الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

مجاريح.. حين يتحوّل المقهور قاهراً

مجاريح.. حين يتحوّل المقهور قاهراً
19 فبراير 2019 03:00

عصام أبو القاسم (الشارقة)

قدم العرض الإماراتي الذي شهده جمهور مهرجان الشارقة للمسرح الخليجي، مساء أمس الأول، بقصر الثقافة، مثالاً حيوياً، للطريقة التي يسلكها الفن المسرحي في مقاربته قصص المجتمع، والأدوات والحلول التي يعتمدها فتكون مقاربته لتلك القصص أكثر وقعاً وأبلغ تأثيراً لو قورن بأي شكل فني آخر.
واستند العمل إلى نص من تأليف إسماعيل عبدالله تحت عنوان «مجاريح»، وتصدى لإخراجه محمد العامري، وقدمته فرقة مسرح الشارقة الوطني، وتبدأ وقائعه من مواجهة عائلية أطرافها الأم (قامت بالدور بدور) والأب (قام بالدور موسى البقيشي) من جهة والبنت (قامت بالدور سارة) من جهة أخرى، ترغب هذه الأخيرة في الزواج من الشخص الذي تحبه لكن والديها سبق لهما أن اتفقا على تزويجها من شخص آخر.
تزداد المواجهة حدة، بإصرار كل طرف على موقفه، إلى أن تبلغ الحدة مداها الأبعد حين تسأل البنت والدها عن سر إصراره على تقييد حريتها في اختيار ما تريده وفيما لو كان للأمر صلة بتاريخه الشخصي.
ينتقل العرض، إلى الماضي، حيث أحب الأب فتاة حرة ارتضت أن تهرب من والدها (قام بالدور حبيب غلوم)، الذي رفض أن تقترن ابنته به.ويعود الماضي، بمظاهره الاجتماعية المختلفة، لكن في مرئيات مكثفة ودالة، تغلب عليها مشاهد من يوميات الأب الذي أمضى أيامه تلك في حال تختلط فيه مشاعر القهر والاضطهاد، وهو على هذه الحال لا يجد السلوى إلا في عيون حبيبته، وإيقاعات وأنغام الفرقة الشعبية التي يرافقها التي تشكل معازفها وأغانيها الموقعة على آلات مثل الهبان القرب والكاسر وغيرها من أدوات الموسيقى الشعبية، فضاءً روحياً ووجدانياً بديلاً لذلك الذي يعيشه على المستوى الواقعي، فينسى لحين أحزانه وانكساراته وانسداد الأفق أمامه.
ومن العودة المطولة إلى الماضي، يسرع العرض في جزء متقدم منه إيقاعه، ويبدأ في المراوحة بين مشاهد من الماضي والحاضر، ربطاً للوقائع في الزمنين، فما حصل سابقاً ها هو يتجلى الآن، فكيف سيسلك الأب الذي انتزع حريته عندما يتعلق الأمر بحرية سواه؟
الحال إن الأب يظل على موقفه الرافض لاختيار البنت إلا أنه بعدما يستعيد ماضيه، وإثر محادثة مع زوجته، يدرك أنه تعامل مع موقف ابنته وقد تملكته روح قاهِرِهِ (والد زوجته) فهو فعل ما كان يُفعل به، وحين يتراجع يكون الوقت قد فات وهربت ابنته، مجسدة دور أمها في تلك الأيام الأولى!
بشكل مجمل، بدا العرض مزيجاً مبدعاً، من الشعر والغناء والتمثيل والتشكيل، فعلى مستوى لغة الحوار التي جاءت باللسان العامي، حذق الكاتب في الموازنة بين بعديها الشعري والدرامي، وبين طاقتها الغنائية وبلاغتها التعبيرية، وعلى مستوى الأداء تبارى الممثلون في تجسيد الأفعال وتصوير الانفعالات، جسدياً وإشارياً وصوتياً، على نحو انسجمت فيه الكلمة مع حركتها والحركة مع كلمتها، في معظم وقائع العمل، وهم هيمنوا، تقريباً، على فضاء العرض الذي أراده المخرج خالياً إلا من حضورهم، سواء في لحظات التداعي المنفرد أو في المواجهات الثنائية أم في تنقلات مجاميع الاستعراض والغناء!
وفي تشكيله لمجال العرض، عمد المخرج محمد العامري، إلى جملة من الحلول، فإلى جانب هندسته حركة الممثلين، بحيث تبرز مواقع الشخصيات (الأب والأم والابنة)، وتفرز مواقفها وحالاتها العاطفية، بدت «الحبال» الملمح الأبرز في الاستعارات الرمزية التي استخدمها لترجمة منظوره إلى النص، وهو نوّع في توظيفه هذه الحبال، فالمتدلية في شكل مثلث، وفي مدى أطول، من فوق منصة العرض، بدت مرة شبيهة بخيمة أو بيت كما ظهرت كقيود تحيط بالعائلة، أما تلك الحبال التي توزعت على سطح الخشبة، وقد بدت مقصوصة أو مجزوزة، وظهرت في هيئتها مثيلة للنباتات الطفيلية، وقد لعبت دوراً مزدوجاً، فهي تمظهرت كذكرى لحبال العبودية التي قطِّعت سابقاً كما بدت كأرضية خشنة تدور من فوقها وقائع العرض في زمنه الحاضر.
ثمة العديد من اللمحات الإخراجية، ظهرت في المنظر العام للعرض، مثل حفلة العرس، وجهاز العروس، وفقرات الفرقة الشعبية التي أدتها في المحفل، ومنها أدائية الشويبة، وغيرها من الأشكال الأدائية المرتبطة بالفرق الشعبية، كل ذلك كان له دوره في إثراء العرض بنائياً وشكلياً.

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©