الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

لوحات بومليك.. "نَفَسُ الأرض"

لوحات بومليك.. "نَفَسُ الأرض"
23 فبراير 2019 00:53

محمد نجيم (الرباط)

بألوان التراب والقصبات، ورائحة البيوت القديمة، وعادات القرية في الجنوب، تدخل إلى معرض الفنان التشكيلي المغربي عبدالمالك بومليك، الذي يقام في قاعة باب الكبير الأثري بالرباط، تحت عنوان: «نفَسُ الأرض».
يتمثّل هذا الفنان طبيعة المكان وينغرس في أعماقها، وينهل من عراقة العمران المغربي الضاربة في القدم ليقدم لوحة تُفرح العين وتريحها، وتسافر بالمتلقي إلى أعماق ذاته، والتاريخِ والمكانِ المغربيين بألوان يغلب عليها الأصفر، الذي يحيل على الشمس المشرقة في المغرب. إنها لوحات حبلى بعشق طقوسي، لوحات، برأي إبراهيم الحيْسن: «تنبعث منها رائحة التراب التي تتسلل من داخل تكوينات لونية ونماذج عضوية قائمة على التجريد، معلنة عن هوية الفنان وتمسكه بالجذور والبدايات. وفيها يتعايش القماش والخشب الرقيق في حوار جمالي استثنائي، حيث ينصهر الثاني في لجَّة الأول. في ذلك يعمد الفنان إلى تلبيس الخشب بالقماش ليقوم بثنيه تارة وتقطيعه وتمزيقه تارة أخرى وفق ضرورات جمالية وتعبيرية في آن. من ثم يتحوَّل السند إلى فضاء يقبل تصادم المواد والخامات المستعملة والمأخوذة من مرجعيات بيئية محلية».
في لوحات بومليك «تتألْسن (من لسان) المواد والأصباغ داخل تراكيب متحوِّلة يكثر فيها التكثيف والتعضيد الناتجان عن استعمال أدوات غير معتادة في مجال الرسم والتصوير، أدوات يستعيرها الفنان من حقول حِرفية متنوِّعة مهمتها الحفر والدعك والتغرية والكشط والتبصيم الناتئ والمحدب والمقعر.. بهذا المعنى يبني الفنان الأثر قبل أن يرسمه ويتعقب ترسباته التي لا تخلو من سفور المادة وصلابة التشكيل الذي يمنح العمل الفني وحدته المادية. فليس للأثر إذن وجود في عمل الفنان سوى في ثنايا اللوحة وداخل تشكيلات المسطح، الأثر المنزوع من رحم أثر آخر بأبعاد مادية مَلْمَسية قائمة على التوالد والتناسل والتكاثر. هناك يتخيَّر الفنان مواده ليهجنها ويخلطها مع أصباغ عجينية في مقابل مساحيق لونية مدكوكة وأتربة محمرَّة ومصفرَّة ونثارات خشب خردلي متآكل يمنح اللوحة دلالات جمالية مغايرة تشي بالعراقة والقِدم».
إن الفنان عبدالمالك بومليك، ينطلق من إعادة تشكيل المادة (التراب)، داخل عالم من الشكل واللون، حيث تمتزج مع الأصباغ والصمغ والصباغات. وحين يعمد هذا الفنان إلى التراب، فإنه يفعل ذلك من باب «الغموض» الذي يكتسيه في التاريخ البشري لاهوتياً وفلسفياً، وحتى أحيائياً. باعتباره ذاكرة الإنسان والأرض، ذاكرة الحياة. لهذا لم يكن عشوائياً أن يختار بومليك «نَفَس الأرض» عنواناً لمعرضه هذا.
لا تنفصل الأرض عن التراب، ولا ينفصل الإنسان عنه أيضاً، كما قال عز الدين بوركة «بل إن اشتقاق (آدم) يأتي من كلمة (أديم)، وهو ما يظهر من الأرض، وأيضاً هو جلد الإنسان، فكلما تنفس هذا الأخير تتنفس الأرض وتحيا، إنه سليلها وابنها العاق والحسن. لهذا تقيم أعمال عبدالمالك بومليك في الأرض وترتحل فيها، وإنه يبدأ من التراب وينتهي عنده، هذا العنصر المشكل للحياة والذي منه تبتدئ وإليه تنتهي، إنه الأصل والمنتهى إذاً. وهذا ما يشدنا إلى أعمال هذا التشكيلي، الذي يشكّل أعماله في صمت (صوفي) وغامض، فهو قليل الكلام إلى حد مدهش، يشبه تلك النقوش والخرابيش والحفريات التي تتحدث بصمت في أعماله».

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©