الثلاثاء 19 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
21 نوفمبر 2011 21:28
وقفت على أعتاب البحر ساعات طوال، علّه يخفف عني هموم مساءاتي، خلته مصغياً، هائجاً، ثائراً كما ثورة دواخلي، تعلو أمواجه لتتكسر على شاطئ قلبي، يستدل رذاذه على وجهي فيغسل درن نفسي وما علق بها من شوائب وموحلات الحياة، لكنه لم يستجب، لم يتفاعل، كان ساكناً يشهد غوص الشمس النازلة من كبريائها في كبد السماء لينطفئ وهجها في أحشائه في عناق ولقاء لدقائق لا يريد أن يفوتها عليه، لقاء القرص الأحمر مع المياه الزرقاء في قصة عناق قصيرة لتستقر في مخدعها المجهول. غير مبال بحالي، تركني لشجون اللحظة حين أفول الشمس وإعلان مغيبها، ربما البحر لا يريد من ينغص عليه صفو لحظاته الحميمية، وربما أثقلت كاهله هموم الناس وحكاياتهم وشكاواهم، وضاق بها ذرعا، فقرر ألا يعود للتفاعل معهم، سكن إلا نفسه متفرجاً على وجعهم، واعتراكات الحياة. تركني مسلوبة الفرح على بابه، وأنا القادمة إليه، هاربة من هموم الدنيا ووجعها، من خلف أسوار نفسي وأشواك طريق دنياي، أغضبني سكون البحر وسلبيته، تكسرت الكلمات في حلقي، خرست مفرداتي، وانعقد لساني، أدرت له ظهري ورجعت متثاقلة الخطى، أنتظر ولادة فجر جديد، وأبحث عن مُصغ آخر مع إيماني الأكيد أنه لا كاتم لأسراري وغاسل لهمومي كالبحر، ولا متحمل لحماقاتي وطيشي كأمي، لكن وجدته ساكناً غير مبال. أسكنت صوت الغضب داخلي فزادني وجعاً، تشوهت تفاصيل السكينة دواخلي، وتسربت العتمة إلى قلبي، أخاف من فقدان إنسانيتي ونقاء نفسي، قهرت ذاتي وانغمست في تفاصيل مهنتي وتقلباتها التي لا تنتهي، وأجّلت غضبي لأصبه في بحر ثائر غاضب أحادثه بصوت أعلى من هدير موجاته العاتية، يحفظ سري ويغسل همي حين ملاقاته. ـ يقال إن أرفع درجات الحكمة البشرية هي معرفة مسايرة الظروف وخلق سكينة وهدوء داخليين على الرغم من العواصف الخارجية، ويقال أيضا إن السعادة نسبية ولا تنال إلا بالرضى وتصفية النفس من كل شوائب وموحلات الحياة، وبالتسامح والتسامي، لكن تأخذنا الأيام وتسوقنا وراءها ونهيم في دنيانا، نبحث عن ذواتنا، نتناسى أحياناً ما بداخلنا من نقاء وصفاء، فيغلف السواد نظرتنا وتُحجب الرؤية، تتشوش وتغلفها الضبابية، قد يكون ذلك نابعاً من أعماقنا أحياناً، وقد تسهم فيه المؤثرات الخارجية وتحفزه، ويرتبط ذلك باستعداد الشخص لاستقبال هذه المحفزات، أو مقاومته لهذه الضغوط النفسية الخارجية، وفي لحظة ما، يكتشف الفرد أنه تغير، انساق وراء الحياة يجري خلفها لاهثاً، يغوص في موحلاتها، يتناسى أنه وافد عليها، و سيترك وراءه كل مغرياتها، مع يقينه أنه لا أحد مخلدٌ فيها، وكل يخرج منها عاريا، خالي الوفاض إلا مما عمله لآخرته من أعمال صالحة، ولا أحد يغرف منها أكثر من المقسوم له مهما كان وعاؤه واسعا، فالراحة الداخلية وصفاء السريرة ونقاؤها هي سر النعمة وقوة التسامي فوق كل موحلات الحياة. المحررة | lakbira.tounsi@admedia.ae
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©