الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

محمد السويدي الشاعر الذي عشق المعرفة وذهب عميقاً في جنّاتها لـ«الاتحاد»: الثقافة الإماراتية تعيش لحظة التمكين

محمد السويدي الشاعر الذي عشق المعرفة وذهب عميقاً في جنّاتها لـ«الاتحاد»: الثقافة الإماراتية تعيش لحظة التمكين
19 فبراير 2020 04:13

فاطمة عطفة (أبوظبي)

شاعر مجدد، ومثقف موسوعي، وصاحب رسالة فكرية ثقافية متعددة الرؤى والمجالات. تقرأ ما يكتبه باستمتاع بقدر ما يسرك بحضوره الودي وحديثه العميق المؤثر. أما عن الشعر، فله مع سحره حكاية طويلة، وأما عن العمل الثقافي فهو لحمة تجربته وسُداها. إذ من الصعب، بل يكاد يكون مستحيلاً، أن يذكر العمل الثقافي في الإمارات ورجالاته الكبار ولا يذكر فيهم محمد بن أحمد خليفة السويدي، ليس فقط لدوره المهم في التأسيس الذي مارسه خلال وجوده على رأس المجمع الثقافي بأبوظبي، وإنما أيضاً للدور التنويري الذي يقوم به حتى كتابة هذه السطور.. ذلك أن دوره الريادي لم يتوقف عند المجمع، بل واصل جهوده الخاصة في خدمة الفن والفكر والثقافة من خلال مشاريعه الثقافية المتعددة، وكان رائداً في الاعتماد على الكتاب المسموع، إلى جانب الكتاب المطبوع، وبذلك تخطى عقبة الأمية ليسهم في تثقيف المحرومين من القراءة، ويعمل جاهداً ليأخذ بأيديهم إلى نور المعرفة وفضائها الرحيب.
في هذا الحوار يتوقف محمد بن أحمد خليفة السويدي عند محطات مهمة من سيرته الثقافية، في سلسلة حوارات مع المثقفين والمبدعين الإماراتيين، تسعى «الاتحاد» من خلالها للتعريف بهم، وتسليط الضوء على منجزهم الثقافي والإبداعي.
* لنبدأ من النشأة الأولى، كيف كانت مرحلة الطفولة والصبا؟ وما تأثيرها في تشكُّلكَ الثقافي؟
** أنتمي إلى الجيل الذي عايش أيام الكدح الحقيقي، كنت أقطع الطريق إلى المدرسة مشياً، وأشاهد التلفزيون في بيوت الجيران، ويلوح لي حتى هذه اللحظة إبريق الثلج والمنشفة التي كان يستخدمها الأهل لتبريد أجسادنا – نحن الصغار من شدة القيظ. وأتذكر أبوظبي منذ البداية، فقد شهدتها كمن يتابع سيمفونية من مطلعها إلى أن تصل إلى لحظات ذروتها، وهو ما وصلت إليه أبوظبي التي ما زالت تنمو وتزدهر.
قضيت سنين الطفولة مع الوالد الذي عرف منذ صباه معنى العلم والأدب، كما كان مرتبطاً ببيئته، يعرف أسماء كل الأشجار والطيور والأزهار والكثبان، حتى المصابيح في السماء، كان يعطيها أسماءها، كنا ننتظر الصيف بصبر فارغ حتى نحتضن رمال العين الساحرة، كان لكثبان العين الرملية مذاق خاص، وكان للنوم عليها لذته التي لا تقاوم والتي ما زالت تدعوني حتى الآن، لم نكن ننام في البيت، كنا ننام على هذه الكثبان السحرية... أشياء تطوف بالذهن وعندما يمعن الإنسان الفكر فيها ويحللها يعرف أسرار حلاوة الماضي والطفولة، ويعرف من أين تسرب الشعر إلى الروح واختلطت النفس بحب الجمال والفن.
هذه البيئة الملهمة، إضافة إلى تأثيرات المدارس والمعلمين لعبت دوراً، ولكن الجينات أيضاً لها دورها الكبير، فأنا أنتمي لعائلة تعشق الشعر... فجدي يكتب الشعر، وعمتي أيضاً، ووالدي يكتب الشعر، وهو أول من أشعل نار الشعر فيَّ، ولهذا حكاية تروى: فاجأني الوالد ذات مرة وأنا ما زلت طفلاً بقوله: «رامياتٍ بأسهمٍ ريشُها الهدبُ تشقُّ القلوبَ قبل الجلودِ»، وطلب مني تفسير البيت، كان عائداً لتوه من مجلس الشيخ زايد حيث تدار كؤوس الشعر العربي. من تلك اللحظة التصقتُ بهذه المجالس التصاقاً غير مباشر.
ومن خلال هذا السؤال ولجت إلى عوالم الشعر والشعراء. هو السؤال نفسه الذي جعلني اليوم لا أجيد فقط تفسير معنى هذا البيت، ولكني أحفظ تقريباً أغلب شعر المتنبي وأغوص في حياة هذا الشاعر إلى عمق، أجده يزداد يوماً بعد يوم.
المتنبي هو صاحب التأثير الأول، ليس في الشعر فقط، بل في اللغة والتاريخ السياسي والاجتماعي والحضاري، لأنني تعلمت من خلال تتبعي له أن أقرأ التاريخ بما هو شبكة علاقات مترابطة.
من الشخصيات التي كان لها الأثر الأكبر في تكويني كذلك سيرة رسولنا الكريم فقد قرأت كتاب سيرة بن هشام كلمةً كلمة، ورصدت المواقع الجغرافية التي وردت فيه، وأعرف كيف عاش محمد وكيف مات، ويبهرني ويدهشني دهشةً غير عادية، فهو يؤسس لرحمة جديدة. في السيرة النبوية ورد أنه كان يأمر جيوشه بأن لا تقتل امرأة أو شيخاً أو تقطع شجرة، هذا لم يحدث في تاريخ البشرية. محمد (صلى الله عليه وسلم) يغضب ويقسو عندما يرى ما يمس الدين، ولكنه شخصية مؤسسة على الحب، هذا الحب الذي لو ملكنا فقط بعضاً منه الآن لأحببنا العالم وأحبنا بدوره.
الشيخ زايد، رحمه الله، يأتي في مقدمة الشخصيات التي أكن لها كل إجلال وتقدير ومحبة، فهو بمحبته للناس وكرمه وزعامته الحقة، علمنا كيف نكون رجالاً بحق، وهو رمز إن أردت أن أعدد مآثره وخصاله لا أعرف من أين أبدأ ولا أين أنتهي.
ولا أنسى شكسبير الذي زرت قبره ومسرحه، وتتبعت الأماكن التي زارها في لندن، وأدعي بأنني اقتحمت على هذا المارد الذي لا يسمح لأي متطفل بالدخول إلى عوالمه وحصونه، فلغته الإنجليزية لم تعد مستخدمة، وأنا لست دارس أدب، ولكنني عندما كنت أبدأ في قراءة النص الشكسبيري وأسمعني ألفظ الألفاظ كما كانوا يلفظونها في القرن الـ 16 والـ 17 أشعر بمتعة رائعة. الأسماء كثيرة؛ هايدن، جوته، وفاوست الملهم، وجلال الدين الرومي الذي كتب أجمل الشعر الصوفي وأرقه، ذلك الرجل الذي ذهبت أفتش عنه في قلوب الناس، كما يقول، وحفظت بعض قصائده بلغته. ولا يمكن أن أنسى فن «الأوبرا» الذي يجمع مختلف الفنون، فضلاً عن السينما، ولا سيما الوثائقية منها.

مغادرة المجرّد
* ما هي الركيزة الإبداعية أو الخيط الناظم لأعمالك ومشروعاتك الفكرية والثقافية المتنوعة، والمتعددة في مجالاتها؟
** عرفت من البداية أن السبيل الوحيد للارتقاء بالمعرفة وإحياء العقل العربي يكون بالخروج من حالة المعرفة التجريدية، وإشراك الحواس الخمس في تلقي المعلومة. بذرة هذا التوجه بدأت مبكراً حين اختطفني المتنبي إلى عوالم الشعر والأدب والتاريخ والسياسة معاً، وأعتز بما أنجزته من مشاريع من خلال هذا الشاعر الفذ، إذ تناولت حياته عبر الزمن في قراءة أعتبرها جديدة على الساحة الثقافية العربية، وأنشأت موقع «واحة المتنبي» الذي جمع ديوانه، وما كتب عنه. وخلّصتُ المعرفة من التجريدية العقيمة التي تربينا عليها، أعدت الحياة لأسماء المدن والأماكن والشخوص والأصوات والكائنات. أعدت بناء المتنبي زمنياً، بدأت قبل أن يولد بثماني سنوات، 295 هجرية، ورحت أتناول كل سنة من سنين عمره وأربطها بأهم الأحداث والأخبار التي وقعت فيها، من الأندلس وحتى الصين. بهذا تأتي الأحداث في صورة بانورامية وبمجرد أن تضغط على اسم البلد تطالع خريطة دقيقة له وما حوله من أقاليم وأمصار، ولا تمر بقصيدة إلا ويمكنك سماعها كاملة. أسعى بهذا إلى التأسيس لمعرفة بصرية سمعية جديدة، لم يعد كافياً أن نقرأ المتنبي أو أن نقرأ عنه كما قرأناه في كتب طه حسين. فالمتنبي هو أحد الكبار الذين أسسوا في اللغة العربية لغة جديدة، تماماً كما فعل شكسبير في الإنجليزية، وقريباً ينطلق الإصدار الجديد من تطبيق واحة المتنبي في حلته الجديدة والمزيدة.
من أبرز مشاريعنا وأقدمها، والذي تجسدت فيه نظرية الحواس الخمس، موقع (الورّاق) الذي بات معروفاً لدى المهتمين بالإنترنت على أنه الأول من نوعه في مجال تقديم محتوى عربي تراثي رقمي. وتشهد 2020 كذلك صدور تطبيق الورّاق في حلة عصرية بها الكثير من الإضافات.
اليوم، بلغ عدد المشاريع التي نديرها تحت مظلة القرية الإلكترونية - وهي مؤسسة غير هادفة إلى الربح- أربعين تطبيقاً. لم نعد نهدف فقط إلى تعزيز المحتوى الرقمي باللغة العربية، وكان هدفاً مرموقاً قبل عشرين سنة، إنما هدفنا مساعدة العقل العربي – بالتركيز على الشباب- للخروج من حالة التجريد، والدخول إلى عصر المعرفة المؤسسة على الحواس الخمس.
كل مشروع من مشروعاتنا مؤسس باعتباره منصة، بحثية إخبارية متكاملة واحترافية وجذابة، تتخذ الهواتف الذكية والكمبيوترات المحمولة «تابلتس» منصات انطلاق تستهدف في الأساس شباب دولة الإمارات العربية المتحدة، والعالم أجمع. وكل ما ننتجه تتم ترجمته إلى عدد من اللغات الأكثر تداولاً بين الشباب، وفي مقدمتها الإنجليزية والفرنسية وغيرهما. هدفنا ليس الإعلام ولا التعليم بمنطقه التقليدي وإنما إلهام العقول كيفية النظر إلى الأشياء والتفكير فيها، هنا نرى كيفية التأثير في الوعي المجتمعي وإشغاله بالقضايا الفكرية والثقافية الأهم.
من أبرز مشاريعنا الجديدة، تطبيق «ابن بطوطة»، و«فرعونيات» عن الحضارة المصرية القديمة، و«واحة المتنبي»، ومشاريع المسالك، وكتب عربية مسموعة، ولخولة 365 أنشودة حٌب، وتأويل رؤياك (تفسير الأحلام)، وحوايا- واحة الشعر الشعبي، والأندلس، والتنجيم، و101 كتاب، ويوميات دير العاقول، ومنازل القمر، وجوته-رحلة إيطالية، وروّاد الآفاق، والمائدة الإيطالية، والحج - رحلات مكية، ومتحف الفنون، وأعمال شكسبير، وكتاب الورد، والمتحف العلمي، ومجلس الفلاسفة،...«إلى جوار مركزنا المختص بالأدب الجغرافي «ارتياد الآفاق» الذي يشمل جوائز ابن بطوطة، وندوته السنوية «الرحالة العرب». كل تطبيق من هذه التطبيقات واجهة لمشروع تنضوي تحته أنشطة ومبادرات وأبحاث ومشاركات في فعاليات دولية. من المبادرات الأحدث على سبيل المثال دشنا مشروعاً على خطى ابن بطوطه في الهند (2018-2022)، وأطلقنا رحلة استكشافية جديدة على خطى باتشو في اليابان على مدار السنوات الثلاث من 2020 إلى 2022م.
كل مشروع من مشاريعنا مع اختلاف فروع التخصص والاهتمام مبني بدقة على الفلسفة التي تحدثنا عنها «تكوين العقل وبناء المعرفة عبر الحواس».
هدفنا في دارة السويدي الثقافية بمشاريعها التنويرية المتعددة، هو شَحذُ العقل العربي الذي كان منذ حضارته الأولى منفتحاً بروح إنسانية ملهمة على معارف وثروات ورؤى وأفكار العالم كله، قادراً على محاورتها والتعاطي معها تأثيراً وتأثراً. هذا الإرث المعرفي العظيم الذي يتجلى في أبهى حلله في تراثنا القيِّم وأحلام الإنسان الكبرى وأساطيره المدهشة، هو عُدّتُنا التي نجابه بها محاولات طمس الهوية والوجود.

في مدرسة زايد
* كيف تنظر إلى أهمية حصول مشروعكم «ارتياد الآفاق» في أدب الرحلة على جائزة الشيخ زايد للكتاب عام 2019؟
** إنها أهمية أن تُكرم مشاريع نبتت في خير زايد بجائزة تحمل اسمه، في مدرسة الوالد المؤسس الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، تعلمنا معنى العمل الذي يمكث في الأرض فينفع الناس. وكنّا من الذين قُيض لهم أن يعايشوا ذلك عن كثب بما يسمح بالتأمل واستيعاب الدروس، كما كنا نتمثل حكمته الخالدة: «إن تعليم الناس وتثقيفهم في حدّ ذاته ثروة كبيرة نعتز بها، فالعلم ثروة.. ونحن نبني المستقبل على أساس العلم».
زايد الذي علّمنا وثقَّف أعوادنا، هو زايد الذي منحنا جائزته «جائزة الشيخ زايد للكتاب» التي نتقلدها وساماً على صدورنا، نباهي بها ونفخر، ونطمئن إلى أننا على الدرب الصحيح الذي يستثمر فيه الإنسان من أجل الإنسان.
إنها مشاركتنا التي نقدمها بمحبة وفخر لتضاف إلى ما تنجزه أبوظبي ودولة الإمارات العربية المتحدة التي باتت واحة تطفئ الظمأ، وقوة بيضاء رايتها العلم والثقافة والتحضر والفنون والآداب والتراث.

أصداء عربية
* ثمة أصداء عربية وعالمية ملحوظة لمشاريعكم الثقافية، هلا حدثتنا عن بعض تجلياتها؟
** أعتبر مشاريعي ملكاً للثقافة العربية، لأنها تعمل في البداية والنهاية من أجلها، ويمكنني القول باطمئنان أن مشروع الوراق بات المرجع الأول والأهم في ما لا يقل عن 60% من أطروحات الماجستير والدكتوراه والأبحاث الأكاديمية التي تتعلق بالتراث والحضارة العربية سواء في العالم العربي أو العالم، بشهادات ثابتة.. وهو صدى نعتز ونفخر به.

المثال الآخر متعلق بتطبيقاتنا الحديثة، وتحديداً «متحف العلوم»، و«101 كتاب»، إذ لفت ما ننجزه فيهما أنظار أكاديميات أوروبية عريقة، وبات محتوانا أساساً لمنهج تعليم اللغة العربية لغير الناطقين بها في عدد من الجامعات الإيطالية، وعلى رأسها الجامعة الكاثوليكية بميلانو، وهي واحدة من أعرق الجامعات الإيطالية.
كما لفت مشروعنا «فرعونيات» المختص بالحضارة المصرية القديمة أنظار العالم. لا نستطيع قياس الأصداء كافة، لكن هذه أمثلة فقط.

نثق في أن العمل الجاد القائم على فلسفة واضحة لا بد وأن يؤتي ثماره. وعلمتني إيطاليا أن الكولسيوم مبنى يرمز إلى عظمة المهندسين الذين بنوا الإمبراطورية الرومانية أو عظمة الهندسة، وعلمني ليوناردو دافنشي أن على العالم أن ينتظر أربعة قرون ليفهم (أتلانتيك كودكس) وهي جملة مخطوطاته التي بلغت 130 كراساً وملفاً، وعلمتني إيطاليا أن الضجيج يذهب هباء وما ينفع الناس ثقافة أو فناً أو علماً يبقى في الأرض.

مرحلة التمكين
* كيف تنظرون إلى المشهد الثقافي في الإمارات، لا سيما بعد انتشار مواقع الميديا خلال السنوات الأخيرة؟
** المراقب الحصيف يدرك سريعاً أن «الثقافة» كانت موضع اهتمام حقيقي منذ اللحظة الأولى لقيام اتحاد دولة الإمارات العربية، وإنْ تغير المفهوم وتنوعت دلالاته بمرور الزمن وتغير الأولويات، لكنها أي الثقافة كانت منذ اللحظة الأولى داخلة في تصور القائد المؤسس الشيخ زايد، رحمه الله، ورجاله المحيطين به.
ويمكن، من باب الإيجاز، رصد ثلاثة أنماط رئيسة للثقافة منذ نشأة الاتحاد، من شأن النظر إليها بعين شاملة أن يكشف لنا مدى رقي الرؤية، ويجعلنا مدركين حجم العمل مقارنة بالطموح، كما يسمح لنا بتدارك واستكمال ما يبدو ضرورياً وحيوياً.
أول هذه الأنماط «نمط التأسيس»، في هذه المرحلة كانت «الثقافة» مرادفاً للتعليم... إذ كانت المهمة الأولى تأسيسية تعليمية بهدف إشاعة الوعي وتجهيز جيل يمتلك مقومات بدء سباقه الحضاري.
أعقب تلك المرحلة من دون إلغائها «نمط الانفتاح»، معبراً عن مرحلة شديدة الأهمية في فترة لم تكن فضاءات العالم فيها مفتوحة كما هي الآن، كان لزاماً لهذه الأمة الجديدة المتحدة، أن تتعرف على ثقافات العالم وما يموج فيه من تيارات فنية وعلمية وفكرية، من أجل تثبيت رحلة الذات وتحديد الاتجاه.
في تلك الفترة لعبت مؤسسات - أنشئت بعناية - دوراً مهماً، وأفخر دائماً بأنني شاركت مع الأخوة العاملين معي بثقل نوعي وكمي في دعم تلك المرحلة من خلال المجمع الثقافي في أبوظبي، كنموذج فريد، عمل بالتعاون مع مؤسسات أخرى داخل الدولة في توفير متطلبات تأسيس تلك النقلة الحضارية والتجهز للمرحلة التي تلتها، في تلك الآونة أطلقنا مشاريع تأسيسية في الأدب والفنون والشعر والثقافة صارت أحجار ارتكاز للكثير من المشاريع الكبيرة الآن، مثل مشروع «الكتاب المسموع» الذي سبق المنطقة كلها بتقديم هذه الخدمة، ومشروع «الموسوعة الشعرية» الذي يعد أول مبادرة إلكترونية لجمع وتوثيق الشعر العربي. المرحلة التي نعيشها الآن، ويمكن تسميتها «مرحلة التمكين» هي مرحلة يجب ألا تكون الأولوية فيها إلا للفعل الثقافي القائم على نظرية الحواس الخمس، وأحياناً أقول الحواس الست، مضيفًا حاسة «الحدس»، من أجل توسيع فرص أبنائنا -ليس فقط في فهم العالم- بل أقول «الإضافة لثقافة هذا العالم» إضافات نابعة من خصوصياتنا.
ثمة مؤشرات مطمئنة على فهمنا لطبيعة هذه المرحلة، وهناك إشارات لعمل جاد في هذا الاتجاه، ومؤسسات رسمية، خاصة تبذل جهوداً لافتة، وأشرف شخصياً بأنني أدعم هذا التوجه الإماراتي المنفتح على العالم، بمشاريع «القرية الالكترونية» و«دارة السويدي الثقافية» و«المركز العربي للأدب الجغرافي» وغيرها من مبادرات.. أضعها وغيرها في خدمة الوطن وأبنائه وقيادته الرشيدة لأنها وغيرها من مشاريع يرعاها مثقفون ورجال أعمال على امتداد الدولة... ثمرة مناخ الحرية وإعلاء قيم العلم والثقافة والتحضر التي غرسها ووضع قواعدها زايد، رحمه الله، وسار على نهجها صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، وصاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، الذي يرعى بروحه الوثّابة قوة حضارة الإمارات في تجسدها من ثقافة وتراث وفنون وعلوم، بالمهارة نفسها التي يرعى بها قوتها الاقتصادية والسياسية والعسكرية.

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©