قاسٍ أن يُلوى جناحك ويُكسر، وأنت بالكاد ارتفعت قليلاً في جُنحة الطيران. وأقسى منه أن تذوب أيامك في قهوة الصبر، ثم يتجرعها غيرك هانئاً في المقهى الذي تمنيت فيه وعدك. ما لليالي تضطرب، ويفتكُ سوادها بوضوح حلمك. وما لرأسك، كلما أرخيته على وسادةٍ، نبت الشوكُ فيها وآذاك. أنت هبةٌ السكون، صانعُ الهمس الذي يعطّلُ الركض ويفضح الضجيج. مشى قبلك اللاهثون وسقطوا جميعاً في غدر المسافات ومُرّها، إذ لا وصول يكتمل، ولا نهاية بيضاء تُرتجى. يلبسُ الموهوم حذاء الدرب، لكنه يحتار في صفة الجهات، أيها شرقُه، وأيها كسوةُ الخلاص. ويتبللُ العابرُ تحت مطر السؤال، وما من نجاةٍ لرأسه سوى الشك، وبعض قشور الصمت وقشّهِ، وقليلاً من أماني خضراء. لا تهُن عجزك، فقد تضطر أن تستدعيه عذراً إذا زلزلتك العاصفة. ولا تنفي تبرّم شفتيك، قد تحتاجهما إذا قطع الخوف لسانك، وألصقتك الريح في ركن منبوذين ومكممين وعارٌ على المديح نُطق لسانهم. الذاتُ التي أخرسٌ نصفها هي كلها علّةٌ. وتاجها عزّتها تاجُ حُمق، والخرزُ الذي يسقطُ من خلخالِها نذيرُ أسف. فلا تُهدهد القول إذا التئم جرح وعيك. ولا تقل غداً سيحينُ أبيضَ وتنجلي من صرحِه رهبة انقلابه عليك. انظر متفرساً في فسيح وصفك، وسوف تلحظ أنك انفصام ضدين ملتحمين، وعُسرُ قلبك أنه خالٍ من الحب، وكفرُ عقلك أنه شطحٌ هنا وهناك، وأنت لا تنكبُّ على ورقة، ولا فسيلُ نبتك يُروى حتى بدمع. مشّاءٌ وسردك مهملٌ في عبوس صنم. وجليسٌ، لكن روحك في براحٍ لا ينتهي. أيهما أنت إذن. يا الذي كسر ناب قوسين، وعضّ على ذيل الحقيقة، وخزّ خاصرتها بإصبعه حين أشار إلى الساعة فتوقفت. ورمى حفنةً من ترابٍ على صور الحائط وأحيا بعض موتاها في الذكريات. ليت لي ما يوازي نثر صمتك، أو همس ترديدك كل ليلة: أنا صعود المعجزة، أنا فتّاكُ أحقادٍ، وتبترُ بيدي قصداً الخرائط، وأكسرُ بعدها عنوةً الأقلام التي قيحٌ حبرها. جهتان للأرض، إما السماءُ وإما قبرُها. والذي يتلوه معتصمون في جبلٍ، والذي يهذيه حكّائون في خيمة، مجرد كلامٍ مسلوخ. تمائم، وبقايا من فحيحٍ وشعوذات كي يكمل البشر فكرة امتلاكهم للوهم. وأما أنا وأنت، قد تفصل بيننا شعرة من ذيل كلب، وربما جمعتنا السكينُ سواء حملتها أنت، أم رفعتها أنا عليك.