‏ما يحدث في العالم هو من صنع الإنسان. الإنسان الذي شيد أعظم الحضارات هو الذي تسبب في أبشع الكوارث الطبيعية، والبشرية. أمم تعاني، وشعوب، وأقليات وإثنيات، كل هذه المآسي تحدث لأن الأنانية تدفع بالإنسان أن يدهس أخاه الإنسان، متصوراً بذلك أنه يحقق إنجازاً عظيماً، منتصراً على خوفه من الفناء.الأنهار تشق الجغرافيا عرضاً وطولاً، والبحار تطوق الكرة الأرضية، والمعادن الثمينة تتربع تحت أقدام الإنسان، ومع ذلك فالمجاعة تضرب أطنابها، والحروب تكوي الأكباد، والصراعات والأطماع تتسع حدقاتها في كل الاتجاهات. هناك من يصارع بذريعة الدين، وآخر بحجة العرق، أو اللون، أو حتى لقطعة حجر تم الاختلاف على ملكيتها. وكل هذه الأكاذيب، والأوهام تجري تحت بصر وبصيرة الإنسان، ولكنه ماض في غيه، وطغيانه، لأنه مستمر أيضاً في نفخ الذات، وملئها بمزيد من الأنوية الفجة. الإنسان تطور مادياً، أي نعم، ولكنه لم يزل يحمل البذور القديمة في لا وعيه، لازال يعيش الجبلة الأولى، وهو مستمر في تغذية هذه الأفعى الكامنة تحت الجلد، القابضة على مشعل النيران الخطيرة. نحن في القرن الواحد والعشرين، وقد سخر الإنسان كل مكونات الطبيعة، إلا أنه لم يستطع تجاوز فكرة الفوارق الدينية، أو العرقية. فمن السهل أن تشن حروب طاحنة يذهب فيها الآلاف من البشر وتدمر أوطان، فقط لأن دين جماعة هو غير دين جماعة أخرى. ماذا يعني هذا؟ بالتأكيد أن الإنسان لا يقتل، إلا عندما يكون خارج الوعي، وبعيداً عن الضمير، والإنسان لا يقوم بالبحث عن التفاصيل، والجذور، إلا عندما تصبح الأنا في أوج تفاقمها، واحتقانها وضياعها في بحر من العواصف التاريخية ،التي تنزع فتيلها الأوهام والجهل. نعم الجهل، فالإنسان الواعي هو ذلك الشخص القادر على كبح جماح النفس الأمارة، وهي الأنا. لا يهم أن نمتلك أفخم الأدوات، فهي لا تغني عن سيطرة الإنسان على الوحش الداخلي، ولجمه، وجعله تحت السيطرة والنفوذ العقلي. عندما تنشق جماعة عن الإجماع، وعندما تفكر شريحة مجتمعية بالانزواء، واختزال الوطن بقطعة من الجغرافيا، أو مضغة من الدين، فإن الأمر لا يعبر عن أي شيء إلا عن ضيق الأفق، وضحالة الفكر، وجنون عظمة،لا تمت للواقع بشيء. العالم باستطاعته أن يعيش في أمن وسلام، واستقرار، ورقي، وتطور. العالم بإمكانه أن يتجنب كل هذه الحروب، لو تحرر من الأنانية، ولو انتصر على ذاته، لأن الانتصار على الذات، هو النصر المبين، وهو الذي يقود إلى تحقيق السلام النفسي الذي يتوخاه الإنسان.