الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

كلام الفأفاء

كلام الفأفاء
1 ابريل 2009 23:15
قول الجاحظ: ''إنا نجد الحاكية من الناس يحكي ألفاظ سكان اليمن مع مخارج كلامهم، لا يغادر من ذلك شيئا، وكذلك تكون حكايته للخراساني والأهوازي والزنجي والسندي والحبشي وغير ذلك، نعم حتى تجده كأنه أطبع منهم· فإذ ما حكى كلام الفأفاء، فكأنما قد جمعت كل طرفة في كل فأفاء في الأرض في لسان واحد، وتجده يحكي الأعمى بصور ينشئها لوجهه وعينه وأعضائه لا تكاد تجد من ألف أعمى واحدا يجمع ذلك كله، فكأنه قد جمع جميع طرف حركات العميان في أعمى واحد· ولقد كان أبو دبّوبة الزنجي مولى آل زياد يقف بباب الكَرْخ بحضرة المُكَارِين فينهق فلا يبقى حمار مريض ولا هرم حسير ولا متعب بهير إلا نهق، وقبل ذلك تسمع نهيق الحمار على الحقيقة فلا تنبعث لذلك، ولا يتحرك منها متحرك حتى كان أبو دبّوبة يحركه وقد كان جمع جميع الصور التي تجمع نهيق الحمار فجعلها في نهيق واحد وكذلك في نباح الكلاب''· يخبرنا الجاحظ بأن الحاكية ''يحاكي هيئات الأشخاص، كالأعمى، أو أصوات الحيوان كالكلب والحمار، غير أنه مهما يكن موضوع المحاكاة، فالنتيجة هي إقامة أنماط، ففن الحاكية ليس في تقليد نطق سندي بعينه، أو حكاية أعمى بعينه، أو نهيق حمار بعينه، بل نطق السندي عامة، وكذا حركات الأعمى ونهيق الحمار، فلا يحتفظ لذلك إلا بالسمات النمطية، التي لا تجتمع عند أي فرد، ومثله مثل الشاعر ورسام المنمنمات في العصر الكلاسيكي، يتجنب المحاكي ما هو فردي ويقتصر على عمومية النمط ونقائه''· ومن شدة إتقانه للنمط الذي يرغب في محاكاته يصبح هو النمط الإنساني الذي يقاس عليه النمط المحاكى؛ لأنه يجمع كل صفاته بدقة شديدة حتى يظهره وكأنه أطبع منه، وحتى يتحول النمط المحاكى إلى خيال، ويكون المحاكي هو حقيقته، وحتى يتحول الأعمى مثلا إلى صدى للمحاكي وإلى نسخة عنه، وليس العكس، وكأنك حينما تمعن النظر في أدائه تجده قد جمع كل الخصائص لأهل اليمن في فأفاء واحدة، وكل طبائع العميان وصفاتهم في أداء واحد، فالمحاكي يختصر صفات العميان جميعهم في محاكاته تلك حتى يتحول هو الأعمى النموذجي الذي يمارس صفاته بدقة متناهية في الإتقان·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©