«تبدو حياتكِ رائقة، مع كل صور القهوة والغروب والقمر والزهور والشجر وكأنها كل مفردات حياتك»، يقول لي أحد الأصدقاء، معلقاً على ما أتشاركه في وسائل التواصل. لكن الحياة لا تروق بالمجمل لأحد، حتى للأمير ذي الجاه المهيب. للحياة منغصاتها الكثيرة، والتي تتفنن فيها في أحيان كثيرة لدرجة تجعلك تصرخ متسائلاً: هل يمكن أن تسوء أكثر؟! لكن ميزة الإنسان أنه مزود بقارب صغير داخل دماغه يقفز إليه كلما أوشكت هموم الحياة أن تُغرقه. فيستنفر عقله ليبحث في كل الظلام حوله مثل فرقة بحث، تبحث عن ناج وحيد في حطام سفينة غرقت في المحيط، عن نقطة ضوء يهتدي بها إلى جزيرة السلام الروحي. نقاط الضوء هذه هي الشجرة الخضراء التي تقف هناك منذ أمد دون أن تنتبه لها من قبل، وهي القمر المضيء الذي تنتبه له، وكأنك تراه للمرة الأولى حال ترفع رأسك، وهي فنجان القهوة الذي يعيدك إليك، وهي زهرة ملونة جميلة صادفتها في طريق أجرد، وهي ذلك الشعاع الذهبي الذي يخرج من الشمس حال غروبها فيلبس الأرض ثوباً ساحراً، وكأنها على موعد غرام مع حبيب في المساء. يعلق صديق على تعليقاتي المباشرة على الصور، فأنا أكتب ببساطة تحت صورة القمر: قمر، وتحت صورة الشمس: شمس، وتحت صورة البحر: بحر.. ويقول ساخراً: شكراً لأنك تخبرينا أسماء الأشياء من دونك ما كنا نعرفها. في الواقع نعم، نحن ننسى أسماء الأشياء، والاسم ليس فقط إشارة للشيء، إنه تذكير بوجوده، وإذا تذكرت القمر أنار ضوءه قلبك. تشكو صديقة من تكالب الهموم عليها، وكيف أنها لم تعد تحتمل، يملأها الغضب على كل أحد والنقمة على حياتها، أحاول تهدئتها، فأطلب منها أن تسترخي وتبحث عن نقطة ضوء تهديها لجزيرة سلام، ترتاح فيها نفسها، فترد علي رداً تهكمياً جارحاً لا يخلو من شتيمة تصيبني سهامها، فأصمت مدركة أن بعض الأشخاص اختاروا ألا يروا وألا ينجوا بحياتهم، فالبعض، وبكل إرادة ووعي، يحلو له الغرق. يتشارك شاعر عربي على الفيسبوك حالة اكتئاب تكتنف أيامه، أقول له ببساطة: لا تكتئب، الحياة نعمة كبرى وهي أقصر من حرقها بالاكتئاب. ما كنت لأتقبل هكذا نصائح مباشرة في السابق، لكن الإنسان يرى ويختبر ويتعلم ويتغير، والاكتئاب صاحب ماكر، يتخلل نفسك على شكل صديق لا يفهمك غيره فتكتفي بصحبته مغلقاً بابك في وجه الحياة. الحياة ليست مهمة سهلة، إنها تحد على طول الطريق، وكل تلك الأشياء المضيئة ما هي إلا مصابيح وقوارب نجاة وفرق إنقاذ، تتدخل في الوقت المناسب لإنهاضك من سقطتك فتنفض ثيابك وتغسل وجهك لتكمل الرحلة.