الثلاثاء 23 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الرضا الأميري عن الحياة

الرضا الأميري عن الحياة
30 ديسمبر 2011 20:30
كانت هواياتي في أيام الصبا أجمل هوايات يمارسها الأولاد، فأنا ألعب الكرة، وكنت أشعر بأنني الأخضر بلّومي، ثم فجأة قررت أنني مارادونا. وأنا أمارس هواية الحصول على الأشياء بغتة وبلا مقابل، وكان هذا الأمر رائعاً. وحين كبرت أصبحت هوايتي الوحيدة تقريباً الكتابة، وتُشعرك الكتابة بأنك مثل طفل وُلد في عائلة محرومة من الأطفال، تجلس في وسطهم فيلاعبونك ويصفقون لك. وكنت أعمل في أفضل مكان في العالم، وفي أحسن جو عمل، ومع زملاء لا يمكن أن يكونوا بشراً عاديين. كان ذلك في النيابة العامة ولمدة خمس سنوات، في أفضل وأجمل وظيفة هي كاتب تحقيق، ثم ثلاث سنوات رئيس قسم، وهي وظيفة استثنائية. وكنت مع صباح كل يوم أسمع الموظفين يتأففون من كل شيء. ولأن التغيير سُنة الحياة، فقد عملت في المحاكم، حيث أفضل مكان وأحلى جو ومع زملاء لهم أجنحة من اللطف والكرم، بوظيفة غاية في المرونة والتجديد هي مأمور تنفيذ. والغريب أن خدود الكثير من الزملاء كانت تنتفخ إحباطاً على الأوضاع، كل الأوضاع، والأكثر غرابة أن وظيفتي بالذات كانت من أكثر الوظائف التي يتهرّب منها العقلاء قبل الحمقى، وكانت طلبات النقل والاستقالات تنهال على رأس رئيس القسم حتى تعطّلت كليته عن العمل. وبعد سنوات عزيزة على قلبي، وضعت ورقة الاستقالة مشفوعة بكلمات الثناء على طاولة رئيسي المباشر، وقبول الاستقالة خُط بقلمٍ يدعو لي بالتوفيق، فقد حصلت على فرصة لا تعوّض للدخول في عالم الصحافة مع مجلة جديدة عملت فيها سنتين كنت أستيقظ فيها صباح كل يوم على منبّه السعادة.. وبالطبع، وكالعادة، هناك من يستيقظ يومياً ليأتي إلى المكان الذي يعتبره سجناً يكتظ بسجّانين غلاظ. ومن تلك المجلة انتقلت إلى جهة حكومية، وفي بادئ الأمر شعرت ببعض الإحباط، لكنني توصّلت إلى صيغة من العمل جعلت رضاي يعود إلى سابق عهده. ولم تكن سيارتي الأولى من نوع «جيب سبورت» تظهر على أغلفة مجلات السيارات، فلا هي أرخص سيارة، ولا أوفرها وقوداً، ولا أقواها أحصنة، ولا أسرعها، ولا أكثرها رفاهية، ولا شيء سوى أنني كنت أنظر إليها كما ينظر أب ملياردير إلى ابنه الوحيد، وكنت أتعجب ممن يصفونها بأنها مثل الصندوق. وسيارتي الثانية كانت نسخة من السيارة الأولى لكن من طراز أحدث، وكنت أسير بها على الطرقات كأنني ملك يسير في موكب التتويج على العرش، برغم العذال الذين كانوا يعتبرونها تابوتاً متحركاً خصوصاً أن لونها أسود. ثم كانت سيارة بيجو 504 التي لم تكن شيئاً مذكوراً في عالم السيارات سوى أنها لا تستهلك الكثير من الوقود، لكنني كنت أتعجب من جمالها ومن الذين يرونها صرصوراً سماوي اللون، خصوصاً حين تكون نظيفة وواقفة في مكان مظلم وكشّافاتها مضاءة وإطاراتها منحرفة قليلاً، كانت تشبه الأسد تماماً. وسيارتي الحالية، «جيب جراند شيروكي» طراز 2006، هي بحق أفضل وأجمل وأسرع سيارة في العالم، برغم كل «الرنجات» و»الكروزرات» و»الأوديات» و»البيأمات» و»المرسيدسات» التي يمتلكها أصدقائي. وشعرت برضا تام عن البيوت التي سكنت بها، في بيت عربي في منطقة نايف بديرة إلى نهاية السبعينيات، ثم في بيت عربي في منطقة الشهباء بالشارقة، ثم في شقة بمنطقة القصيص بدبي أربع سنوات، ثم في أول بيت امتلكته في حياتي قبل سنوات في الورقاء بدبي، وهو بيت صغير يصلح أن يكون مجرد ملحق في البيوت الكبيرة. والآن إلى الجزء الأصعب، وهم أهلي الذين لا أدري لم اختارني الله لأكون من لحمهم برغم أنني لم أفعل شيئاً يستحق كل هذا الكرم الأسري، فأبي لا يمكن أن أصفه إلا في رواية تسيل منها دموع المحبة وتُسمع منها قبلات الامتنان، وأم عظيمة لم أقدّرها إلا حين كبر عقلي. وأخوات غير طبيعيات في لطفهن معي برغم كل حماقات ما يسمى بالرجولة، وإخوان أعوان في الشدّة والرخاء، وزوجة يعلم الله ماذا كان حالي إن لم تكن هي هي، وأبناء، لا يزالون حتى الآن أحلى من مرقة سمك فوق طبق أرز. بعد أن كتبت كل هذا الكلام دخلت الإنترنت لأرى إن كان هناك شيء عن قياس رضا الناس عن الحياة، فوجدت مجموعة أسئلة لقياس الرضا وتتراوح الإجابات ما بين: تنطبق تماماً، تنطبق، بين بين، لا تنطبق، لا تنطبق أبداً. وكلما تطابقت الإجابات ارتفع مستوى الرضا عن الحياة، والعكس صحيح. وقد اخترت للأسئلة التالية إجابة «تنطبق تماماً»: أنا أسعد حالاً من الآخرين، ظروف حياتي ممتازة، في معظم الأحوال تقترب حياتي من المثالية، أشعر بالأمن والطمأنينة، أتمتع بحياة سعيدة، أشعر بأن حياتي الآن أفضل من أي وقت مضى، حصلت حتى الآن على الأشياء المهمة في حياتي، أشعر بأنني موفّق في حياتي، أشعر بالبهجة الممزوجة بالتفاؤل تجاه المستقبل، أميل إلى الضحك وتبادل الدعابة، أشعر بالرضا والارتياح عن ظروفي الحياتية، أعيش في مستوى حياة أفضل مما كنت أتمناه أو أتوقعه، أشعر بأن حياتي مشرقة ومليئة بالأمل، أنام نوماً هادئاً مسترخياً، أشعر بالسعادة لوجود علاقات طيبة تربطني بالآخرين، يثق الآخرون في قدراتي، لا أعاني مشاعر اليأس أو خيبة الأمل، لدي القدرة على اتخاذ القرار وتحمّل نتائجه، روحي المعنوية مرتفعة. واخترت إجابة «تنطبق» للأسئلة التالية: أشعر بالثقة تجاه سلوكي الاجتماعي، أنا راضٍ عن نفسي، أنا راضٍ بما وصلت إليه، أتقبل الآخرين وأتعايش معهم كما هم، أتقبّل نقد الآخرين، يتسم سلوكي مع الآخرين بالتسامح والمرح، ينظر الآخرون إليّ باحترام، أفكاري وآرائي تنال إعجاب الآخرين، علاقاتي الاجتماعية بالآخرين ناجحة، لو قدّر لي أن أعيش من جديد لن أغيّر شيئاً من حياتي. لكن يُلاحظ أن أقصى الرضا غير مطروح هنا، أي الرضا الذي ليس بعده رضا ولا حسنين، رغم أن هذا الرضا موجود وأنا شخصياً أشعر به، ويحق لي أن أنسبه لنفسي، فأقول إن أقصى الرضا هو الرضا الأميري، مثلما نُسب مقياس ريختر إلى مخترعه الأميركي تشارلز ريختر. كما أعلن عن استعدادي التام لإخضاع قلبي لاختبارات معامل قياس الرضا عن الحياة، لأنني أعتقد أن اللحمة القابعة في داخلي شعرت بالرضا 37 عاماً لم تتخللها سوى أيام وسويعات من الشعور باليأس والإحباط. وعليه، فإن المقياس الجديد للرضا عن الحياة يتدرّج على النحو الآتي: غير راضٍ عن الحياة على الإطلاق «يا أخي انتحر»، غير راضٍ «وماذا أفعل لك؟»، راضٍ قليلاً «احمد ربّك»، راضٍ إلى حدّ ما «ولم إلى حدٍ ما؟»، راضٍ جداً «لديك مستقبل في عالم الرضا»، راضٍ تماماً «زادك الله رضا»، الرضا الأميري «ولسوف يعطيك ربُّك فترضى». أحمد أميري me@ahmedamiri.ae
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©