الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
الأخبار العالمية

مطالبات في بنجلاديش لكشف انتهاكات حقوق العمال في قطر

مطالبات في بنجلاديش لكشف انتهاكات حقوق العمال في قطر
2 مارس 2019 00:01

دينا محمود (لندن)

أكدت مصادر إعلاميةٌ في بنجلاديش تصاعد مشاعر الاستياء في الأوساط المجتمعية في البلاد، جراء تفاقم الانتهاكات التي تلحق بالعمال المهاجرين إلى قطر، وغالبيتهم من الشبان الذين يلقى الكثير منهم حتفهم خلال مشاركتهم في تشييد المرافق اللازمة لاستضافة بطولة كأس العالم لكرة القدم، التي يُفترض إقامتها في الدويلة المعزولة في نوفمبر وديسمبر من عام 2022.
وفي تقريرٍ موسعٍ، قالت صحيفة «دَيلي ستار» واسعة الانتشار في العاصمة داكا إن الصورة الكاملة لمعاناة هؤلاء العمال - الذين يُقدر عددهم بنحو 280 ألف نسمة - لم يُكشف عنها النقاب بعد بكل تفاصيلها، مُشيرةً إلى أن أوضاعهم تزداد تدهوراً سنةً بعد أخرى.
وأشارت الصحيفة في هذا الصدد إلى أن أوضاع عمال بنجلاديش المهاجرين إلى دولٍ مثل قطر كانت أفضل قبل ثلاثة عقودٍ من الآن وتحديداً في فترة الثمانينات من القرن الماضي، إذ كان «المهاجرون الأوائل يتمتعون برواتب أفضل، وظروفٍ معيشيةٍ معقولة، بجانب رعايةٍ طبيةٍ وقدرٍ من الحماية الاجتماعية، بل وعطلةٍ سنويةٍ يحصلون فيها على بطاقة سفرٍ لوطنهم كذلك».
لكن الوضع الآن أصبح أكثر سوءاً بكثير، في ضوء التقديرات التي تشير إلى أن السنوات القليلة الماضية شهدت مقتل أكثر من 1200 عاملٍ أجنبيٍ – غالبيتهم من بنجلاديش ودولٍ آسيويةٍ فقيرةٍ مثلها كنيبال ، وذلك منذ أن بدأ النظام القطري تحضيراته لاستضافة النسخة المقبلة من المونديال، بعد أن حصل على حق تنظيمه في أجواءٍ مُفعمةٍ بالرِشى والفساد أواخر عام 2010.
كما أن الرأي العام في داكا لا يزال يتذكر ما فجرته وسائل إعلام محليةٌ قبل شهور عن محنةٍ يكابدها مئاتٌ من عمال بنجلاديش في قطر، بعدما حُرِموا لشهورٍ طويلةٍ من رواتبهم، مما أدى إلى أن تتقطع بهم السبل في الدويلة المعزولة بلا خدماتٍ أساسيةٍ مثل المياه النقية والكهرباء، لتفترسهم الأمراض المختلفة التي أفضت ببعضهم إلى الوفاة.
واضطر هؤلاء العمال – الذين كانوا جزءاً من القوة العاملة في مشروعٍ للإنشاءات وتوقف صرف رواتبهم لنحو ستة أشهر – إلى أن يعتمدوا على تبرعاتٍ قدمتها لهم جمعياتٌ خيريةٌ، بعدما تُرِكوا لـ «يتعفنوا في مخيمٍ.. تحول إلى تربةٍ خصبةٍ للذباب والحشرات بسبب عدم وجود أي خدمة تنظيف»، وافتقاره كذلك للخدمات الأساسية مثل مياه الشرب النقية والكهرباء، وبالطبع المياه اللازمة للاستحمام.
وضربت «دَيلي ستار» مثالاً في تقريرها بأحد عمال بنجلاديش الذين كابدوا معاناةً مماثلةً على مدار السنوات الخمس الماضية، بفعل اضطراره للسفر إلى «إمارة السخرة» في قطر عام 2014، بعدما ضاق به الحال في بلاده إثر شروع الحكومة في إقامة مشروعاتٍ في منطقةٍ متاخمةٍ لأرضه الزراعية أدت إلى تعذر زراعتها من جديد، بالإضافة إلى اجتياح الإعصار «إيلا» لبلدته الصغيرة، وما نجم عن ذلك من دمارٍ واسع.
وبحسب الصحيفة، اضطر العامل ويُدعى «نظام الدين» إلى الاقتراض من كل حدبٍ وصوب، لتوفير الأموال والرسوم اللازمة للعمل في قطر - والتي بلغت في ذلك العام نحو 3600 دولارٍ أميركيٍ - وذلك من أجل إعالة أسرته البالغ عدد أفرادها خمسة أشخاص.
غير أن «نظام الدين» لم يكن يعلم أنه أنفق كل هذه الأموال، حتى يُلقي بنفسه إلى التهلكة في العاصمة القطرية. فبحسب «دَيلي ستار» زجت شركة التنظيف - التي استقدمته إلى قطر - به في غرفةٍ محدودة المساحة، اضطر إلى أن يقطن بها جنباً إلى جنب مع 20 عاملاً آخرين من زملائه، في ظروف يندى لها الجبين.
ولم يقتصر الأمر على ذلك، بل خضع الرجل ورفاقه في العمل لـ «رقابةٍ صارمةٍ» من جانب السلطات القطرية، خلال إقامتهم في هذا المأوى ذي الوضع المزري الواقع في إحدى ضواحي الدوحة، بعيداً عن وسط المدينة المتألق بالأضواء والبنايات الحديثة والمنشآت ذات الطابع العصري، التي يحاول بها «نظام الحمدين» إخفاء فداحة الانتهاكات الصارخة التي تشهدها البلاد.
وأُضيف إلى ذلك – وفقاً لما ذكرته الصحيفة البنجلاديشية التي بدأ صدورها عام 1991 – أن «نظام الدين» لم يكن يحظى بعملٍ ثابتٍ في سنواته الأولى في قطر، بل كانت الشركة التي جلبته من وطنه، تُسند له في كل صباح عملاً جديداً في مكانٍ مختلفٍ دون سابق إنذار.
وتستعرض «دَيلي ستار» في هذا الصدد ملامح الحياة المهينة لهذا الرجل آنذاك، قائلةً إنه اعتاد في تلك الفترة الاستيقاظ يومياً في وقتٍ مبكرٍ للغاية من الصباح لـ «يُؤخذ في شاحنةٍ مفتوحة (لنقله) للعمل في أماكن مختلفة (من قطر). في بعض الأيام كان يعمل في تنظيف المدارس، بينما كان يعمل في أيامٍ أخرى في تنظيف الشوارع والطرق».
ومثله مثل مئات الآلاف غيره من العمال الأجانب في قطر، لم يكن «نظام الدين» يتقاضى راتبه بشكلٍ منتظم، وفقاً لما قالته «دَيلي ستار» في تقريرها، الذي حمل عنوان «القصص التي لا يحكيها أحد عن عمال بنجلاديش المهاجرين». وأشار التقرير إلى أن محنة هذا الرجل تفاقمت بفعل إصرار أرباب عمله القطريين، على ألا يدفعوا له سوى مقابل مادي للأيام التي يُشغّلونه فيها، بغض النظر عن كونه كان مستعداً على الدوام للعمل في أي وقت، بهدف تسديد الديون المتراكمة عليه في وطنه.
وبعد سنواتٍ من العمل لحساب شركة التنظيف هذه، تمكن «نظام الدين» من الانتقال للعمل لحساب إحدى شركات الإنشاءات مقابل تقاضي 250 دولاراً أميركياً في الشهر، على أمل أن ينقذه ذلك من جحيم العمل القسري الذي قاسى منه منذ أن وصل إلى قطر. ولكن هذا الرجل لم يلبث أن اكتشف أن الوضع لم يتحسن، فالشركة الجديدة «لم توفر له المأوى، ولم تغط تكاليف الرعاية الصحية الخاصة به»، بجانب تكبيدها له الكثير من النفقات الأخرى.
وفي إشارةٍ إلى أن مأساة «نظام الدين» في قطر ليست حالةً استثنائيةً وأن ما يتعرض له العمال الوافدون هناك من عمليات خداعٍ واحتيال بات هو القاعدة، قالت «دَيلي ستار» إن قصص عمال بنجلاديش المهاجرين الذين تركوا وطنهم بحثاً عن مستقبلٍ أفضل في السنوات القليلة الماضية، تحفل بـ «عمليات استبدال العقود، ومصادرة جوازات السفر، و(الإجبار) على العمل بشكلٍ مفرط».

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©