الثلاثاء 23 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

عبد النبي ذاكر: السفر حاجة ملحة تسكن الإنسان

عبد النبي ذاكر: السفر حاجة ملحة تسكن الإنسان
20 يوليو 2007 23:13
الدكتور عبد النبي ذاكر، أستاذ السرد العربي في ''كلية الآداب أغادير'' بالمغرب، ومدير ''المركز المغربي للتوثيق والبحث في أدب الرحلة''، وكاتب عام ''اتحاد كتاب المغرب - فرع أغادير''، ومنسق ''مجموعة البحث الأكاديمي في الأدب الشخصي''· وعضو ''الهيئة الاستشارية لمجلة قاف صاد'' المهتمة بالقصة القصيرة· وكذلك عضو ''الهيئة الاستشارية لمجلة المترجم'' التي يصدرها مخبر تعليمية الترجمة وتعدد الألسن بـ ''كلية الآداب واللغات والفنون'' وهران- الجزائر، حائزٌ جائزة ابن بطوطة للأدب الجغرافي عن كتابه ''الرحلة العربية إلى أوربا وأميركا والبلاد الروسية خلال القرنين التاسع عشر والعشرين''·
''الاتحاد'' التقت الدكتور ذاكر وحاورته حول أهمية أدب الرحلة ودوره في التواصل مع الآخر، والفرق بين النصوص القديمة والنصوص الجديدة في هذا الميدان، فضلاً عن ظاهرة الهجرة السرية وبداية بروز ''أدب رحلات سرية'' يهتم بالمعاناة الإنسانية· 
* باعتباركم أحد أبرز المهتمين بأدب الرحلة، ما الخصوصية النقدية لأعمالكم في هذا المجال؟
**أهم شيء بالنسبة لي في ما اضطلعت به من أبحاث ودراسات تخص جنس الرحلة، هو رد الاعتبار للأدب الرِّحلي، وتجاوز الطرح التقليدي الذي يعتبر أدب الرحلة وثيقة تاريخية وأنثربولوجية وسوسيوغرافية، إلى غير ذلك من المقاربات التي تتعامل مع الموضوعات من دون الالتفات إلى البُعد الجمالي في نصوص الرحَّالين· الشيء الذي سيمكِّننا من الحديث عن ''الواقعي'' و''المتخيَّل'' في الرحلة، وهو ما قمت به في كتابي: ''الواقعي والمتخيَّل في الرحلات الأوروبية إلى المغرب'' الذي صدرت طبعته الثانية سنة 2007 مزيدة ومنقحة تحت عنوان: ''أوروبا والمغرب: نظرات متقاطعة''· أما النصوص الرحلية العربية، فأوحت لي بدراسة ''المُحتمل'' فيها، نظراً لتلبُّسها بأقنعة خطابية متنوعة، تتبنى إستراتيجيات متباينة في الإيهام بصدقيةِ مقولها وواقعيته· ولعل هذا ما جعل مقارباتي لجنس الرحلة تمتاحُ من روافد عدة كالسيميولوجيا والشعرية والأسلوبية والهيرمينوطيقا والبلاغة الحديثة والسرديات· 
* كيف تنظرون إلى واقع الدراسات النقدية الخاصة بأدب الرحلة في الوطن العربي؟
** تشهد هذه الدراسات بعض الانتعاش في المغرب على وجه الخصوص، نظراً لانفتاح المقاربات على مناهج حديثة لا تلغي بعض الروافد التراثية المضيئة· ولذلك تُلفِي رصانة في الطرح، وعمقاً في المناولة· وأذكر هنا على سبيل المثال لا الحصر المقاربة السردية للأستاذين عبد الرحيم مؤذن وشعيب حليفي، والمقاربة الشعرية للباحث واسطي بوسيف، والمقاربة السيميائية للطائع الحداوي ونزار التجديتي·
* وكيف تقيِّمون ما قدمه الرحَّالة المعاصرون للأدب العربي مقارنة بما قدمه الرحَّالة الأوائل؟
**أهم ملاحظة يمكن أن تثير الباحث الذي يروم الموازنة بين الرحلات العربية قديمها وحديثها، هي تلك الصحوة الجمالية التي جعلت من النُّصوص المعاصرة واحة لبلاغة جذّابة، خلافاً للإبلاغ الذي كان الهمَّ الأساس للسَّلف؛ فالملاحظ أن الرحلات القديمة، كانت بمثابة ''نُفاضَة الجِراب'' ـ على حد تعبير عنوان رحلة للسان الدين بن الخطيب ـ تضم الفتوى والمتون إلى جانب المنقبة والتاريخ والمعطيات الجغرافية والنباتية والحيوانية، فضلاً عن العجيب والغريب من خرافات وأساطير· أما اليوم، فأصبح الاعتناء ببلاغة الرحلة وشعريتها مطلباً أساسياً، جعلها تُعنى بما هو سير ـ ذاتية، وما له صلة بالمذكرات واليوميات وأجناس البوح وأشكال التصوير وتقنياته·
* أبديتم اهتماماً كبيراً بظاهرة الهجرة السرية إلى أوروبا واعتبرتموها ''حاجة نفسية وجودية''، وتحدثتم عن بداية بروز ''أدب الرحلات السرية''· ما خصائص هذا النوع الأدبي الجديد؟ وهل يمكن أن يسهم في حل مأساة المهاجرين السريين الذين يتزايد عددهم باستمرار وأضحوا يقلقون الكثير من الدول؟
**الهجرة كحركة في الوجود، تستجيب بالفعل لرغبة دفينة لدى الإنسان في السفر، إلى حد أننا نستطيع أن نعرِّف الإنسان بأنه ''حيوان مسافر''، على غرار عبارتي ''حيوان ناطق'' أو ''حيوان ضاحك''· وسلوك شبابنا اليوم في الحلم بالعبور إلى الضفة الأخرى من حوض المتوسط، لا يُقرن فحسب بالإكراهات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، بل هو في عمقه تعبير عن هذه الحاجة التي تسكن الإنسان عموماً في استكشاف فضاءات وقيم تجعل المرء مُضاعَفاً، وتكسب هويته وكينونته ثراء وغنى· والمؤسف حقاً هو أن يُسمي الغربيون هجرتهم نحو الجنوب ''سفراً''، ويسمون سفر الجنوبيين باتجاه الشمال ''هجرة'' و''حرْقا'' و''جنوناً''·
ما يميز هذه الكتابة الأدبية، باعتبارها فعلاً رحلياً قسرياً، هو إدانتها الصُّراح لغياب التناغم الأونطولوجي بين ما تطمح إليه شخصية المهاجر السري ـ والمهاجر عموماً ـ وبين ما يتيحه واقعه من إمكانات قاصرة عن تلبية مطامحه التي لم تخطِئها أطياف إكراهات برانية وجوانية جعلت المهاجر يقع نهب تمزُّق مؤثر بين آفاقٍ بلا حدود وحدودٍ بلا آفاق· وهذا التوزع الأونطولوجي بين المحدود ''الهُنا'' واللامحدود ''الهناك'' هو الذي أفرز آلام اللاتناغم الأونطولوجي لعدم تناسب الذات مع كينونتها في الآن والهُنا.
أما عن سؤالك المتعلِّق بمدى إمكانية أن يحل هذا الأدب لغز السفر الحارق، المحيِّر للعقلية الغربية عموماً، فأنا شخصياً لا أستطيع أن أجزم بأن الأدب يغيِّر بشكل مباشر، ويصلح ما أفسدته سياسةُ عولمةٍ لا تنتبه إلى أهمية المقاربة التشاركية والاجتماعية والنفسية، ولا يمكن لسياسة التسوير وتفريخ أشكال الموانع السياسية والاقتصادية والجغرافية، إلا أن تجعل من الرغبة في السفر سُعاراً لا يحُدُّه الموت ولا القسوة··· من هنا لا مسوِّغ للقلق الأوروبي أمام هذا القلق الوجودي الذي هو خصِّيصة طبيعية في الإنسان، ينبغي التعامل معها بما يضمن كرامة وطموح وانعتاق البشرية، لا بما يمرِّغ البقية الباقية من وهجها في أوحال وطنيات ضيِّقة.
* وما دور أدب الرحلة في التواصل مع الآخر ومدِّ جسرٍ للحوار معه؟
**لا شك في أن أدب الرحلة صورة مثلى للتواصل مع الآخر، والتوق إلى تكسير طوق الذات لإخصابه بمكونات جديدة في فضاءات المغايرة· لقد ظل أدب الرحلة على الدوام بمثابة حلم يقظة في التثاقف والتجسير بين الذوات والفضاءات والأزمة· وحريٌّ بالأمم والشعوب ردُّ الاعتبار لهذه الثقافة التي كانت على مر العصور همزة وصل بين الحضارات· وهنا نستحضر رحلات حانون القرطاجني وكريسطوف كولومب وابن بطوطة وابن فضلان وغيرهم.
المصدر: الجزائر
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©