سهلة. ويشرح «ماكنزي» بالتفصيل في صفحات قليلة، العقبات التي تنتظر أي شخص يجرؤ على محاولة دخول القطاع، ويقول: «إذا تمكن قادم جديد من إيجاد تمويل كاف للمهندسين والمحامين والمصممين، وتصنيع منتج يحتاج إلى خط إنتاج ضخم، فيمكن لذلك القادم الجديد أن يتوقع تشكيكاً وتردداً وفي بعض الحالات استخفافاً كبيراً بسعيه إلى الوصول إلى كثير من العملاء، لذا، لابد من التأهب لتقديم كثير من التوضيحات».
وبالتأكيد، نجح «ماسك» فيما أخفق فيه كثيرون غيره. وفي أكتوبر الماضي، بدأت «تسلا» تحقيق ربحية للمرة الأولى في عامين.
وعلى النقيض، لا تزال شركة «فاراداي فيتوشر»، التي تتخذ من لوس أنجلوس مقراً لها ويمولها ملياردير صيني، تراوح مكانها ولم تظهر حتى الآن ما يكشف عن طموحاتها الضخمة. لكن على رغم من ذلك، «لم تكن تسلا محصنة من الأخطاء»، فقد أخفقت الشركة مراراً في تحقيق أهداف الإنتاج، تاركة العملاء في حالة برزخية بانتظار الحصول على سياراتهم. بل وتعين على الشركة التخلص من بعض خيارات الألوان لطرازها الجديد «سيدان 3» من أجل تسريع عجلة الإنتاج.

أخطاء رغم الإنجازات
وفي الصين، ارتكبت «تسلا» خطأ فادحاً فتح الباب واسعاً أمام منافسيها للاهتمام برغبات الصينيين المولعين بالسيارات الكهربائية، فأخفقت الشركة بداية في التركيز على الأذواق الفريدة لعملائها الصينيين الأثرياء.
ويشير «ماكنزي» على وجه الخصوص إلى المقاعد الخلفية في النسخة الأولى من طراز «إس»، التي طرحت في السوق الصينية، حيث كانت المقاعد الخلفية تبدو مثل المنضدة وغير مريحة، وهي مشكلة كبيرة في الصين، حيث يفضل المواطنون الأثرياء في كثير من الأحيان أن يقود بهم السيارة سائقون.
وفي بعض الأحيان، يظهر «ماكنزي» تأييداً مفاجئاً لقادة «تسلا» بالتأكيد على نجاحات الشركة أكثر من أخطائها، لكن القارئ يستفيد من البحث الشامل الذي أجراه المؤلف، والذي يكشف بإنصاف رؤية جوهرية لمحاولات كبار مصنّعي السيارات مواكبة ابتكارات «تسلا».
ويصف «ماكنزي» الامتيازات التكنولوجية التي تتمتع بها الشركة على حساب الشركات أخرى، لاسيما أحدث البرامج الإلكترونية في القيادة الذاتية. وإن كانت شركات مثل «جنرال موتورز» و«فورد»، وغيرها تشتهر بتصميماتها القوية.
ويكتب المؤلف بأسلوب سلس، لكنه يتفادى الابتذال والحشو بشأن التفاصيل الدقيقة. ومن الواضح أنه لم يجر حواراً مباشراً مع «ماسك»، وما يتضمنه الكتاب من تصريحات مقتبسا من البيانات الصحفية للشركة والمؤتمرات الصحافية والتقارير الإعلامية. ولو أن «ماكنزي» تمكن من تعزيز قصته بتصريحات مباشرة من «ماسك»، لكان الكتاب مختلفاً بدرجة أكبر عن الأعمال الأخرى حول الفرق الذي صنعته «تسلا».

المؤلف
هاميش ماكنزي: صحفي مستقل ومؤسس مشارك لشركة «سابستاك» للنشر. وغطى أحداثاً متنوعة من بطولات العالم لأطول شارب ولحية إلى عمليات زراعة الوجه، ونشرت أعماله في سلسلة واسعة من الصحف الأميركية.

معارك أصحاب المليارات
يدافع المؤلف بوضوح عن تسلا في معاركها ضد أصحاب المليارات «المحافظين» من أمثال الأخوان تشارلز وديفيد «كوك»، الذين لا تجعلهم مصالحهم في قطاع النفط أصدقاء لقطاع صناعة السيارات الكهربائية.
ويستخف «ماكنزي» بإرث الأخوان «كوك» اللذين يتعرضان إلى انتقادات كثيرة داخل المجتمع الأميركي بسبب استغلال أموالهما في حملات سياسية تخدم مصالحهما الشخصية، مشيراً إلى أن «عرقلة تمرير ضريبة الكربون التي يؤيدها المدافعون عن البيئة وشركات النفط تشكل جزءاً من إرثهما». ويضيف: «إن إحداث خلط بشأن مساعدات الطاقة النظيفة وإبطاء التحول إلى وسائل النقل الكهربائية جزء آخر من إرثهما أيضاً».
ويقدم «ماكنزي» في كتابه رواية تدعو إلى التفاؤل والإحباط في آن واحد: فشغف «ماسك» بمستقبل الطاقة النظيفة محفز للآخرين ومعد لهم، لكن في الوقت ذاته من المؤلم رؤية الصعوبة التي يواجهها قطاع السيارات الكهربائية من أجل توسيع حصته السوقية والفوز بمزيد من العملاء. وربما يترك كتاب «طراز جنوني» القارئ يتساءل عن مدى الاختلاف الذي ستشهده طرقنا إذا ما استفدنا من تكنولوجيا بات استخدامها حتمياً، بما في ذلك اللجوء إلى البطاريات بدلاً من النفط.

الصورة مشرقة
انتشار المركبات الكهربائية سيكون له تأثير مباشر على قطاع النفط وحجم استهلاكه من خلال المركبات التقليدية، كما تبدو الصورة مشرقة إذا ما قيست من منظور الحفاظ على البيئة والاستغلال الأمثل لمصادر الطاقة التقليدية من قبل قطاع النقل والمواصلات في العالم، والذي يستهلك نسبا كبيرة من النفط يومياً.
وأفادت وكالة الطاقة الدولية، مؤخراً، بأن السيارات الكهربائية ستقلص طلب وسائل النقل على النفط بحلول 2040 بأكثر مما كان متوقعاً في السابق، وتعتقد الوكالة، التي تتخذ من باريس مقراً لها، أن نحو 300 مليون سيارة كهربائية ستسير على الطرقات بحلول 2040.

ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست رايترز جروب»

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©