الإثنين 27 مايو 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

سوق الجلود في أم درمان ·· قيمة تراثية

24 مايو 2005

الخرطوم - أحمد طه:
تفيد الاحصائيات أن بالسودان حوالي 150 مليون رأس من الحيوانات الأليفة الداجنة - ماشية - ماعز - ضأن - إبل - هذه الثروة الهائلة لا تكلف أحداً في مأكلها ومشربها فالأرض والسماء يمنحانها غذاء وفيراً يكنزها باللحم والشحم - هذه الإحصائية غير دقيقة لأن السوداني بطبعه لا يعطي الأرقام الحقيقية (لحلاله)، خوف العين ·· وجباية الحكومة أما حيوانات الغابة والبرية وزواحفها فلا يمكن حتى تقديرها·
مقابل هذه الثروة الحيوانية يمثل السودان مكاناً متقدماً كأحد أهم مصادر الجلود في العالم· وبالرغم من وجود العديد من المدابغ الآلية والبلدية إلا أن نسبة عالية من الجلود السودانية تصدر (خام) إلى مصر، وبلاد الشام، والدول الأوروبية ليصنع منها أرقى (ماركات) الأحذية والأحزمة والحقائب وفرش السيارات ··· إلخ·
النمر والاناكوندا
في أحد أزقة سوق أمدرمان العتيق - لازال الصنّاع من الذين حذقوا فن صناعة الجلود وتحويلها إلى نوع من الأحذية البلدية المعروفة (بالمراكيب) التي تصنع من جلود الأبقار المدبوغة كما يتفننون في صناعة هذه المراكيب من جلود النمور لوجهاء القوم (مفردها مركوب وهو حذاء جلدي بتصميم خاص - يشغله السودانيون يكملون به الزي القومي)· وهناك مراكيب من جلود الفهود والأصلة (الأناكوندا) والثعبان·· وهناك نوع خفيف شائع انتعاله بين المواطنين يسمى (الأمدرماني) يصنع من جلد الماعز الطري المدهون (بالزيلقون) وهو طلاء عشبي فاقع الاحمرار يستورد من آسيا·
بعض الصنّاع تخصصوا في تصنيع جلود الزواحف وتحويلها إلى تحف فنية رائعة ·· بكميات كبيرة ويبيعونها إلى حوانيت الأناتيك التي تسوقها للمواطنين والسواح ضمن منحوتاتهم الخشبية أو إدخالها في صناعة تحف أخرى ليصنعوا منها دمجاً فنياً بين خشب الغابة وزواحفها·
ثعابين بالمنازل
تجولت الاتحاد في سوق الجلادين في أم درمان والذي بدأ يفقد بعض ملامحه القديمة ·· ولكن، لازالت رائحة (القرض) والجلود والأصباغ تحفظ للمكان بعض ما تميز به·
يقول التيجاني محمد - صانع مورد: صاحبت والدي في عمله كجلاد منذ أن كنت تلميذاً في المدرسة الابتدائية - راقبته وهو يقوم بتصنيع الجلد الخام ويحوله إلى أشياء مفيدة وجميلة· وعن جلود الزواحف يقول التيجاني إنها أنواع مختلفة أولها السوداني والثاني النيجيري وهو يختلف عن السوداني لأنهم يربون الأصلة والثعابين في حظائر بالمنازل للاستفادة من جلودها - أما جلود الزواحف السودانية فمصدرها الأحراش خاصة في منطقة جنوب النيل الأزرق ومنطقة الحظيرة المحجوزة والحدود مع اثيوبيا، ويصل الينا الجلد النيجيري وهو مدبوغ وجاهز للتصنيع، أما جلود الزواحف السودانية فتصل إلينا كمادة خام وتكلفنا دباغتها جهداً ووقتاً ومالاً، وتتم عملية الدباغة بمسح الجلد بمسحوق الملح والقرض ونشره وشده في الشمس لعدة أيام (القرض ثمرة تطرحها أشجار من فصيلة الأكاشيا) حادة الطعم ونفاذة الرائحة ويستخدمها أهل السودان في الطب البلدي والدباغة واستخدامات أخرى·ويضيف التيجاني نقوم بتصنيع العديد من الأصناف من جلود الزواحف هذه ، مثل الشنط اليدوية والأحذية النسائية والمحافظ الرجالية كما نصنع منها (المركوب) السوداني الشهير· وهذا النوع من المراكيب مع مركوب النمر يلبسان في ا لمناسبات الخاصة مثل عقد الزواج والمناسبات الاجتماعية الأكثر أهمية ويدللان على أهمية الشخص ومكانته· وفي شرحه للأسلوب المستخدم في التصنيع يقول التيجاني: عندما نستلم الجلد من الدباغه نقوم بعملية التصنيع وتبدأ بقص الجلد وتفصيله حسب القطعه المراد تصنيعها·· نجهز الأرضية وهي من الجلد الخام المقاوم لطبيعة أرض السودان، ثم نخيط الحذاء يدوياً ونشده في القالب ليأخذ الشكل النهائي ثم نقوم بتلميع الجلد باستخدام الليمون وقطعه من القماش، وتتم العملية منذ مراحلها الأولى يدوياً مما يكسبها شهرة خاصة·ومن أجود أنواع المراكيب بعد النمر والأصلة مركوب الجنينه (المنسوب لمدينة الجنينه في أقصى غرب دارفور في الحدود مع تشاد) ويضيف التيجانيك بعض الخليجيين يرغبون جلد الأصلة أما (أولاد الريف) - يقصد المصريين - فيعجبهم مركوب الجنينه ذي الأرضية الجلدية والسواح تعجبهم الشنط والشباشب والأناتيك التي تدخل في تصنيعها جلود الزواحف ·· والسائح زبون مهم لأنهم يشترون كميات كبيرة ويدفعون دون المفاصلة والمجادلة في الأسعار، ويفصلون المصنوعات التي تدخل في صناعتها جلود الأصلة والتمساح والورل·
وعلى ذكر التمساح فجلده غير مرغوب كمركوب لأنه يتقشر بعد فتره قليلة من انتعاله ولكنه يصلح في صناعة الشنط، وهؤلاء السواح تعجبهم التحف التي تدخل في صناعتها رؤوس التماسيح الصغيره وهم يثقون في الصناعات اليدوية السودانية ويرغبون في اقتنائها·
أما السودانيون فيفضل أغلبهم المصنوعات التي تدخل في صناعتها جلد الأصلة والثعابين مثل المراكيب·· والسودانيات يفضلن الشباشب والشنط المصنوعة من الأصلة والورل·
أسعار مخفضة
وعن الأسعار يقول التيجاني: تعتبر الأسعار مناسبة وهي في متناول الجميع فمثلاً سعر مركوب الأصلة من ذات الأرضية الجلدية الأكثر من طبقة بحوالي 40 ألف جنيه (60 درهما)·· والعادي بحوالي 25 ألف جنيه (37 درهما) - أما الشنط فيتراوح سعرها ما بين 20 ألف جنيه إلى 30 ألف جنيه في حين يبلغ سعر الشبشب الأصله 15 ألف جنيه (10 دراهم) والنوع المصنوع من جلد الورل 10 ألف جنيه (15 درهما) أما حافظات النقود فبحوالي 7 ألف جنيه (10 دراهم)·
كنز التراث
مثل هذه المصنوعات الجلدية الطبيعية تجد رواجاً كبيراً بين النساء الأوروبيات - يقتنينها من تحت الطاولة، هرباً من القانون الخاص بالرفق بالحيوان ولكن طبيعة المرأة الأوروبية تعشق تملك الاشياء النادرة خاصة سيدات المجتمعات المخملية المتعلقات بالموضة والأزياء واللائي أصابتهن هذه الحمى منذ أن عرفن الفراء وتزين به·
وسوق أمدرمان هو الأشهر في السودان بالصناعات اليدوية وفيه أمهر الصناع في الصناعات الجلدية القديمة والحديثة ويمثل قيمة تراثية ويضم في أزقته الضيقة متحفاً للمهن التي كادت أن تندثر - ومستودعاً ضخماً للمقتنيات الشعبية التي لازالت عالقة بذاكرة الآباء ومجرد ذكرى غائبة عن ذاكرة الجيل الحالي الذي يعيش غيبوبة فرضها عليه الواقع السياسي والاجتماعي والثقافي والاقتصادي·
المصدر: 0
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©