بالأمس كان للأب والأم الدور الأهم في صياغة سلوك الأبناء، ولا يتوقف هذا الدور عند الأسرة الصغيرة، بل يمتد إلى ما بعد الزواج، وهذا ما نسميه بالأسرة الأفقية التي يتم فيها تدخل الآباء والأمهات في إصلاح ذات البين إذا ما حدث خلاف بين الأزواج الصغار، وتتم المصالحة وتلافي أي تطورات قد تؤدي إلى مضاعفات يحدث بعدها الطلاق، وهذا الدور كان له الأثر الكبير في منع حالات الطلاق، كما أنه يمنح الأزواج الصغار خبرة في الحياة، ويمنحهم منظومة قيم تصبح بعد حين رصيداً يعين الأزواج على مواصلة مشوار الحياة الزوجية بسلام وأمان، مما يساعدهم على بناء أسرة يتعلم أبناؤهم آداب حل المشكلات، كما يقدم لهم هذا السلوك التربوي كيف يعالجون المشكلات الأسرية من دون إلحاق الخدوش في العلاقة بين الزوجين، والتي قد تتطور إلى فراق نهائي ولا رجعة فيه. هذه القيم هي التي كرست روح التآلف ما بين الكبار والصغار، وهي الروح نفسها التي نعيشها الْيَوْمَ في علاقة الحاكم والشعب، وهي الأسرة الكبيرة هي الوطن. هذا هو البيت الكبير الذي يتوحد على كلمة الحب، ويبني المصير على مبادئ الأسرة الممتدة. الأسرة الأفقية هي التي يعمل أفرادها على التعاون ودرء الأخطار عن الأسرة، واعتبار ما يمس أي فرد من أفراد الأسرة فإنه يمس الجميع، ونحن لا نستغرب عندما نرى المشهد الإماراتي بما يتميز به من مفردات قيمية بأبعادها التاريخية التليدة، والتي أصبحت علامة يتفرد بها مجتمع الإمارات من دون غيره من المجتمعات. مجتمع يذهب إلى العالم بشيم الأوفياء، وقيم النبلاء، الذين أسسوا نظرياتهم من صبر النخلة، ونبل الغافة، وحلم ركاب الخير، وأفراس الشرف الرفيع، هكذا تبدو الإمارات الْيَوْمَ مثل حلم على بياض الوعي يمضي، مستلهماً نقاء ضمير الأولين، يسكب المعاني الجليلة في مشاعر الجيل الجديد، وعلينا نحن أن نكرس هذا الإرث، وأن نجعله حبل الوصل، الذي يحمل الأبناء إلى غايات ورايات، وأن نضع نصب أعيننا المستقبل في الوقت نفسه نتمسك بما تركه الأجداد، مثلما تمسك البيدار بحبل النخل، مثلما تمسك البحار بخيط الشراع، مثلما تمسكت المرأة في الماضي بإبرة الحياكة، مثلما تمسك الغواص بمحارة البحر، علينا أن نحفظ ذلك الإرث في مخزن الذاكرة، ونقول للأبناء هذا سر قوة التلاحم بين الأبناء والآباء، هذا جوهر الحب ما بين القيادة والشعب، فكلنا، من ذاك النسق، كلنا من ذاك النبع، كلنا من مدرسة زايد الخير، طيب الله ثراه، نرتوي ونملأ وعاء الفكر، من معينه، فهو الذي جعل من التراث نهراً لأشواقنا، وشجرة تظلل أعشاش طيورنا، هو من علمنا بأن من ليس له ماضٍ لا حاضر له. وعلى نهجه رسمت قيادتنا الرشيدة، معالم طريق النهضة، وعلى ضوء ما نحته زايد في عقولنا، مضت القافلة مستتبة منسجمة، باتجاه المستقبل، مؤزرة بحب الناس جميعاً.