الضمير مثل الرصيد المالي، احتفظ به حتى يجعلك عزيزاً، غنياً بالمعاني، ثرياً بالقيم العالية، باذخاً في تعاطيك مع الحياة، مترفاً إلى درجة السعادة الكاملة.
تخيل لو أنك قبل أن تغادر منزلك قطعت عهداً، وأعطيت وعداً لضميرك أنك لن تكدر حياتك لأي سبب من الأسباب، وحتى لو صادفك في الطريق سائق متهور وحاول مضايقتك، وظل ينحرف بسيارته نحوك لأجل الترويح عن نفسه، والتنفيس عن عقدة داخلية متأزمة فيه.
لو صدقت أنت مع ضميرك وأوفيت بوعدك، ولم تحرك ساكناً إزاء رعونة هذا السائق، فسوف تشعر بعد حين أنك انتصرت على نوازع الشر فيك، وهزمت ضمير السائق المتهور، وعدت إلى بيتك وأنت في أتم السعادة، لأنك لم تهزم أمام حماقة الآخر، كما أنك لم تمنحه فرصة التمتع في إغضابك، والأهم من كل ذلك أنك نجوت من ارتكاب الخطأ الذي قد يؤدي بك إلى المساءلة القانونية.
فالضمير عندما تنتعش حواسه، وترفرف أعلامه، يبدو مثل الدرع الواقي الذي يحميك من الزلل، ويحفظك من الخلل، ويمنع عنك الكلل، ويدرأ عنك الجلل، وتعيش معافى مشافى من أدران الملل، ولن تحل بك عواصف النكوص إلى مراحل ما يسمى بقايا إنسان الغاب. فأنت في حضرة الضمير، تعيش أزهى لحظات عمرك لأنه الوحيد الذي يجعلك تفيض بالحيوية، والسعادة اللامتناهية، وبهجة الحياة.


فعندما يكون الضمير صاحياً، فلن تغضب من حماقة مدير أهوج، ولن تتوتر لمجرد مصادفتك شخصاً لا يحترم الكبير، ولا يقدر الصغير، سوف تمر عليك مثل هذه المداهمات مثلما تمر النكت السخيفة التي لا تلقي لها بالاً. فأنت في حضرة الضمير، تكون في صلب الوعي، تكون صاحياً ولا تزعجك أضغاث الأحلام، ولا تقلقك ذبابة حائرة تحوم حول أنفك.


أنت في وجود هذا الكاهن الرهيب، تكون معصوماً من الأخطاء، تكون في قلب الزمن، صافي الوجدان، نقي السريرة، والحب في قلبك بمقدار الجغرافيا التي تضم معشر الناس، أنت في فناء الضمير، تعيش أجمل أيامك، فلن يضجرك حتى من يكرهك، ويقول المسيح عليه السلام «أحب المذنبين، لأنهم أكثر حاجة إلى الصفح من غيرهم» قد نتعجب من هذه الطوايا الطيبة، ولكن لو تمعنا في مضمونها، سنجد أنها الحقيقة التي يجب أن نذهب إليها، ولو تلامسنا مع هذه الحقيقة، لما بقي إنسان على وجه الأرض يعاني من الضيم، والظلم، والظلام، ولما تشققت أثواب الفاقدين، من أثر الضغائن، ومكائد الحاقدين، ومصائد الكارهين.