تعرف ساحات كثيرة بأنها مسافات جميلة ومكان يلتقي فيها الناس للفرح والاحتفالات بالجميل والجديد الذي يأتي بالأمل والحبور، وعلى مدى سنين طويلة وتلك الساحات هي نقطة العبور من حالة إلى أخرى، بل هي الفرصة والمكان المفتوح لكل من ينشد إبداع ذاته أو تأمل إبداع الآخرين أو الحصول على مبتغاه، سواء في حالة الشراء أو البيع أو حتى الفرجة، وفي بلدان كثيرة عرفت الساحات بأنها منارات ونقاط التقاء لثقافات كثيرة. مثلاً ساحة «أربات» في موسكو، هي نقطة التقاء الفنانين التشكيليين والموسيقيين، حيث لا يمكن أن تكون عرفت تلك المدينة إذا لم تزر شارع «أربات» وساحاته الفنية. هنا أيضاً في دبي القديمة كانت ساحة السبخة وما زالت هي مقصد للذين يرغبون في مشاهدة صورة الماضي وما تعرضه تلك الساحة من متناقضات الأشياء، من الملابس والحاجيات المختلفة قديمها وجديدها إلى جانب الخضار والفواكه، ويشغلها أيضاً أعدادا هائلة من جنسيات مختلفة وعلى الأخص الآسيوية، أيضاً توجد هناك ساحات كثيرة في الإمارات كانت مكان للعروض الشعبية والفنية، وبمثل هذه الصورة دائماً تتواجد الساحات وملتقيات الناس في حرية الفضاء المفتوحة ولكنها تختلف من قطر وبلد إلى آخر. وإذا أخذنا كمثال ساحة «الهيدر بارك» في لندن فإنها أيضاً تتحول إلى مساحة أخرى للتمتع بالحديقة الجميلة هناك أو متنفس للقول الذي لا يبتعد عن التعبير الذاتي وقول ما يخطر على البال والفكر، ثم المضي في طريقك بسلام. هكذا هي الساحات وجدت منذ القديم ولكن في كل زمن لها دور مختلف. الآن ساحات كثيرة تمتد من المحيط إلى الخليج العربي، لا نعرف ذلك المنادي والصارخ في مكرفونه إلى أي اتجاه يريدنا أن نسير، يميناً أو شمالاً، شرقاً أو غرباً، كل الساحات تنادي نحن تائهون! جميل أن يترك لك مساحة تمرح فيها، تفرح فيها وتحلم بالجميل فيها، وأجمل أن تكون لك مساحتك الحرة الخاصة بك ، تفعل ما تشاء دون أن تتجاوز حرية الآخرين، وجرح الآخرين، إنما تعبر عن ذاتك وحلمك وزمنك في الحياة. ظهرت في هذه الأزمنة الساحات وأعطيت فرص للذين يمكن أن يساهموا في البناء والدعم والرقي بالوطن والمجتمع، ولكن للأسف بعض هذه الساحات تحولت إلى زعيق مؤذي، لا يفيد في شيء، إنما يزيد الفرقة والتمزق بين أبناء المجتمع الواحد وينشر حالات الغضب والبغضاء والتفرقة ويعطل البناء والعمل والإنجاز. هذه الأصوات الزاعقة، تذهب حتى بتلك الأحلام الصغيرة التي يأملها أصحاب الحكمة والمعرفة والرؤيا الثاقبة من وجود الساحات والحدائق المفتوحة لطرح الرأي والمواقف العاقلة وتقديم الرسائل للجهات البانية والمؤسسات المشتغلة على شؤون الناس وحياتهم، بالانتباه إلى الرأي العام عند الناس، هذه الرؤيا الواعية، الآن تضيعها بعض الساحات والمكروفونات والأصوات التي تعيش في أزمنة غابرة، كلما تغيرت الأزمنة ودارت عقارب الساعة سائرة إلى الجديد في الحياة وملتحقة بركب ما أنجزته البشرية الآن من رؤى مختلفة لمعيشة الإنسان وحريته وحفظ حقوقه واحترام فكره ورؤاه في المشاركة وفي العمل والإنتاج الاجتماعي. ومن حيث لا تدري تظهر تلك الساحات التي تحطم إنجازات حققها مسار طويل من التحولات المجتمعية، وبزعيقها واستباقها حرق المراحل تعطي فرصة لذلك المعطل بالجمود وتوقف عقارب الساعة عند زمنها القديم. الساحات الجميلة هي فضاء للإبداع والإنجاز والفن والرؤيا الحالمة بالجديد، بينما الآن تظهر ساحات لا تنتج غير التقهقر والرماد. Ibrahim_Mubarak@hotmail.com