الخميس 28 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الخنجر.. سلاح من حرير

الخنجر.. سلاح من حرير
16 نوفمبر 2011 22:53
تعد المهن والحرف التقليدية القديمة جسرا للتواصل يربط ما بين الماضي الأصيل العريق والحاضر، فهي مهن تجسد أصالة الإنسان وتاريخه وإبداعه عبر عصور مختلفة ومتعاقبة، كما تصور ما تمتعت به الشعوب من ثقافة وقيم ومهارات، تبرز لجمهور اليوم نتاجهم الحضاري والإنساني، ولعل صناعة الخناجر والسيوف واحدة من أهم الحرف والمهن القديمة التي تشير إلى براعة ومهارة الصانع، كما تشير إلى تلك (الخصوصية الثقافية) وما تحمله من براعة التصميم والشكل الفني والإبداع الحرفي الذي يشي بذلك الذوق الجمالي في إنجاز الخنجر كتحفة فنية تتمتع بكل المواصفات المنسجمة مع البيئة والمجتمع والعادات والتقاليد. فعلى مستوى الرمز عند بعض الثقافات والأديان والقبائل مثلا يعتبر الخنجر إشارة لإطلاق النار في طقوس السحر، ويمثل القوة والوعي ويستخدم لتوجيه الطاقة واختيار الدوائر السحرية. كما يعتبر أحد الطرق أو وسائل الاتصال في الطقوس الشيطانية، حيث يتحد الجسد مع رسم النجمة، ويتم خدش الجسد بالخنجر، ولا بد أن يتم تسخين الأخير وقراءة بعض الكلمات ويتم وضع بقايا الدم على رأس الخنجر في كأس ووضعه في منتصف النجمة. وعرضنا لمثل هذا الحديث هو من قبيل إظهار مدى سلطة وأهمية الخنجر وكيف يحضر بقوة في العديد من المعتقدات الدينية والخرافية وترتبط بطرد الأرواح والشر وجلب الحظ، كما ترمز لكل ما له علاقة بالقوة والهيبة. يعد الخنجر من أقدم الأسلحة التي استخدمها الإنسان في الدفاع عن نفسه، وفي احتياجاته المعيشية عبر العصور. فهو من الأسلحة الصغيرة، السهلة الحمل والاستخدام عند الالتحام اليدوي، وضمن الصناعات التقليدية يلحق الخنجر بالسيف بوجه عام، لأنه من فصيلته إذا جاز لنا مثل هذا التعبير. وكان المحارب قديما يحمل خنجره في “حزامه” أو تحت ثيابه، فإذا التحم بعدوه كان يطعنه به خلسة، وكانت بعض المجاهدات في العصور الأولى يحملن الخنجر في الغزوات المختلفة تحت ثيابهن للدفاع عن أنفسهن. لكن بصفة عامة فقد ارتبط الخنجر ومنذ قرون طويلة بعادات الناس وتقاليدهم وتراثهم المنقول، وعدّ رمزا للرجولة، وجزءا مهما من الصناعات التقليدية اليدوية التي تبرز نشاط أي شعب وخصوصيته، كما أن نوع الخنجر في بعض البلدان مثل اليمن يدل على المكانة الاجتماعية لصاحبه. من ناحية ثانية لقد ارتبط اسم السيف بالشرف والكرامة والنخوة والحماية، فقد وقف السيف العربي والإسلامي على مر التاريخ الغابر شريفا، مدافعا عن الحق، ناشرا لعدالة السماء التي انزلها الله سبحانه وتعالى على النبي الأكرم محمد صلى الله عليه وسلم، على عكس الخنجر الذي يرتبط في الأذهان بالخيانة والغدر، حيث أغتيل فيه العديد من الأسماء والشخصيات التاريخية وبخاصة في عهد الإسلام. ومن ذلك خنجر أبي لؤلؤة المجوسي الذي قتل به أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه وهو يصلي. وتذكر الحادثة أن المجوسي، كان واقفا مع ثلاثة، فمر عليهم عبيد الله بن عمر وبينما هو مار، إذ سقط خنجر ذا حدين من المجوسي وكان أشبع سمّا، وقام أحدهم وأخفاه، نظر عبيد الله، وما كان يعلم أن هذا الخنجر المسموم إنما أريد به قتل الأمير العادل، خير الأمة بعد نبيها وأبي بكر الصديق رضي الله عنه. وفي هذا السياق فقد أسهب العديد من الشعراء في استخدام الخنجر كرمز أو فكرة لتوضيح المعنى الدلالي في قصائدهم، ومنهم الشاعر الراحل رياض الصالح الحسين في قصيدته “الخنجر”، ونقتطف منها: الرجل مات الخنجر في القلب والابتسامة في الشفتين الرجل مات لا شيء سوى التراب لا شيء سوى القبضة اللامعة للخنجر في صدره يبتسم الرجل الميت ويربت على قبضة الخنجر الخنجر صديقه الوحيد وكذلك يبدو استخدام الخنجر واضحا في قصيدة الشاعر الكويتي حامد زيد بعنوان “غدر الخناجر” ومطلعها: عفا الله عن خطا غدر الخناجر والضلوع أبطال بسامح وأتركك تحت الظالم الحالك لحالك دخيلك وفر دموعك ترى هدر الدموع إذلال وترى ما في أحد يصبر مثل صبري بغربال كما استخدم الشاعر الفلسطيني الراحل محمود درويش (الخنجر) في قصيدته الشهيرة “مزامير”، ونقتطف منها: أيها الوطن المتكرر في الأغاني والمذابح دلني على مصدر الموت أهو الخنجر أم الأكذوبة؟ لكي اذكر أن لي سقفا مفقودا أيها المحاصر بين الريح والخنجر أريد أن أرسم شكلك كي أجد شكلي فيك سلاح أبيض عرف الخنجر على أنه نوع من الأسلحة البيضاء التي لها مقبض ونصل وجراب أو (الغمد) في بعض الأحيان، وقد تعددت مواد صناعته من البرونز والصلب والحديد، كما تعددت صناعة الاتصال والتزيين المتعلقة به، من العظام إلى الخشب في العصر الحديث. حيث يتفنن صناع الخناجر بتزيين مقابضها بأشكال ونماذج فلكلورية ترتبط ببيئة المجتمع الذي يهتم بصناعة هذه الأداة التراثية التي تعتبر مقياسا لسمات الشخصية ورمز للأناقة التقليدية، على نحو ما نرى ذلك في مجتمعي اليمن وسلطنة عمان التي جعلت من الخنجر شعارا رسميا. وقد جرت العادة على حمل هذا السلاح بصفة رئيسية، بغض النظر عن كونه أداة قتال، فهو مظهر من مظاهر التزين والشجاعة عند الرجال على اختلاف فئاتهم وأعمارهم. أما عن المواد المستخدمة عادة في صناعة الخناجر فهي: الفضة، الجلد، الخيوط المعدنية، الخشب، اللباد المصنوع من الصوف أو غيره، الغراء (الصمغ)، المقابض المصنوعة من البلاستيك أو قرن حيوان الخرتيت، قرن الزراف، معدن الرصاص، معدن الحديد. تاريخيا تتميز الخناجر التي صنعت في العهد الإسلامي بطرزها وزخارفها، واستقامة نصالها وجمال مقابضها، وخاصة ذلك النوع المشهور باسم (الكارد)، حيث نصاله المصنوعة من مادة الفولاذ، ومقابضه العاجية المزخرفة بأشكال نباتية وهندسية متنوعة. كما تميزت هذه الخناجر في مرحلة ما، بنصالها المصنوعة من الأحجار الصلبة والحادة، وفي هذه الحالة يكون النصل والمقبض من المادة نفسها، وهي عادة من البلور الصخري، ومن (حجر اليشم) من مختلف الأشكال والألوان، وقد أنتجت أنواعا من الخناجر مقابضها من العاج والعظام، وعليها زخارف ونقوش بديعة. وتعد (الجنبية) ـ وسميت بهذا الاسم لأنها تقف إلى جانب الرجل وتلازم جنبه ـ من أهم الأنواع التي عرفت في جنوب منطقة الجزيرة العربية، وتختلف عن الخنجر في أن مقبض الأخير غالبا ما يكون من مادة الفضة، بينما يكون المقبض في الجنبية من قرن الوعل أو من عظم الحوت، حيث يزخرف وينقش يدويا ليأخذ شكلا مميزا يبرز مهارة الحرفي الذي يصنعها، كما يتميز نصل الجنبية بقلة سماكته بالنسبة للرأس والمؤخرة كما يأخذ مقبضها أشكالا متعددة، فمنها ما يأتي على هيئة رأس ثعبان، أو على شكل كأس، أو على شكل ثلاثي. وللجنبية غمد أو غلاف يعرف باسم (الجفيرة) ويصفَح عادة بالمعدن، ويغطى بالجلد أو القطيفة. وذكر (الصيقل) أن الجنبية (الخنجر المعقوف) التي تعود إلى ما قبل الإسلام وتستخدم للدفاع عن النفس وأثناء الاحتفالات التي تشتمل على الحركة والرقص، تمكنت من الاستمرار عبر التاريخ، وما يجعل منها ذات قيمة عالية هو (الرأس) أو المقبض، وأغلاها ثمنا تلك المصنوعة من قرن وحيد القرن، إضافة إلى عمرها منذ قدم الصناعة. خناجر السومريين تذكر المصادر التاريخية أن السومريين كانوا من أوائل من استخدم مادة النحاس لصنع أدواتهم المتعددة التي كانوا يحتاجونها في حياتهم اليومية، ويشير إلى هذا الموضوع الدكتور رضا العطار في موضوع له تحت عنوان (الحضارة السومرية)، موضحا أنه في الألف الخامس قبل الميلاد بدأ سكان العراق القديم باستخدام النحاس إلى جانب الحجر، وفي عام 1926 تم اكتشاف المدافن الملكية بالقرب من معبد (أوار) وعبر المدخل المؤدي إلى المقبرة تم العثور على خنجر من الذهب وخاتم وأشياء أخرى من الذهب، وعثر في القبور الأخرى على رفات جنود وعلى رؤوسهم خوذات من النحاس ويحملون حرابا وخناجر، وتوجد هذه الكنوز الأثرية في القاعة الخاصة بآثار بابل في المتحف البريطاني في لندن. كما تذكر العديد من الدراسات التاريخية أن عهود الفرس والرومان والإغريق اتسمت بكثرة الحروب والغزوات والحملات القتالية، مما تتطلب معه الاهتمام بالتدريب واستخدام أنواع عديدة من الأسلحة مثل الخناجر والحراب والدروع الثقيلة والمطارق الحديدية. وصناعة الخنجر مرت أيضا في حياة الفراعنة، وخير مثال على ذلك المكتشفات الأثرية التي دلت على خنجر الملكة (اياح حبب)، ويتكون من ثلاثة أجزاء النصل والمقبض وقطع التثبيت. أما النصل فمصنوع من مادة البرونز ويزيد سمكه في الوسط عن الطرفين، ولا يزال يحمل آثار التذهيب الأصلي، كما تتكون القبضة من قلب خشبي مغطى بصفيحتين رقيقتين محدبتين من الفضة. أما قطع التثبيت فهي مصنوعة من الذهب ومزخرفة بحبيبات صغيرة من الذهب الخالص. وطبقا لما ذكره الخبير أوجست مارييت مكتشف الخنجر فانه كان يستخدم بالقبض براحة اليد على مقبضه غير التقليدي حيث يمر النصل بين السبابة والإصبع الوسطى. وفي اسكتلندا عثر علماء آثار في احد القبور على خنجر ملفوف بجلد حيوان يعود إلى العصر البرونزي، أي قبل حوالي أربعة آلاف عام. ونقلت صحيفة “ذي سكوتسمان” عن كينيث بروفي في جامعة جلاسكو أن علماء الآثار ذهلوا حينما عثروا على أغراض أخرى غير الخنجر مثل وعاء من الخشب، وحقيبة من جلد الحيوان، وبقايا نبات وقشر الشجر، وقد حفظت هذه المواد العضوية طوال فترة زمنية تتراوح ما بين أربعة آلاف وخمسة آلاف سنة، ووصف بروفي أن اكتشاف الخنجر أمر رائع وغير عادي قائلا “إنه محفوظ بطريقة أفضت إلى اكتشاف عدد كبير من الخناجر التي تعود إلى المرحلة عينها سبق وأن عثرنا عليها في اسكتلندا”. في التاريخ القوقازي ثمة معلومات هامة حول السلاح الشرقي، حيث كانت الفضة أوسع انتشارا في زخرفة السلاح، وكان يقدرها الحرفيون والصناع أيما تقدير، وقد زخرفوا عبر مئات السنين عددا كبيرا من الخناجر بالفضة بطرق: التشريط والنقش والسك والتسويد، وبكل أشكال تصنيع الفضة التي كان يجيدها حدادو الذهب. وفي أواخر القرون الوسطى تنوعت صناعة الأسلحة البيضاء في القوقاز ومنها الخوذ والسيوف والخناجر، التي كانت تتصف بجودتها وجمالها الأخاذ من حيث القوة والصلابة والتزويق. موروث سعودي عربيا، نذكر أن (العرضة الجنوبية) في المملكة العربية السعودية، تشتهر في لوحاتها الحركية في استخدام الخنجر والجنبية، تعبيرا عن الزهو والقوة والرجولة، وتنقسم هذه الرقصة الشعبية إلى عدة أقسام بحسب القبائل، فهناك مثلا عرضة للزهارين، وأخرى يختص بها أهل مدينة جازان، وهناك عرضات لبني شهر وبني مالك، وهناك عرضة القحاطين وغيرها. وعادة ما يصاحب عرضات أهل الجنوب في اللعب هو الخناجر والجنابي والبنادق. لقد ظل الموروث الشعبي ـ رغم التطور الحضاري الهائل ـ يفرض بريقه على منطقة (نجران) السعودية، وتمثل الجنبية أو الخنجر النجراني رمزا من رموز الرجولة والهيبة والعنفوان حتى يومنا الحاضر. وشكل سوق الخناجر في المنطقة أحد أهم المعالم التي يقصدها الناس من الداخل والخارج حتى أصبح المحطة الأولى للقادمين إلى نجران. فهو يعد من أبرز الأسواق في المملكة، حيث يجد الزائر له أنواعا متعددة من الخناجر التي تتصف بدقة الصنع، والجمال الذي لا يضاهي، حتى غدا الهدية المناسبة لكثير من الشخصيات الهامة أثناء زيارة المنطقة، إذ يقدمه أبناء نجران تعبيرا عن أصالتهم وتقديرهم لهذا السلاح. يتراوح سعر الخنجر النجراني ما بين 1000 ريال إلى 100 ألف ريال سعودي، وأغلاها (الجنبية الصيفاني) المصنوعة من قرن وحيد القرن نظرا لجماله واستمرار رونقه وسحره وازدياد ثمنه مع عمره الزمني. وشكلت الجنبية والخنجر ثنائيا يستخدم في الرقصات الشعبية للمنطقة، ولباسا خاصا في مناسبات الزواج والأعياد. أما اللافت في هذا السياق فان المملكة العربية السعودية وتأكيدا لأهمية الخناجر وصناعتها في البلاد، فقد نظمت (المسابقة الأولى لمزايين الخناجر) على مستوى الجزيرة العربية، حيث تنافس المشاركون على عرض أجمل وأندر الخناجر على مستوى الصناعة والجودة والزخرفة، وقد وصل ثمن الخنجر الفائز بالمركز الأول في المسابقة إلى 65 ألف ريال سعودي، وكان من نوع الرأس (زراف)، وهو من النوع المفضل لدى الكثيرين من الخبراء والصناع والمهتمين بإنتاج الخناجر. لا شك أن مدينة نجران السعودية من المدن الغنية بتراثها الحضاري الذي ورثته عبر مراحلها التاريخية، ويظهر ذلك بوضوح في تعدد الحرف والمصنوعات التقليدية التي تعكس ذوقا فنيا وجماليا على كافة المستويات، ومن ذلك صناعة الخناجر والجنابي التي ما زالت قائمة في المدينة بقوة، نظرا لما تمثله لأهالي المنطقة، وما تحظى به من احترام كبير. وعلى الرغم من عدم العثور على خناجر خلال الحفريات الأثرية في المدينة، إلا على أنها عرفت على الأرجح منذ فترة سابقة لحضارة جنوب الجزيرة العربية، وهذا ما تؤيده الرسوم الصخرية في منطقتي (بئر حمى) و(يدمه)، حيث يبدو من خلالها بعض الأشخاص وهم يتقلدون الخناجر والسيوف. وما تزال هذه الصناعة متواصلة حسب التقاليد والمفردات القديمة التي تؤكد على أصالة هذا اللون من التراث الشعبي. المغرب والجزائر وتتصف منطقة (قلعة) المغربية، بأنها واحدة من أهم المناطق المعنية بصناعة الخناجر والسيوف العريقة التي صمدت في وجه الزمن، بل وتطورت بشكل رائع ومتقن حتى أصبحت منتجا يخدم السياحة والمجتمع والثقافة، فضلا عن شهرتها العالمية والأهم من ذلك فقد تحولت مهنة صناعة الخناجر إلى مهنة جماعية منظمة لإقليم بأكمله يطلق عليه (أزلاك)، حيث أسس المهنيون هناك عام 1983 ما يعرف بـ(تعاونية أزلاك للخناجر)، وتضم 300 صانع وحرفي، حيث يتمتع الخنجر بأهمية خاصة في ثقافة الإنسان المغربي، فما يزال كثير من المغاربة في العالم القروي يتأبطون الخناجر المحمولة بـ(المجدول) كوسيلة للزينة والنخوة خلال مختلف المناسبات وبخاصة حفلات الزواج والأعياد. وتزداد قيمة الخنجر هنا، حينما يصبح من أغلى الهدايا التي تقدم في مناسبات الزواج، فالعروس عندما تزف إلى عريسها، تحمل في يدها اليمنى خنجرا، يوضع في حدَه (العسل) لكي تدهن به عتبة باب بيتها الجديد، ومعنى ذلك أنها ترد على استقبالها من قبل الحاضرين بالتمر واللبن، بالعسل المحمول على رأس الخنجر وهي عادة عريقة ما زالت متأصلة في المنطقة. وفي الجزائر فان لمدينة (بسكرة) التي تعود إلى 7000 سنة، علاقة وطيدة مع صناعة الخنجر، وبخاصة في مرحلة ما بين القرن الثالث والأول قبل الميلاد، وهي المرحلة التي سميت بمرحلة (الجمل) حيث لوحظ على الرسوم الموجودة أن الأسلحة المستخدمة من طرف قبائل هذه المرحلة تشبه إلى حد كبير الأسلحة التي يستخدمها الطوارق حاليا وهي الخنجر والدرع. أما صناعة الخناجر في سورية فقد عاشت عصرها الذهبي على يد (أسد الله الدمشقي) الذي كان من أفضل صانعي السيوف والخناجر قبل نحو سبعة قرون، وما زالت بعض المتاحف في دمشق وبعض المحافظات تحتفظ بعدد كبير من الخناجر المحفور على مقبضها أو نصلها الختم الخاص بـ”أسد الله الدمشقي”، وعندما غزا المغول والتتار بلاد الشام، نقلوا الرجل وبعض الصناع المهرة إلى إيران، وبعض بلدان آسيا، حيث أسسوا هناك مدرسة اختصت بصناعة الخناجر والسيوف، وما زالت تعرف باسم مؤسسها حتى الآن. زينة يمنية تتربع الجنبية اليمنية على عرش الخناجر العربية الأصيلة، فلا تكاد محافظة من محافظات اليمن تخلو من ورش أو أسواق لصناعة وبيع الخناجر التقليدية، وهي الأداة الحادة التي عرفها اليمنيون منذ قرون عديدة، ولا تزال صناعتها باقية حتى اليوم، محافظة على مفرداتها القديمة. أما بالنسبة لليمني فتعتبر الجنبية في نظره مظهرا مهما للزينة الرجالية وأهم مكون للزي الشعبي التقليدي. ووجدت في اليمن وفي مراحل تاريخية مختلفة أسواق متخصصة لصناعة وتجارة (الجنابي) في صنعاء وذمار وتعز ومأرب، وغيرها من المحافظات. لقد ارتبطت عراقة هذه الصناعة التقليدية بعراقة “الجنبية” حيث تؤكد كتب التاريخ وبعض النقوش المنحوتة على تماثيل، أنها تعود إلى ما قبل العصر الحميري، وهو ما تؤكده بعض التماثيل الحميرية للملوك الذين تظهر في وسطهم (الجنبية) اليمنية، كما تؤشر النقوش المختومة على بعض الجنابي القديمة أن صناعتها تعود إلى ما قبل 800 عام. في حين تذكر بعض المدونات التاريخية أن استخدام الإنسان لليمني لهذا السلاح يعود إلى القرن الأول للميلاد. لقد اشتهرت محافظات بعينها في صناعة وإعداد الأدوات المستخدمة في الجنبية، ومنها صنعاء وذمار، اللتان اشتهرتا أكثر من غيرهما بصناعة المقبض (الرأس) بأنواعه المختلفة، إضافة إلى صناعة الجلود والخيوط المستخدمة في صناعة (العسيب). واشتهرت منطقة رداع بصناعة النصلة الحديدية، واليها نسبت أشهر أنواع النصال وأغلاها ثمنا. تتكون الجنبية في هيئتها من قطعتين الأولى: عبارة عن النصلة الحديدية، وتكون ملتوية من أسفلها على شكل حرف (واو) ويعلوها المقبض ويكون بقاعدة عريضة يدرج فيها النصل ومقعرة من الجانبين باتجاه الداخل وتعرض عند الرأس قليلا. أما القطعة الثانية فهي الغمد المثبت في حزام من الجلد المكسي بالقماش المخملي والمطرز بخيوط حريرية وذهبية، وتسمى هذه القطعة “عسيب” أو “توزة”. وتتوزع مراحل إعداد وصناعة مكونات الجنبية على مجموعة من الحرفيين المهرة، حيث يعنى كل واحد منهم بصناعة وإعداد جزء معين منها. وتبدأ صناعتها الجنبية بالمقبض أو الرأس أو النصلة الحديدية، وتستخدم في صناعة المقابض قرون الحيوانات، حيث يعد قرن وحيد القرن أفضلها وأجودها وأغلاها ثمنا. أما النصلة فتصنع من الحديد الصلب. المرحلة الثانية تختص بوضع الزهرات والنقوش على الجهة الأمامية للمقبض وأعلاه بتثبيت القطع الذهبية المدورة في وسط الجهة الأمامية من أعلى ومن أسفل. ويتم في المرحلة الثالثة تصنيع (المبسمة) الذي يثبت بقاعدة المقبض، ويكون من الفضة الخالصة، بحيث يتم شقَه وتركيبه على النصلة الحديدية. كما يشترك في صناعة (العسب) الذي يتكون من الغمد والحزام عدد من الحرفيين، منهم النجار الذي يتولى مهمة تقطيع (الحب) وتجويفه وصقله بشكل يتلاءم مع الجنبية، كذلك (الدَباغ) الذي يقوم بدبغ الجلود التي تستخدم كأحزمة، ثم (المجبس)، وأخيرا ما يقوم به حرفي التزيين وتجميل الجنبية لتصبح جاهزة للاقتناء. منذ القدم ارتبطت الجنبية بشخصية الإنسان اليمني في معاملاته، وكأداة في قانون العرف القبلي، أو ما يطلق عليه اسم (شرع القبائل)، كما احتلت مكانة متميزة في الأدب الشعبي والحكم والأمثال الشعبية. وهي في شرع القبائل رمز للرجولة والنضج، كما أنها وسيلة مثلى للتحكيم عند بروز خلافات بين طرفين، بحيث يطرح المتنازعون (جنابيهم) عند شيخ القبيلة أو كبيرها تعبيرا عن الشكوى وطلب التدخل. أو أن يضعها لديه طرفا النزاع للدلالة على القبول بحكم المحكم. وارتبط ارتداء الجنبية بأعراف كثيرة منها ألا تخرج من غمدها إلا في حالات الضرورة كالدفاع عن النفس من العدو أو الحيوانات المفترسة في الخلاء وغيرها من الضرورات الملحة. في حين أن إخراج الجنبية والتلويح بها في الأوقات العادية يدخل في إطار ما يعرف بـ(العيب الفادح) وتفرض التقاليد القبلية عقوبات بحق من يرفع الجنبية على شخص آخر بغرض تهديده، أو التلويح يطعنه أو تخويفه دون سبب مقنع، ويتم تغريمه بمبالغ مالية كبيرة تحت مسمى (دية السلامة). ويدل نوع الجنبية من حيث قيمتها ونوعها على مكانة من يرتديها وعمله ومركزه، فغالبا ما يرتدي كبار القوم أغلى الأنواع وأكثرها قدما وعراقة، في حين يرتدي علماء الدين والفقهاء والعاملون في سلك القضاء والمحاكم النوع المعروف باسم (التوزة) والتي غالبا ما يكون حزامها موشى بالفضة. من جانب ثان يكون ارتداء الجنبية أمرا ضروريا في مناسبات الأعراس والأعياد، والحفلات الأسرية، حيث يرتدي العريس أو أب (المولودة) الجنبية بشكل يميزه عن الآخرين، وعلى الرغم من أن حرفة صناعة الجنابي في اليمن ظلت من أكثر المهن الجاذبة للحرفيين، إلا أن هذا الأمر شهد تحولات خلال السنوات الأخيرة، ولم تعد هذه الحرفة محببة لدى الكثيرين من أبنائها نظرا لانخفاض الطلب على الجنبية لأسباب كثيرة منها فقدان المواد الأساسية الخامة في هذه الصناعة، بالإضافة إلى انخفاض مستوى الإبداع في إنجاز هذا السلاح الشعبي القديم والعريق الذي يعود بتاريخه إلى أكثر من ثلاثة آلاف سنة، وما زال ذلك المثل اليمني شائعا بين الناس ويقول: (مظهرك من خنجرك). الخنجر العماني ويشكل الخنجر العماني هوية وشخصية المواطن في سلطنة عمان. كما يعد أحد الموروثات التراثية العديدة التي يتمتع بها أبناء السلطنة، حيث أصبح سمة بارزة وجزءا أساسيا من الزَي الوطني العماني في كل موقع ومناسبة. إلى جانب ذلك فان الخناجر العمانية تشير إلى مقدرة العمانيين على توظيف المعطيات البيئية وتحويلها إلى أشياء تنسجم مع طبيعة وثقافة الشخصية العمانية في اعتزازها بتاريخها وحفاظها على أصالة القيم والعادات والتقاليد العريقة المتوارثة. من أهم أنواع الخناجر العمانية تلك المعروفة بأسماء: السعيدية والشرقية والساحلية، حيث أن لكل نوع من هذه الخناجر مميزاته المنفردة وخطوطه الخاصة به، والتي تظهر في المقبض أو القرن وهو أعلى جزء من هذا السلاح الذي يتكون في العادة من عدة أجزاء تتمثل في: القرن وهو الجزء العلوي أو المعجون، أو القرن المكسو في بعض الأحيان بالفضة أوالذهب، وهذا الجزء يعتبر أغلى مكونات الخنجر أما الجزء الثاني فيعرف بالطوق وهو موضع النصلة، ويليه الصدر أو (الطمس)، وهو عبارة عن صفائح أو أسلاك دقيقة وحلقات من الفضة أو الذهب. ويصل ثمن بعض الخناجر العمانية إلى ثلاثة آلاف ريال، في حين يصل ثمن بعضها إلى أربعة آلاف ريال عماني أو أكثر. صناعة الخناجر العمانية بلونها الفضي الرائع، وشكلها المميز، تعتبر رابطة التراث العريق ورمز الكرامة والرجولة لدى العمانيين، الذين لم يتخلوا عن هويتهم مع اختلاف الثقافات والتطور العصري السريع الذي أصاب السلطنة، فقد ظل يشكل جزءا مهما من تراثهم الأصيل، كما جعلوه شعارا رسميا لدولتهم كدليل ورمز لقوتهم وعلو مجدهم. وفي سبيل حماية هذا الرمز التراثي فان الهيئة العامة للصناعات الحرفية في السلطنة تبذل جهودا حثيثة لحماية الخنجر العماني، كما أصدرت الهيئة قرارا رسميا يمنع استيراد الخناجر من الخارج تأكيد أعلى أهمية المشروع الوطني في حماية المفردات التقليدية هذه الصناعة. والخنجر من الملامح العمانية التي تدخل في إطار الحياة اليومية، حيث يندر مشاهدة رجل عماني لا يتمنطق خنجرا في حفل رسمي، لا سيما لدى الوجهاء والأعيان وفي المناسبات الوطنية والخاصة كعقد القران والزفاف والتكريم وغيرها. وان كان الخنجر قديما يحمل أساسا للدفاع عن النفس، فانه حاليا يعد من مستلزمات الأناقة ولوازم الوجاهة التي لا يستغنى عنها. فالعماني يحرص على اقتنائه أو إهدائه كتحفة فنية غالية. الخنجر السعيدي الخنجر السعيدي تاريخيا، هو الذي كان يرتديه أفراد أسرة آل بوسعيد الحاكمة في سلطنة عمان، واهم ما يميزه هو المقبض المطلي بغطاء من الفضة الخالصة، ومنقوش عليه آيات من القرآن الكريم بدقة متناهية. ويوجد ثلاث حلقات دائرية تتصل بعضها ببعض بالسلاسل الفضية الدقيقة التي تربط بين جزئي الخنجر، ويتميز هذا النوع من الخناجر بارتباط الحزام بطرف (القطاعة) عن طريق سلسلة من الفضة معقودة ومثبتة بطرف القطاعة تسمى (القائد) وتساعد على تأمين الخنجر بالحزام. وتفتخر سلطنة عمان أيضا بصناعتها للخنجر الصوري الذي يتصف بصغر حجمه وخفة وزنه نسبيا، وتتم صناعته بصفة خاصة في مدينة صور بالمنطقة الشرقية. ومقبض هذا الخنجر مغطى ومطلي بالذهب أما القسم السفلي من غمد الخنجر فهو مصنوع من الجلد ومزين بالأسلاك والخيوط الفضية المطرزة بالذهب، وينتهي بـ(القبع) المصنوع من الذهب والمنقوش عليه أشكال فنية بديعة. وهناك الخنجر البدوي، والخنجر النزواني الذي يصنع في مدينة نزوى. ويتميز الخنجر الشمالي بخاصيتين تميزانه عن باقي الخناجر الأخرى، فالجزء السفلي مصنوع من الجلد الذي يظهر أجزاء منه مما يجعله مختلفا عن الخناجر الأخرى، كما أنه مزخرف أيضا بخيوط فضية متداخلة تتم خياطتها باليد كما هي العادة في المنطقة الشمالية من سلطنة عمان، لذلك فإن تميزه هذا جعل له مكانة خاصة في قلوب الذين يرتدون هذا النوع من الخناجر المعروفين بولعهم وحبهم الكبير لاقتنائه. وعادة ما يكون لهذا الخنجر مقبض من الخشب الأسود الذي يتم زخرفته بوجه عام بنماذج فلكلورية وتشتهر باسم (الحتية) كما أن غمد الخنجر الشمالي مصنوع من الخشب الممتاز الصلد، الذي يتم تغطيته بغطاء من الجلد ومزخرف بتطريز بديع من الفضة، ومن المرجح أن أصل هذا الخنجر يرجع إلى المنطقة الشرقية. ومن الطريف في هذا الموضوع أن المرأة العمانية نجحت في اقتحام مهنة صناعة الخناجر. ومن أهم المشتغلات في هذا الحقل (ليلى القناص) ابنة ولاية الخابورة في منطقة الباطنة، حيث ورثت القناص حرفة صناعة الخناجر أبا عن جد، واستطاعت أن تتكيف مع خطورة استخدام النار والآلات الحادة التي تدخل في هذه الصناعة التي يتسيدها الرجال. وبذلك تمثل صناعة الخنجر العماني هوية وشعارا موروثا ثقافيا واجتماعيا تتناقله الأجيال ضمن مشروع وطني للمحافظة على هذا التراث من الاندثار، وهذه الصناعة من الناحية الاقتصادية تعد أحد مصادر الدخل القومي، وتهتم السلطنة بهذه الصناعة لتفردها وقدمها عبر التاريخ، وأيضا لكون الخنجر من معالم الشخصية العمانية، ومن أهم المقتنيات في البيوت. عادة ما يربط الخنجر أو يشد إلى البطن، أما نصله فغاليا ما يصنع من الحديد الصلب وهو على شكل معقوف، وله حدان، أي يمكنه أن يقطع من الجهتين، وفي وسطه (حزّ) بارز، الهدف منه القضاء على الخصم بسرعة فائقة، حيث أنه يساعد على دخول الهواء إلى الجسم مما يعجل في الوفاة. ونظرا لخفة وزنه وشكله فانه يستخدم أيضا في أفراح الزواج والأعياد والمناسبات الرسمية، ويكون ملازما للإنسان في السلم والحرب، ومن أنواعه غير التي ورد ذكرها في هذه الدراسة نوع شهير يعرف باسم: (الطمس)، وهو على شكل قطعة كاملة من الذهب أو الفضة، ويتكون الرأس من الذهب أو الفضة أو العاج أو من قرون الحيوانات، كما ينقسم إلى عدة أجزاء هي: الرأس، الخاتمة، الصدرية، النعال، العجب، الفطية، السيلان. المراجع: 1 – د. زكي محمد حسن، فنون الإسلام، دار الرائد العربي، القاهرة ـ بيروت. ط1. 1975 2 – يوسف العدان، أياد من ذهب، منشورات نادي تراث الإمارات. ط1. 2001 3 – بيتر هيليير، الحضارة الدفينة ـ مدخل إلى آثار دولة الإمارات العربية المتحدة. إنتاج ونشر بنك الاتحاد الوطني ـ أبوظبي ط1. 1998. خناجر وأسلحة اكتشفت في قبور (وادي سوق) تعود للفترة 2000 قبل الميلاد الخنجر الإماراتي.. أكثر من معنى للخنجر، كتراث ومعنى وأداة، في الاعتبار الإماراتي ما له في بقية دول الخليج، ودول العالم، حيث سجلت به، وعنه فصولا من التاريخ، وتعتبر الإمارات من الدول التي تولي صناعة الخنجر وإعادة إحياء هذه المهنة أو الحرفة التقليدية اهتماما خاصا، وذلك منذ أكثر من 150 عاما، ويعتبر أجداد (حليمة عبد الله الصايغ) من أهم من عملوا في هذه الصناعة، وهي تعد اليوم المرأة الإماراتية الوحيدة التي تعمل في مجال زخرفة الخناجر بالأحجار الكريمة والرسومات النباتية، والأشكال الهندسية التي تعد من السمات الأصلية للخنجر الإماراتي. هناك العديد من المهتمين بتوارث مهنة صناعة الخناجر في الإمارات ومنهم أحمد الجنيبي في الشارقة والذي يقوم بصناعة الخناجر الساحلية من الذهب والفضة الخالصة، وهي شبيهة بالخناجر العمانية، وتتميز بأشكال جذابة، ولها طابعها الخاص والمتفرد الذي يميزها عن الخناجر اليمينية المشهورة. وما يلتصق بموضوع الخنجر على المستوى الرسمي في دولة الإمارات العربية المتحدة، هو تسابق المتنافسين في سباقات الهجن للفوز بخنجر المغفور له بإذن الله تعالى الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان “طيب الله ثراه”، حيث كان فقيد الوطن الكبير داعما وراعيا ومشجعا لهذه الرياضة التراثية المحببة لأبناء الدولة، كما أن خنجره كان مرتبطا بشخصيته الفذة ومكانته العظيمة في قلوب الجميع. وقد فاز المتسابق بدر الوهيبي التميمي رئيس نادي الهجن بمنطقة الطائف بخنجر الشيخ زايد “رحمه الله” في إحدى بطولات الخليج للهجن التي تم تنظيمها في الدولة. على مستوى آخر يعرض جناح الأسلحة في متحف العين عددا من البنادق القديمة والدروع والخوذ والخناجر المتنوعة الأشكال والأحجام، ومنها من الفضة ومطعم بالذهب. وتؤكد الدراسات في هذا السياق أنه من الأسلحة التقليدية المعروفة في الإمارات هي الخناجر والتي لا تزال جزءا مهما من الزي الوطني لبعض مناطق الجزيرة العربية، وخاصة في المملكة العربية السعودية واليمن وسلطنة عمان، وعلى الرغم من أن هذا السلاح كان يعتبر سلاحا دفاعيا في الأصل، فهو اليوم يلبس في بعض الأحيان من قبل الرجال فوق رداء أبيض اللون بعد تثبيته على حزام جميل يصنع من الجلد ويزين بخيوط من الفضة. قرائن ومكتشفات تاريخيا، وبالنسبة إلى الإمارات فان ثمة قرائن وجدت في قبور حقبة (وادي سوق) توحي بدخول أساليب حربية جديدة إلى المنطقة خلال تلك الفترة (2000 ق.م إلى 300 ق.م) فعرف للمرة الأولى السيف الطويل والخنجر والقوس والسهم ورؤوس الحراب الجديدة الخفيفة التي نقع على نماذج كثيرة منها في قبور: قدفع والقصيص وجرن بنت مسعود وقطارة. وتشير تلك الأدوات إلى تطور التقنية الحربية خلال الألف الثاني قبل الميلاد، حيث التطور الفني الذي لم يشهد سجل المنطقة الأثري مثيلا له. وللحديث عن الخنجر الإماراتي بصورة حيّة في إطار المحافظة على الحرف والمهن والصناعات التقليدية، فخير مثال للتطبيق ما تتبناه القرية التراثية التابعة لنادي تراث الإمارات بكاسر الأمواج في أبوظبي من خلال مشروعها التراثي الوطني القائم على سوقها الشعبية ومتحفها، حيث صناعة وعرض أهم أنواع الخناجر القديمة من خلال مجموعة من الصناع الماهرين. فعلى امتداد مساحة تزيد عن 16000 و800 متر مربع تنهض القرية لتؤكد رسوخ الماضي وامتداد الأصالة فيه جنبا الى جنب مع معالم الحضارة العصرية، حيث يربطك المكان بتفاصيل الحياة اليومية التي عاشها أبناء الإمارات قبل ظهور النفط، ضمن أركان ومعالم وأجنحة شيدت بطراز هندسي يجمع بين العمارة التقليدية والعمارة الإسلامية بما ينسجم مع عراقة الماضي ويشكل مصدر جذب للزوار والسياح والباحثين عن عراقة وأصالة التراث. وتعزز القرية التراثية فكرة نشر السياحة التراثية ونشر التراث الوطني وحمايته والمحافظة على مفرداته من الاندثار وسط التطور الهائل والسريع الذي تشهده الدولة في شتى المجالات. بتجوالك بين دكاكين السوق الشعبية في القرية التراثية، فانك تطوف على كل ما كان يشكل مكونات الصناعات الحرفية واليدوية والتقليدية، ففي كل دكان تقف على أدق التفاصيل، وترى المنتج يخرج بدقة متناهية من بين يدي صانعة سلعة نحاسية أو حديدية أو برونزية تقدم لك في النهاية خنجرا مذهبا أو موشى بحلي وألوان مختلفة، أو سيوفا بأحجام مختلفة، يذكر بتلك الأدوات والأسلحة التي كان يستخدمها الناس في حياتهم اليومية أو في حروبهم لرد الغزاة والطامعين، كذلك ترى مجموعات من هذه الأسلحة في أحد الأركان المخصصة لها في متحف القرية الوطني المشيد على مساحة 500 متر مربع في بناء بني على شكل قلعة أثرية. زد على ذلك تلك المظاهر الاحتفالية الجميلة المعبرة داخل المكان من خلال تجوال عدد من المدربين التراثيين بزيهم التقليدي وبعضهم يحمل بنادق قديمة، وآخرون يضعون الخناجر كرمز تعبيري عن القوة والشجاعة والشهامة، وعرض بديع للتراث الوطني الحي. مصنوعات تراثية تضم السوق الشعبية في القرية التراثية مجموعة من الدكاكين الصغيرة المخصصة لصناعات المهن التقليدية القديمة مثل الزجاج والفخار والفضيات وصناعة القوارب والجلود والنقش على النحاس والخشب وصناعة البشوت والقدور ودلال القهوة والمنسوجات والسجاد وغيرها، لكن ما يلفت النظر هو الدكان المخصص لصناعة الخناجر وإصلاحها بإشراف عبود بن نخيره الذي يؤكد أن الخناجر والسيوف الصغيرة هي من أرقى وأهم الصناعات التي تجذب إليها أنظار الزوار والسياح الذين يقتنونها كتحف جميلة نادرة بزخرفتها وتصميمها وشكلها. ومن اللافت أن نجاح القرية التراثية في الحفاظ على صناعة الخناجر والسيوف، ومن ثم تطويرها والإبداع والتفنن في إنجاز مجموعة جميلة منها قد أسهم في مشاركتها في الدورة العشرين لمهرجان بصرى السوري بإشراف وزارة الثقافة، وكان لافتا أن تقدم القرية التراثية في جناحها في المعرض ركنا خاصا لعرض المهن التقليدية ومن أبرزها صناعة الخناجر والسيوف المتنوعة الأحجام والأشكال والمواد، وقد حظي الجناح بتقدير كبير من قبل رواد المهرجان. وفي هذا السياق تجدر الإشارة الى أهمية الخنجر من الجانبين الرمزي والمعنوي، بالنسبة للقائمين على تنظيم المهرجان السنوي للهجن العربية الأصيلة بميدان الوثبة، وبخاصة المهرجان الذي أقيم عام 2007، فعلاوة على ما يحصل عليه الفائزين من جوائز مالية وسيارات، تقدم لهم خناجر مذهبة، نظرا لارتباطها بثقافة الصحراء وحياة البادية، ونظرا لما تحتله من مكانة مميزة لدى المشاركين في مثل هذا النوع من السباقات التراثية، وأيضا لما تحمله من براعة في التصميم والشكل والإبداع الحرفي والفني. ويتيح متحف القرية التراثية الوطني نوعا آخر من المشاهدة لخناجر وسيوف قديمة يمتد عمرها الى نحو 400 الى 500 عام فأكثر، لكن ما يثير الانتباه أيضا هو اهتمام الحرفيين في القرية بصيانة الأسلحة وترميمها والمحافظة عليها من خلال استخدام أدوات يدوية دقيقة مثل السندان والمقص والمطرقة والشفت والمنشار والمهبش والمسن والمشال والبوطي والقالب والغاز والمفتق والمخرز، وتشكل هذه العملية جذبا للزوار والسياح بما يحقق لهم مشاهدة ومتعة بصرية لا تقل جمالا عن مشاهدة طريقة اعداد وصناعة الخناجر والسيوف التقليدية. وفي ورشة الإصلاح هذه يقوم الصانعون المهرة بإعادة أنواع كثيرة من الخناجر الى شكلها الأصلي ومنها الخناجر المحلية الساحلية أو البدوية، أو تلك المصنوعة من الذهب والفضة الخالصة أو الخناجر اليمنية (الجنبية) والتي تختلف بتصميماتها عن الخناجر المحلية أو العمانية اختلافا كليا، فهذه الأخيرة يتوافر منها العديد من الاشكال والتصاميم مثل: السعيدية والنزوانية والصورية، وهناك تصاميم جميلة أخرى مثل قرن الزرافة والمحني وقرن العاج والحاد والصندلي وغيرها من التصاميم التي تختلف في شكلها أو انحناءة نصلها أو قوامها. في الشارقة على ذات الخط يقف في مدينة الشارقة واحد من أهم صناع الخناجر والسيوف التقليدية معلنا بتمسكه بهذه المهنة التي دخلت عليها الآلة المعاصرة أنه باق على مفردات هذه الصناعة منذ امتلك ناصيتها آبائه وأجداده وورثها عنهم، نتحدث عن الحرفي المبدع حمد الجنيبي الذي عشق هذه المهنة منذ الصغر، وصنع من خلالها أجمل وأروع الخناجر المذهبة والفضية، وأهدى أحدها الى صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي حاكم الشارقة الذي قدم له كل التقدير والتشجيع للتواصل مع مهنته والمحافظة عليها، وقد نجح الجنيبي خلال سنوات قليلة من لفت الأنظار اليه حتى تبنته مؤسسة (رواد) لدعم مشاريع الشباب، فقدمت له تمويلا خاصا اسهم في توسيع عمل ورشته التي تبيع الخناجر الفضية بأنواعها والسيوف الى عدد كبير من المؤسسات الحكومية التي تعتمدها كهدايا تذكارية تقدم لضيوف الإمارات. الجدير ذكره أن الجنيبي متخصص في صناعة الخناجر الإماراتية الساحلية من الذهب والفضة الخالصة، وهي شبيهة الى حد ما بالخناجر العمانية وتتميز بأشكالها الجميلة وأناقتها وخفة وزنها ولها طابعها الخاص الذي يميزها عن الخنجر اليمني المشهور بالجنبية. وتتكون أجزاء هذا الخنجر من المقبض وهو ما يسمى بالرأس، ويصنع في العادة من قرن الزرافة أو العاج الأصلي أو الخشب، يلي ذلك في صناعته وتجهيزه ما يعرف بالصدر وهو من الفضة أو الذهب المزخرف، ومن ثم القطّاعة وتمثل الجسد أو مغمد النصل وتصنع من الجلد الطبيعي المطرز يدويا بخيوط الذهب والفضة ليمثل بذلك قمة الجمال وبراعة التصميم واستخدام الزخارف والتطريزات. فيما تتفاوت أسعار مثل هذه الخناجر ما بين 2500 درهم فأكثر بقليل، أما أغلى خنجر صنعه الجنيبي فبيع بنحو 125 ألف درهم وهو من الذهب الخالص ونصله من الفضة. عائلة من ذهب أما المصممة الإماراتية حليمة الصايغ التي اختارت مهنة تزيين السيوف والخناجر التقليدية وأحيائها والحفاظ عليها من النسيان والاندثار، فهي تعرف بأنها وريثة عائلة عريقة اهتمت بالصناعات التقليدية والعمل في اللؤلؤ والحلي والمجوهرات الخاصة بشخصيات مهمة في الإمارات. أما المهمة الرئيسية التي تقوم بها الصايغ من خلال عملها فتتمثل في تزيين الخناجر بصور لرموز إماراتية، مع الحفاظ على طابعها التراثي التقليدي، ما جعل من هذه الخناجر ذات خصوصية وطنية، ومن ذلك تطعيم بعض الخناجر بالأحجار الكريمة وصور صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة “حفظه الله”، وأخرى تحمل صورا لصاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، حيث تعتبر مثل هذه الخناجر ذات قيمة تاريخية كبيرة. كما يحسن بنا في هذا المقام تذكر شيخ وعميد هذه الصناعة عبدالله راشد محمد الصايغ الرجل الذي حمل على عاتقه الحفاظ على مفردات مهنة صناعة الخناجر التقليدية منذ أكثر من مائة عام، حينما كان يقوم بإذابة السبائك الذهبية وتحويلها الى خناجر من الذهب الخالص، كذلك تصنيع السيوف الذهبية، ومن المهم الإشارة الى أن الصايغ حظي بفرصة ثمينة لصناعة الخناجر والسيوف الفخمة لرجال الأسرة الحاكمة والأعيان. وفي هذا السياق تجدر الإشارة الى أن صناعة الخناجر الذهبية الرائعة، قد ازدهرت بشكل واضح في عهد المغفور له بإذن الله تعالى الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان “طيب الله ثراه” الذي شجع هذا اللون من الصناعات التقليدية، وكان حريصا أشد الحرص على إهداء ضيوفه من الملوك والرؤساء بعضا من تلك الخناجر الذهبية. أما بالنسبة للسيوف المحلية فقد اتخذت اسماء كثيرة منها: أبو العقارب، أبو المسبوعي، المرفس، سيف القدر، سيف أبو الظهر، وغيرها من الأسماء المرتبطة بالبيئة والمكان وأسماء الصانعين أحيانا. لقى تاريخية ويشير الجانب التاريخي إلى أن صناعة الخناجر والسيوف في الإمارات قد مرت عبر حضارات مختلفة، حيث تشير بعض الدراسات أن منطقة جبل حفيت في مدينة العين تضم مكتشفات أثرية قديمة أرخها بعض علماء الآثار بأنها تعود الى نهاية الألف الرابع، وبداية الألف الثالث قبل الميلاد أي قبل نحو خمسة آلاف سنة، حيث تم اكتشاف نحو 70 قبرا عثر بداخلها على هياكل عظمية مدفونة بطريقة القرفصاء بالإضافة الى أسلحة بيضاء متنوعة من بينها خناجر صغيرة الحجم تعود إلى العصر البرونزي، ويشار في ذلك الى أن منطقة جبل حفيت في العهد الإسلامي كانت من أهم مراكز صناعة الأسلحة نظر التوفر المعادن المستخدمة في صناعة الخناجر والسيوف، وقد عثر في أسفل الجبل على العديد من المواقد الأثرية التي تم استخدامها في صهر الحديد والمعادن لحاجة هذا النوع من الصناعات اليدوية التي اشتهرت أيضا في منطقة الهيلي بمدينة العين خلال فترة الألف الثالث قبل الميلاد، حيث تم العثور على المزيد من المقابر الأثرية التي احتوت على مجموعة من السيوف والخناجر والسهام والرماح والأواني المنحوتة من الحجر الصابوني. ومنذ آلاف السنين كانت الحلي والزينة من الممتلكات المهمة للأسرة الإماراتية، وقد عرف إنسان المنطقة القديم أنواعا مختلفة من الحلي عبر حضارات قديمة مختلفة منذ أن قامت حضارة ماجان والمجن ودلمون والمستوطنات الأثرية المكتشفة في حتّا والقصيص وجميرا والدور بأم القيوين والهيلي بالعين وشمل برأس الخيمة ومليحة بالشارقة، ففي تلك المناطق عثر في القبور وتحت أكوام الرمال وفي الاواني المدفونة على مجموعة من الأقراط والعقود والحلي المختلفة التي كانت تستخدمها النساء منذ نحو خمسة آلاف سنة تقريبا، وكان من أهم الحلي التقليدية في قرون مختلفة العقيق واللؤلؤ والمرجان، وقد عرف الخليج العربي بأنه المصدر الرئيسي لأجمل وأغلى أنواع اللآلئ، وكان التجار والسماسرة الأوروبيون يأتون في القرون الوسطى لشراء اللؤلؤ من جلفار والبحرين وسيراف وهرمز، ويتم نقله الى ملوك العالم الذين كانوا يعشقون اعتناء هذا النوع من اللؤلؤ الطبيعي الجميل المستخرج من مياه الخليج الدافئة. وقد عثر من خلال الحفريات الأثرية التي جرت في منطقة حتّا على أنواع مختلفة من الحلي والزينة من عقود وأساور وخناجر متنوعة الأحجام والمواد وأدوات تجسد طبيعة حياة ومعيشة سكان تلك المنطقة في القرون الماضية، وهنا تجدر الإشارة الى أن الحلي وأدوات الزينة لم تكن تخص المرأة فقط ولكنها كانت أيضا تخص الرجال مما كانوا يرتدونه من محازم وخناجر وبما كانوا يحملونه من سيوف وعصي.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©