ماذا يحدث للإنسان حين يسقط سوط الرعب الذي يهدد حياته ومصيره وآماله؟ عندما تنكسر القيود التي شلّت حركته وصادرت حقه في حرية الوجود والفكر والرأي والتطور الذاتي والجماعي؟ يحدث إن رغبة الحرية التي ولد بها الإنسان، تأخذ في الظهور حتى تضج بها حياته اليومية، تصطخب بها تفاصيله ورتابة إيقاعه، وتنهض به رغبة عارمة في تعويض ما حرم منه. ومن أجل هذا التعويض، يحدث هذا الصخب واشتباك المسارات والتخبط بين صعود الرغبات الموؤودة وطرق تحققها. وفي هذا الصخب تضيع أقدام وحكمة، ويلتبس الوعي. وقد تعود قوى السوط للصعود، منتهزة فرصة الفوضى والتخبط والاشتباك والصخب. هنا يبرز وعي الذات التي أصبحت حرة. وهذا الوعي يبلغ ذروة الحيوية حين تمر الذات بالأزمات الداخلية، حين نتردد بين أمرين نتخذهما، وحين نشعر أن حجر الأساس في بناء مستقبلنا هو الاختيار المنبني على وعي الحرية. إذا كان الوعي هو الانتباه للحياة واستشراف المستقبل، فإن هذا الانتباه يحتاج إلى تروٍّ وتبصّر كي يصبح نهجاً للحياة في إطار الحرية التي نتمتع بها في بلادنا. أما في غيابها يصبح الحلم مختلطاً بالوهم في الذاكرة. يصبح أمراً أكثر يسراً، أكثر وضوحاً، ذلك أنه لم يضع أقدامه بعد على أرض الواقع، لم يتعرف على الطرقات الوعرة إلا بوصفها إدراكاً ذهنياً في الظل. نحن ندرك أن طريق تحقق الأحلام وعر ومحفوف بالمخاطر، لكن تلك المعرفة الموسومة بالوعورة والخطورة لا تمنعنا عن الحلم، عن أن نراكم الأحلام ونرسم لها خطوطاً هندسية متشعبة للسير، لكن كل ذلك يشبه التخطيط على الورق قبل بدء السير في التنفيذ. المحك الحقيقي بكل تضاريسه الشرسة هو الواقع. والحرية هي أنك حين تحلم تضع حلمك فوراً موضع التنفيذ. إذا كان هذا الانتباه يظل محاصراً متخفياً في ظل سيادة السوط، مهدداً بجبروته وقيوده، ويظل الوعي مشوباً بالخوف وملتبساً بالتعارضات والتردد، فإنه في ظل الحرية يصبح عارياً مكشوفاً، وهذا العري والانكشاف يتطلب شجاعة نادرة ليعلن الوعي عن نفسه وينطق باسم أحلامه ووضوح رؤياه. وفي أي مجتمع بشري تتعدد فيه الأحلام وتتقاطع الرؤى، يحتاج الانتباه إلى حكمة الوعي، ويحتاج الوعي إلى دقة الفرز وقدرة القرار ووضوح الاختيار، تحتاج الذات إلى معرفة عميقة بذاتها، بيقظة ذاكرتها حتى لا تقع دون انتباه في حقل الضلال والخديعة والأفكار المناقضة لمعنى الحرية في عمقها وجوهرها!