وأنا أتأمل احتفالات الجميع بعيد الاتحاد، الجميع من كل الأعمار والجنسيات والخلفيات الثقافية، تلك السيدة الأوروبية التي تحسبها مواطنة إماراتية من الفجيرة، وهي مرتدية الزي التقليدي بكل تفاصيله حتى تتحدث بلغتها الإنجليزية معبرة عن حبها لهذا البلد، وذلك الرجل الإفريقي الذي يرتدي الغترة والعقال على أفضل ما يكون حتى يلقي عليك التحية باللغة الفرنسية، وكل أولئك الأجانب الملتحفين بأوشحة العلم الإماراتي، أدرك أن الإمارات لم تعد تخصنا وحدنا، وأنها تنمو عن مفهوم الوطن المحدد بموقع جغرافي معين يخص مواطنيه وحدهم، ليكون فكرة ورمزاً يخص الإنسانية جميعها. في الإمارات رمزيات كثيرة تتمحور جميعها حول مفهوم «كرامة الإنسان». فما يحفظ للإنسان كرامته لا يجب تحت أي ظرف المساس به، مثل المسكن والعمل والصحة والتعليم وكل ما يلزم لتوفير بيئة آمنة مناسبة للحياة بكرامة. يلمع دمع في عيني الرجل العربي العجوز قائلاً وتنهيدة عميقة تخرج من جوفه «لو كانت كل الأوطان فقط كالإمارات»، وما المانع؟ أساله ببساطة. يبتسم وهو يهز رأسه مكتفياً بالصمت جواباً. وأدرك أن ما اعتدنا عليه كوضع طبيعي ليس قانوناً بديهياً في أماكن أخرى كثيرة، لذلك كلما سافرنا عدنا ونحن ندرك قيمة الإمارات أكثر. ربما لأن هذا الوطن صنيعة محبة، محبة رجل جاء من الصحراء العميقة بدوياً أصيلاً مخلصاً متطلعاً لتوفير حياة كريمة لأبناء شعبه، دفعته المحبة وليس شهوة السلطة لبناء دولة متوحدة متكاملة الأركان، لذلك ظل طوال سنين عمره يتحرك بين شعبه بسلطة المحبة قبل سلطة الحكم. وهكذا بقي حياً متربعاً في قلوب الناس يذكرونه ويتذكرونه في ملامح أولاده وأحفاده وفي حكايات من عاصره. في مشهد معبر بأحد الاحتفالات تقبض يد الولد الصغير على أعلام صغيرة كثيرة تتقدم منه طفلة تطلب أن يعطيها علماً واحداً، وهو يحاول ذلك تسقط الأعلام من يده ليهرع الأطفال جميعاً يلتقطونها من الأرض ويرفعونها عالياً بقدر ما امتدت أذرعهم الصغيرة ممسكين بها جيداً كي لا تسقط أبداً.