- المستشفيات الخاصة عندنا فعلاً كارثة من الكوارث، والخدمة الصحية عندنا ليس فيها شيء من الصحة ولا الخدمة، فمن أجل زيادة دخلها تجلب مستشفياتنا وعياداتنا الخاصة أطباء ''مضروبين'' في السوق: منهم الذي يرضى براتب 7 آلاف درهم وعمولة وأدحلّ، ومنهم شغل شهادات جامعات من المعسكر الشرقي سابقاً، لا زالوا إلى الآن يلبّسون ضروسهم ذهباً، ومنهم أطباء بالمراسلة من جمهوريات بعيدة، لا يصلها بريد، ولا تسمع من أخبارها إلا أخبار العصابات ومافيا التزوير والتهريب، ومنهم من يقبض راتبه على أقساط، مع ما ينقص بيته هذا الشهر، ثلاجة مستعملة، استعمال مدرس ابتدائي في منطقة نائية، فرن واحد مسفّر من البلد، كنبة وكرسيين من محلات الأثاث المستعمل، ومنهم من يرضى بالعمل المجاني مقابل التدريب على الحسانة في رؤوس المهابيل، وحسب كم جرح فتق هذا الشهر، وكم ضمادة عصب بها رأس مريض خلال الأسبوع· من الأطباء المضروبين من يرضى بالسكن العمالي الجماعي، وكأنه يشتغل في شركة مقاولات، وليس مستشفى يفترض فيه الرقي والنظافة والتعقيم، هناك طبيبات لا أوزانهم توحي لك أنها درست الطب أو عرفت يوماً مضار السمنة، تشعرك أنها طبيبة شغل لتّ وعجّن وخرّط ملوخية عند باب الدار، منهن من يلبسن العمامات الملونة، وكأن الواحدة منهن ذاهبة إلى فرح ابن خالتها المغترب في السعودية، و''بئاله سبع سنين'' ومنهن وأكاد أجزم أنها لا تعرف التحدث بأي لغة أجنبية، ومنهن قبل أن تدخل على المريض، تتحوط بالآيات والبسملة ويسبقها دعاء القنوت أن الله يشفيه دون أن تتدخل هي تحت أي ظرف من الظروف الإنسانية، ومنهن من تضرب الودع، وتقرأ الطالع، وترى الفنجان، أما التشخيص وقراءة التحاليل، فهذه بعيدة عنها وعن شهادتها· أما الأطباء العرب فيشكلون نكبة إضافية على الخدمات الطبية عندنا، يا أخي إذا ما كان أبوك يجبرك وأنت طالب أن تصبح طبيباً ''أد الدنيا'' وما فلحت، فاليوم أنت كبير وتستطيع أن تواجه الحياة وتتحدى المستقبل، وإذا ما كان تركيبك البدني وتفكيرك الذهني لا يسمح لك إلا أن تكون قصاباً في أحد المسالخ، فابتعد عن المستشفيات· لا يمكن ما نراه في هذه المستشقيات، أطباء هزال، ضعاف البنية، الواحد منهم يرتجف أمام المريض، لا ثقة بالنفس، ولا تبحر في العلم، ولا يقول كلمة لا أعرف أو كفاية غش أو أن صحة الآخرين مهمة، لا يعرفون إلا التوقيع على الفواتير من أربع ورقات ملونة، ولعب الثلاث ورقات مع المريض المسكين والمحتاج إلى العناية والرعاية والأخذ بيده، لا المرط من يده، هناك بطون تفتح، ولا نعرف مصير الأشياء الصغيرة التي في داخلها، فما دام المريض يتنفس، فهو بكل خير· على الأقل إذا لم يحترم هؤلاء الأطباء بلا جيوب أنفسهم، فلنلزمهم باحترام مرضانا وشكاواهم ومعاناتهم، وليتركوا أعمال الميسر، وشغل المستشفيات الخاصة المرابية·· لا بد أن نضع حدوداً لهؤلاء الأطباء ''بدون حدود''·