الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

كامل المواصفات

كامل المواصفات
5 نوفمبر 2011 01:00
على الرغم من أن الإنسان ليس حماراً بطبيعة الحال، خصوصاً أنه بلا ذيل، إلا أنه يمكن الاستفادة من هذه الحكاية لتكون مقدمةً جيدةً للمقال، ولإطالته في الوقت نفسه. والحكاية أن نحوياً (وكان النحاة يوصفون بسوء الخلق) دخل السوق ليشتري حماراً، فقال للبائع: أريد حماراً لا بالصغير المحتقر ولا بالكبير المشتهر، إن أقللت علفه صبر، وأن أكثرت علفه شكر، لا يدخل تحت البواري، ولا يزاحم بي السواري، إذا خلا في الطريق تدفّق، وإذا كثُر الزحام ترفّق. فقال له البائع: دعني إذا مسخ الله القاضي حماراً بعته لك. فقد يختلس الزوج النظر إلى زوجته وهي تزيل عرق دخولها المطبخ لتعدّ له الغداء فيقول في نفسه: زوجتي جميلة وسيدة بيت وأم مثالية لعيالي، لكن مشكلتها أن رائحتها ليست عطوراً فرنسيةً أربعاً وعشرين ساعة، ثم يهزّ رأس الرضا بنصيبه الضئيل كمن خرج من اليانصيب المليوني بوجبة عشاء في مطعم. وتنظر الزوجة إلى زوجها وهو يأكل بيديه، ويلحس كفه بعد كل لقمة يضعها في فمه كأنه يلحس بوظةً دمشقيةً، فتقول في نفسها: زوجي وسيم ومخلص وأب عطوف على عيالي وناجح في عمله، لكن مشكلته أنه متخلف وهمجي لا يجيد الأكل بالشوكة والملعقة. ويدخل المدير إلى مكتبه ويمر في طريقه على موظف نشيط ومجتهد ولديه ولاء مؤسسي ويعمل بروح الفريق ويؤمن بالتميز والجودة ويطبق بنود الاستراتيجية وحصل أكثر من مرة على شهادات تقدير، لكن المدير يقول في نفسه: مشكلته أنه يقفز من مكانه عند لحظة انتهاء الدوام الرسمي ويغادر المكان، إنه رجل غريب، يفضّل بيته الذي يشفط فلوسه على مقر عمله الذي يضخّ له الفلوس. ويلمح الموظف مديره فيقول في نفسه: والله إنه نعمة من نعم الله عليّ، فهو يعاملني كأخ ويوجهني كأب ويتبسّط معي كصديق، لكن مشكلته أنه يحب الاجتماعات كثيراً، ولا يحلو له الدعوة إلى الاجتماع إلا في الساعة الأخيرة من ساعات العمل، كأنني مقطوع من شجرة ومزروع في هذا المبنى. ويلتقي الصديق بصديقه، وفي أثناء انشغال أحدهما بالردّ على مكالمة هاتفية، ينظر إليه الآخر ويقول في نفسه وهو يراقب حركة فمه: صديق بلا مثيل، دمه خفيف، يده كريمة، لسانه حلو، مواقفه بطولية، لكن مشكلته أن أسنانه صفراء. وحين ينشغل الأول، يقول الثاني في نفسه: هذا الصديق وإلا فلا، ملتزم بمواعيده، صادق في كلامه، وهناك بلاط مشترك بيننا في كثير من الأشياء، لكن مشكلته أن هندامه غير ملائم، ويضع غترته على رأسه كأنه سمّاك يعمل في البحر. وتقرر ربّة البيت الاستغناء عن الخادمة لمجرد كذبة واحدة صدرت منها، لأنها كانت تعتقد أن الخادمة ملاك لا يزل أبداً، فإذا هي إنسان يخطئ ويذنب، والخادمة تفكّر في الهرب لأن مخدومتها التي تعاملها كأنها ابنتها تغضب بسرعة. وبالطبع لم أفكر في هذه الأشياء إلا لأنني أفعل ذلك، فيحدث أن ألتقي بصديق، ثم حين نفترق أستحضر اليوم الذي التقينا فيه أول مرة، والصدفة التي جمعتنا، والأيام الجميلة الطويلة التي كانت بيننا، ثم أغمض عيني على طيف صديقي الحبيب، وأدعو الله أن يحفظه من كل سوء، وأن يمد في عمره ألف سنة. وفي اليوم التالي، وبينما أكون مع الصديق نفسه، أتمنى أن تنزل صاعقة على رأسه ويموت الآن وليس غداً، إذ ليس من المقبول أن يقطع كلامي أكثر من مرة ليتحدث في أشياء لا علاقة لها بدرر كلامي ولآلئ حكاياتي. ولا أدري إن كان أصدقائي متقلّبون مثلي وتحمرّ وجوههم حين يكتشفون أنني أقل من توقعاتهم المبالغ بها عني، فيوم يودّون لو يحتضنونني ويقبلون يدي لأنني الصديق الصدوق الذي ليس له مثيل، ويوم يتمنون موتي فوراً لأنني العدو اللدود الذي له ألف بديل، لأنني أكون قد تصرّفت بشكل غير لائق معهم، أو لاحظوا في طبعاً سيئاً لم يكن مُلاحظاً من قبل. ويبدو أن البشر عموماً يشبهون ذلك النحوي الأحمق الذي كان يبحث عن حمار كامل المواصفات، وفوق هذا، يتصف بالعدل في جميع أحكامه، ويأخذ بالحكمة في كل قراراته. أحمد أميري me@ahmedamiri.ae
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©