كان قصور وسائل الإعلام العربية والإسلامية الكبير، وانسياقها بجهل وراء الإعلام الغربي في عدم التنبه لمثل هذا التغريب، وجهلها بطمس حقيقة «المسجد الأقصى»، وغداً ربما طمست بعض معالم القدس القديمة، هذا الجهل وعدم الوعي، هو لب مشكلتنا وقطب صراعنا مع الآخر، ومثال بسيط هو عدم معرفتنا كعرب ومسلمين، وعدم تفريقنا بين المسجد الأقصى ومسجد قبة الصخرة، وهو أمر أحرجتنا فيه وسائل إعلامنا المختلفة، وتركتنا في الجهل، وزادت فشلنا في معرفة صحيح الأمور، خاصة إذا كانت المسألة تمس الطرح الشائك بيننا وبين إسرائيل، ولو كانت المسألة لا تتناقلها وسائل الإعلام بشكل يومي ومكثف، لقلنا إن الأمر هين، لكنها كانت موضع حملات خيرية وتبرعات ومظاهرات وتجمعات واعتصامات، الآن الكرة في ملعب الإعلام، وفي ملعب مراكز الدراسات، وفي ملعب الأساتذة الأكاديميين، وفي ملعب الجمعيات الرسمية والأهلية، واتحاد المؤرخين العرب، لأن الأمر جد خطير وسيأخذ وقتاً طويلاً للتصحيح، خاصة عند غياب سُنة الزيارة لأولى القبلتين وثالث الحرمين، وانقطاع الرؤية الحقيقية لهذا المعلم الديني في الجانب الذي يخص المسلمين، وأمر آخر تذكرته حين بدأت إسرائيل في تغيير مسمى حائط البراق الملاصق للمسجد الأقصى، والواقع في جزئه الجنوبي الغربي من جدار الحرم، بطول 47 متراً وارتفاع 17 متراً، وتباكت عليه وسمته حائط المبكى أو «كوتل معمراني» بالعبري، مدعية أن هذا الحائط هو الجدار الخارجي لهيكل سليمان، وأنهم كانوا يبكون وينوحون على آثار مجدهم من انهيار وسبي، ويغرزون الاسترحامات في ثقوب الحائط، ومع دورة الأيام كاد ينطفئ ذاك المسمى الذي حطت فيه دابة النبي البراق، ولولا تنبه العثمانيين وبناؤهم جداراً يحيط الحرم القدسي، لزحفت إليه الأيادي اليهودية والصهيونية في التغيير والتبديل، وفي إحدى زياراتي إلى أميركا قبل أحداث سبتمبر بسنة، رأيت برنامجاً على أيام متوالية وفي أوقات مختلفة يشرح بناء الهيكل والتخطيطات والزخارف والأعمدة وجاهزية التنفيذ، والتوقيت لبنائه ومساهمات اليهود في تمويله والمتعاطفين معهم، وتذكرت كيف كانت «نداءات القدس» عند العرب والمسلمين لا تجمع مائة مليون دولار، لمنع الاستيطان، وزحف المستعمرات على أراضي القدس العتيقة، وتغيير ملامحها الشرقية، في تلك الليلة الأميركية، وأمام اندفاع وحماسة المتبرعين، شعرت بفساد الوقت العربي، وتشتت الرأي الإسلامي، وضياع الأمكنة، وانشغالنا بما يحطم نفوسنا من الداخل، وبما يهزمنا للأبد بأيدينا، وكأن الزمن تغير والتاريخ تبدل، وأننا أصبحنا على شفا جرف هار، وأننا في انتظار حجة الوداع، فتداعى حينها في الرأس فيلم «فلليني» «روما مدينة مفتوحة»!