السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

دلس الجزائرية.. القصبة التي عشقها الرحَّالة

دلس الجزائرية.. القصبة التي عشقها الرحَّالة
17 أغسطس 2007 00:13
حينما تزور مدينة ''دلّس'' لتتجوَّل فيها بعض الوقت، تنتابك الدهشة من بقاء المدينة مغمورة مهمشة برغم ما تملكه من مناظر طبيعية خلابة وتاريخ عريق تشهد عليه آثارٌ زاخرة تعود إلى مختلف الحقب التاريخية· تبعد دلس عن الجزائر العاصمة بحوالي 106 كيلومترات شرقاً، والطريق إليها ليس سهلاً لكثرة القرى والتجمعات السكانية التي تسبق الوصول إليها، وكذا ضيق الطريق، وكثرة الممهلات الموضوعة لإجبار السائقين على تخفيض السرعة· ولكن منظر البحر الذي يقع الطريقُ بمحاذاته طوال المسافة ينسيك عناءه وطوله، خاصة أن الطريق شُقت في أغلبها على هضبات عالية تمكنك من رؤية البحر والصيادين بوضوح· تتكوَّن دلس من أحياء عدة متباعدة عن بعضها البعض، وهي ملتفة حول مركز المدينة الذي يتمتع بالهيبة لثقله التاريخي الكبير؛ حيث تقع ''القصبة'' التي بناها العثمانيون في القرن السادس عشر، وهي تتكوَّن من ''القصبة العليا'' و''القصبة السفلى'' لتشبه بذلك قصبة الجزائر العاصمة، لكنها تختلف عنها في أن ''قصبة دلس'' بُنيت لسكان المنطقة، ولذلك لا تجد فيها قصوراً فخمة على غرار القصور التي تجدها في قصبة الجزائر التي بُنيت لتكون عاصمة لـ ''أيّالة'' الجزائر منذ انضمامها الرسمي إلى الدولة العثمانية في ·1518 العمران الفرنسي تحتوي ''القصبتان'' العليا والسفلى معاً على 210 بيوت، ويفصل بينهما الشارع الرئيسي الذي شقته فرنسا إثر احتلالها للمدينة في مايو عام ،1844 وهذا على حساب الكثير من البيوت العثمانية التي هدمتها بحجة شق الطريق أمام السيارات· في قلب المدينة العثمانية بنت فرنسا ''مسجد الإصلاح'' سنة 1847 على النمط الأندلسي المقتبس من ''المسجد العتيق'' الذي قامت بتهديمه وبنت مستشفى عسكرياً على أنقاضه· وربما كانت فرنسا تهدف إلى التدليل على أنها تحترم المشاعر الدينية للسكان! وتعج أغلب بيوت القصبة بالسكان إلى حدِّ الساعة بالرغم من قِدَمها من جهة وتضررها الفادح من زلزال بومرداس في مايو ،2003 وتبدو الحاجة ماسَّة لترميم الكثير من بيوت القصبة وتقوية دعائمها وجدرانها للحؤول دون انهيارها، وهي مُشيدة بالحجارة على النمط العثماني الشهير؛ حيث تكون البيوت قريبة من بعضها البعض ولا يفصل بينها إلا أزقة ضيقة، وتنتصب الأقواس فوق الأبواب، ولا يخلو بيتٌ من النوافذ، وهي صغيرة ومتباعدة مهمتها إدخال الضوء والهواء دون أن يستطيع المارّ رؤية ما بداخل البيت لعلوِّ النوافذ· 1000 عائلة أندلسية يقول بعض المؤرخين إن دلس آوت أكثر من ألف عائلة أندلسية في القرن السابع عشر؛ ففي سنة 1609 أصدر الاسبان قرار الطرد العام للأقلية المسلمة التي بقيت باسبانيا بعد سقوط الأندلس سنة 1492 ورفضت التحول إلى المسيحية، فهاجر المئات إلى دلس وأقاموا بها· ومنذ ذلك الوقت ازدهرت عادة غرس الزهور والورود بالمدينة ولا يزال السكان إلى الآن محافظين على هذه العادة الأندلسية·وتتوالى البيوت العثمانية بانتظام إلى غاية الميناء، وهناك نقف على حقبٍ تاريخية أخرى تجسدها آثارٌ فينيقية قليلة ولكنها كافية للتدليل على مدى اهتمام الفينيقيين بالبحر وإقامة موانئ تجارية حيثما حلوا في مدن البحر المتوسط، ومنها مبنى فينيقي كان يُتَّخذ منارة توقد عليها النار ليلاً كدليل للسفن، ويقع المبنى أمام مرسى سيدي عبدالقادر، وقد أطلق الفينيقيون على دلس اسم ''روسوكورو'' ومعناها ''رأس الحوت''· زار دلس رحالة عديدون أشهرهم الإغريقي بطليموس في القرن الرابع الميلادي، وفي الفترة الإسلامية التي تبدأ بفتح موسى بن نصير لها في707 ميلادية، زارها ابن حوقل وابن بطوطة والإدريسي وتكلَّم عنها في كتابه ''نزهة المشتاق'' في فصل ''كتاب الجغرافيا''· وفي العهد العثماني، زارها الرحالة تيجروتي في أواخر القرن الـ ،16 وفي أواخر الحكم العثماني للجزائر والذي انتهى سنة 1830 زارها الرحالة الحسين الورتيلاني ودوَّن طرائف رحلته والتقى أحد مصلحيها وهو العلامة أحمد بن عمر التادلسي، كما مرَّ بها ابن خلدون وأسماها ''تادلس''، إلا أن بعض السكان يقولون إن أصل التسمية مستمد من الكلمة الأمازيغية ''آذلس'' نسبة إلى نبات جبلي كثيف كان السكان يتخذونه سقفاً لبيوتهم القديمة قبل ظهور القرميد·
المصدر: الجزائر
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©