من جماليات كؤوس الخليج، ليس اللعب داخل الملعب فقط، بل الإثارة خارجه، فهذه البطولة اشتهرت بالتصريحات الرنانة، وأحياناً المستفزة، وبدخول الجميع على خطها، من مسؤولين ومختصين وإعلاميين، والآن دخل الجمهور على الخط شريكاً كامل الشراكة في الأحداث، ليس حضوراً جماهيرياً فقط، بل عنصراً فاعلاً حتى في اتخاذ القرارات، من خلال ضغط «السوشيال ميديا»، وهو ما لم نكن نعرفه في كؤوس الخليج السابقة، وتحديداً حتى البطولة 19. شخصياً تابعت كؤوس الخليج، كتغطيات واستوديوهات تحليلية، منذ أكثر من ربع قرن، وأستطيع الادعاء أنني أعرف بواطنها وكواليسها وما يدور فيها وعنها وحولها، ومن نافل القول إن النقد والتحليل والمتابعات الإعلامية والملاحق الرياضية، هي جزء لا يتجزأ من جمالية البطولة وإثارتها، ولكن الفارق الآن، أن بعض المحللين بات لهم جماهيرية، مثلهم مثل اللاعبين، وأحياناً أكثر، وعليهم إرضاء «الفولورز»، ونقل مشاعرهم وتحليلاتهم وأفكارهم عبر الاستوديوهات التحليلية أو الحوارية أو السهرات الخليجية، ولهذا صرنا نسمع أفكاراً لم تكن مطروقة في السابق، من قبل المتخصصين، أو صرنا نرى اختلافات حادة جداً، ليس هدفها الوصول للحقيقة، بقدر ما هدفها إضفاء المزيد من الإثارة والجذب الجماهيري، وهذا الأمر مقبول، لا بل مطلوب في العرف الإعلامي، حيث يتم حساب النجاح بنسب المشاهدة وإقبال المعلنين ومساحة الوصول للمتلقي، وسط زحمة هائلة في البرامج والصفحات والملاحق والإذاعات والبث المباشر عبر بيريسكوب وإنستا ستوري وسناب شات وتويتر، وحتى فيسبوك الذي لم يحظ بتلك الشعبية الجارفة في منطقة الخليج، عكس مصر وسوريا والأردن مثلاً. لهذا هناك خطورة من تحول النقد من تخصصي إلى «ما يطلبه الجمهور أو ما يطلبه الفولورز»، فتضيع البوصلة الفنية، وهي الأساس من بطولات الخليج منذ انطلاقها في البحرين يوم 27 مارس عام 1970. المشكلة أن كل مشهور أو معروف أو مؤثر على وسائل التواصل الاجتماعي، بات بحد ذاته وكالة أنباء ومحطة تلفزيونية متنقلة، فيها بث مباشر، وفيها تعليقات، وفيها زوايا رؤية، مختلفة عما نراه في الواقع، لهذا أتمنى على الجميع أن يكونوا على قدر المسؤولية، فكلمة واحدة وسط أجواء عاطفية قد تثير الكثير من الغبار.