الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
علوم الدار

خريطة طريق.. «حروب الإنترنت»

خريطة طريق.. «حروب الإنترنت»
4 مارس 2019 03:21

عرض - محمد وقيف

عندما استدعى المشرّعون الأميركيون رئيسَ ومؤسس «فيسبوك» مارك زوكربيرج إلى جلسة استماع حول موضوع الخصوصية وإساءة استغلال بيانات المستخدمين، في أبريل الماضي، تبين من نوع الأسئلة التي طرحوها مدى ضعف إلمام هؤلاء السياسيين بوسائل التواصل الاجتماعي، وبالدور الخطير الذي يمكن أن تلعبه. وبدلاً من كشف كيف نجحت حملة المعلومات المغلوطة والمضللة على «فيسبوك» في التأثير على نتائج انتخابات 2016 الرئاسية في الولايات المتحدة، أبان نوع الأسئلة التي طرحوها والحيز الزمني الذي أضاعوه في الاستفسار حول أشياء ثانوية، مدى الأمية الرقمية المتفشية بينهم، كما أظهر عدم دراية الزعماء الأميركيين بما يعتبره كثيرون أكبرَ تهديد وجودي يحدق بالديمقراطية الأميركية.
والحال أنهم لو اطلعوا على الكتاب الجديد «حرب الإعجابات.. استخدام وسائل التواصل الاجتماعي كسلاح» الذي صدر قبل ذلك بأسابيع، لربما تسنى لأولئك السيناتورات الإحاطة بشكل أفضل بدور «فيسبوك» كسلاح في حروب اليوم.
الكتاب الذي ألفه الخبير في شؤون الدفاع بي. دبيلو. سينجر، وزميل مركز العلاقات الخارجية في نيويورك إيمرسون بروكينج، يشرح كيف تم تحويل وسائل التواصل الاجتماعي إلى ساحة جديدة للمعارك، في وقت يسعى فيه قراصنة محترفون تابعون للدول وإرهابيون مارقون للاستيلاء على منصات، مثل «فيسبوك» و«تويتر» من أجل خلق الفوضى ونشر الدمار.
ويناقش ظواهرَ مثيرة للقلق مثل استخدام تنظيم «داعش» وسائل التواصل الاجتماعي من أجل تجنيد الأتباع ونشر مقاطع فيديو لعمليات قطع الرؤوس، و«استغلال» الحكومة الروسية وسائل التواصل الاجتماعي للتأثير على الحياة السياسية الأميركية، مثلما تتهمها بذلك بعضُ الأوساط الأميركية، ونشر حركة القوميين البيض في أميركا لأفكار عنصرية خبيثة.
الكتاب يقع في 416 صفحة من الحجم المتوسط، ومقسم إلى مقدمة «مدخل لحرب الإعجاب»، وخاتمة «ما الذي نعرفه، وما الذي نستطيع فعله؟»، بالإضافة إلى سبعة فصول هي: «كيف غيّرت الإنترنت العالم»، و«وسائل التواصل الاجتماعي ونهاية الأسرار»، و«الرقابة، والمعلومات المغلوطة، ودفن الحقيقة»، و«مسألة الصحة في مقابل الانتشار السريع على الإنترنت»، و«الحروب الجديدة من أجل الانتباه... والسلطة»، و«النزاعات التي تحرّك الإنترنت والعالم».
ويضم الكتاب بين دفتيه أخبار السنوات الخمس الماضية، ونبذة عن قصة ولادة «الإنترنت»، وفيه يسلّط المؤلفان الضوء على طبيعة «الحرب الحديثة»، بما في ذلك حكايات الروبوتات الروسية، ونجوم واقع سابقين، ومبتكري منطقة «وادي السيليكون».
وهذا التوالي السريع للقصص هو ما يجعل من «حرب الإعجابات.. استخدام وسائل التواصل الاجتماعي كسلاح» كتاباً تعليمياً قيماً لطلبة الصحافة والعلوم السياسية الذين يرغبون في فهم كيف أن التطبيقات نفسها التي يستخدمونها للتواصل مع الأصدقاء يمكن توظيفها أدوات ضمن ترسانة حربية.
والواقع أن كتاب «حرب الإعجابات» Likewar ليس تحذيراً بشأن حروب الغد بقدر ما هو خريطة لمن لا يفهمون كيف تغيرت ساحة المعركة. ويبدأ مع أول تغريدة لدونالد ترامب على «تويتر» في 2009، معلناً فيها: «احرصوا على أن تكونوا في الموعد وتشاهدوا دونالد ترامب على برنامج (لايت نايت) مع ديفيد ليترمان الذي سيقدّم قائمة العشرة الأوائل الليلة!». لكن هذا ليس كتاباً آخر عن الرئيس الأميركي، وإنما هو كتاب يدور حول الثلاثي غير المقدس الذي أجاد استخدام «الإنترنت» سلاحاً وبرع فيه: ترامب، «داعش»، وروسيا.

معركة الفضاء السيبراني
هؤلاء الثلاثة ظهروا في دورية تصدر عن حلف «الناتو» ضمن مقال كتبه منظِّم حملة ترامب يربط استخدامهم لهذا النوع من الحروب الجديدة التي تتخذ من الفضاء السيبراني ساحة لها، ويُظهر استخدامهم المحتوى الذي ينتشر بشكل فيروسي على شبكة الإنترنت. ولهذا، فحينما يلفت إيميرسون وسينجر إلى الحيل الأربع، «قلل من شأن المنتقد، شوّه الحقائق، وصرف الانتباه عن الموضوع الرئيس، وثبط عزيمة الجمهور»، فإنه يصبح من الصعب الجزم بشأن ما إن كان الأمر يتعلق بإشارة إلى استراتيجية دفاعية جديدة لروسيا أو إيماءة إلى طريقة تعاطي ترامب الخاصة مع الإعلام.
وفي بعض الأحيان، تكمل الأطراف المتعارضة أهداف بعضها بعضاً. فعلى سبيل المثال، عندما كان تنظيم «داعش» ينشر مقاطع فيديو تبرّر أعمالاً بشعة باسم الدين، كان موقع «بريتبارت» يستغل ذلك من أجل تأجيج نيران أنصاره اليمينيين المتطرفين. ومع كل ضغطة «إعجاب»، يحصل تنظيم «داعش» على مجندين جدداً، ويحصل موقع «بريتبارت» على أموال إعلانات أكثر.
الكتاب يصبح أكثر إثارة للاهتمام مع بسط بروكينج وسينجر للسياق التاريخي لأخبار اليوم من أجل إزالة غموض «الإنترنت» بوصفها ساحة جديدة للمعارك. وفي هذا الإطار، يشبّه المؤلفان السيطرةَ المفاجئة على مدينة الموصل في العراق، التي روّج لها تنظيمُ داعش أيما ترويج خارج الشرق الأوسط عبر قصف وسائل التواصل الاجتماعي بمواده الدعائية، بالسرعة الكبيرة للحرب النازية الخاطفة، الـ «بليتزكريج»، إبان الحرب العالمية الثانية والتي شلّت المقاتلين الفرنسيين من خلال بث دائم ومتواصل لهجماتها.

«عودة» الحرب الباردة
وبالمثل، يرى بعض المراقبين أن الشباب الروس الناشطين على «الإنترنت» الذين يتنكرون كأميركيين، إنما يؤكدون أنهم ليسوا أكثر من نسخ حديثة لأساليب وتكتيكات الحرب الباردة التي كان ينتهجها الاتحاد السوفييتي، وكانت تستهدف التأثير على الحياة السياسية الأميركية.
ويرى المؤلفان أن الجنرال الروسي المعاصر فاليري غيراسيموف الذي نشر في 2013 مقالة تصنّف الوسائلَ غير العسكرية باعتبارها أهم من الأسلحة التقليدية، ليس سوى نسخة حديثة من المنظّر العسكري كارل فون كلاوسفيتس الذي عاش في مطلع القرن التاسع عشر. إذ مثلما أسّس «كلاوسفيتس» لمفهوم الحرب باعتبارها «السياسة بأدوات أخرى»، فإن غيراسيموف بسط مقاربة جديدة راديكالية للحرب عبر استغلال «الإنترنت» والاستفادة منها، باعتبارها السلاح الأقوى والأكثر فعالية للمعلومات المغلوطة والمضللة.
الكتاب يتفوق في هذه الإحالات التاريخية التي تعلّم الجيل الأكبر سناً والأقل مواكبةً للتطور الرقمي بشأن كيف تؤثّر «الإنترنت» في الحرب الحديثة. ولا شك في أنه بهذه الطريقة، لن تظل «الإنترنت» عالماً جديداً غامضاً وغير مألوف بالنسبة لجيل كبار السن، وإنما مجرد نسخة أخرى حديثة للحروب القديمة نفسها.
ولا شك في أن مسؤولية جسيمة تقع على عاتق منصات التواصل الاجتماعي، مثل «فيسبوك» و«تويتر» من أجل قطع الطريق على الأنظمة السلطوية التي تحاول استغلال هذه المنصات لنشر دعايتها عبر حسابات وهمية. وكذلك من أجل محاربة المحتوى العنيف والمتطرف، سواء أكان صادراً عن تنظيمات دينية متطرفة، مثل «داعش» أم عن مجموعات عنصرية متعصبة. بيد أن المسؤولية لا تقع على هذه الشركات فقط. وفي هذا الصدد، يقدّم المؤلفان إضاءات تتعلق بسبل مواجهة القوى الجديدة مع توصيات بخصوص خطوات محددة يمكن للشركات والحكومات والأفراد اتخاذها بشكل جماعي من أجل استعادة «الإنترنت».
والخلاصة الأوضح في نهاية هذا الكتاب هي أن جهل هذه التهديدات الحقيقية المحدقة بالبلدان - أو تجاهلها - لم يعد خياراً، وأن على كل فرد وكل منظمة وكل بلد أن يتحمل مسؤوليته ويقرر الدور الذي سيلعبه في ساحة المعركة الجديدة هذه ويتحمل المسؤولية عن نتيجتها النهائية.

بيتر وارن سينجر
خبير استراتيجي أميركي في مؤسسة «نيو أميركا»، وهي مركز بحوث في واشنطن، متخصص في العلوم السياسية والعلاقات الدولية. وقبل منصبه الحالي، كان سينجر زميلاً لمؤسسة بروكينجز، حيث كان مديراً لـ «مركز أمن واستخبارات القرن الحادي والعشرين». وقبل ذلك، كان مديراً مؤسساً لـ «مشروع السياسة الأميركية تجاه العالم الإسلامي» في «مركز سابان لسياسة الشرق الأوسط» في «بروكينجز». كما سبق له أن عمل مع «مركز بيلفر للعلوم والشؤون الدولية» بجامعة هارفرد، وبلجنة البلقان بوزارة الدفاع الأميركية، وأكاديمية السلام الدولية. وقد حصل سينجر على الدكتوراه من جامعة هارفرد. ومن الكتب التي ألفها أو ساهم في تأليفها: «أطفال في الحرب» و«الأمن السيبراني وحرب الإنترنت».

إيمـرسون تي. بروكينـج
باحث أميركي ومحلل سياسات الأمن الدولي، مهتم بـ «الإنترنت» والاتجاهات الجديدة في الحروب، خاصة: كيف يمكن للمقاتلين استغلال المنصات الرقمية الحديثة لتحقيق أهداف الحرب التقليدية؟ وما هي التداعيات السلبية المحتملة لهذا التبني؟ وماهي الخطوات التي يمكن اتخاذها من أجل تخفيف تلك التداعيات وتجنبها؟ باحث سابق في مجلس العلاقات الخارجية.

ينشر بترتيب خاص مع «خدمة واشنطن بوست رايترز جروب»

 

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©