منذ «يادوب مرت علي.. أربع وعشرون ساعة»، منذ الأبيض والأسود في الخمسينيات، سكن أبو بكر سالم قلوب أهل الجزيرة العربية والخليج، لامس بغنائه الأحاسيس والأرواح. الأربع والعشرون ساعة مرّت، العمر مرّ، بل أعمار مرّت، وبقي أبوبكر سالم في وجدان الذاكرة اليمنية والخليجية، حيث مضى «بلفقيه» يكتب ويلحن ويغني، يكتب أجمل الكلام ويلحن أجمل الألحان ويغني بحنجرته الذهبية وصوته الاستثنائي بتدرجاته وقدرته على التلوين المذهل في الأداء، مضى «بلفقيه» برفقة صديق دربه حسين المحضار الذي شكل معه تجربة تعاون ثنائي مميزة في الأغنية، كتبا ولحنا أغاني رائعة، حتى أصبح الغناء بهما فاتناً، يلمس القلوب، يدق عليها باباً ينشد جمالاً ويزرع زهور الحب. إلى غناء «بلفقيه» حجّت الذائقة الصافية والرقيقة إلى صوته الجميل، حتى أصبح عشاقه يتوسدون أغنياته ويضعونه منشد الليل الخيالي، معه تمايلت الجماهير بثقلها وخفتها، رقصت قلوب الشعراء، وترنم العجائز بذاكرة الحب، فأبوبكر سالم بلفقيه أحبه الجميع، وفي الزمن ما قبل اكتساح التكنولوجيا الرقمية الحياة كانوا يدسّون «كاسيتاته» في السيارات، فتهون الطرق الطويلة حين يلامس صوته الأذن. حتى «سُرق النوم من داخل عيونك» وأصبح «نار الصبر في القلب مؤكدا» لمعت في دربك الطويل، نجوم وكواكب في سماء الأغنية اليمنية والخليجية، وبقي اليمن الحبيب، اليمن الذي يسكن القلب، اليمن الذي توّج الغناء عالياً بالقامات الكبيرة، يكنّ المحبة والتقدير لك، وأنت كنت أيضاً تكن لها كل المحبة ونحن نكن لكبار الغناء اليمني منذ أحمد قاسم إلى محمد مرشد ناجي ومحمد سعد عبدالله وكرامة مرسال وفيصل علوي، وغيرهم كل المحبة. من أين تأتي الحكاية «يا ظبي صنعاء»، حتى أنك في أيامك الأخيرة أتحفتنا بقوة وجودك.. من «قالوا وقالوا علينا» إلى «لا رضا جابك ولا جابك زعل» هكذا عدت كنجمة الصباح وإشراقة الشمس لتقول «لو يفهمون.. ما هزت الريح الشجر» لتذكرنا برائعتك «ما يهزك ريح يا مركب هوانا»، من أين وإلى أين نراك يا أبو أصيل وأنت من دخل معاني الحياة وروحها، حتى أشعلت الأشواق في ليالي العشاق. وداعاً «بلفقيه» وحتماً ستبقى بصمتك على جدار الحياة راسخة، لن تمحوها الريح ولا الزمن، ستبقى تركتك الغنائية خالدة كأحد عظماء الغناء في المنطقة العربية، فوداعاً يا سيد الدان الحضرمي الجميل.