لا مفاجأة في تغيُّب الوفد الحوثي عن مفاوضات جنيف. هذا سلوك متوقّع ومألوف لميليشيا متمردة، لا ترى في أي عملية للسلام أفقاً سياسياً، يُفضي إلى تسويات وحلول، ومن الطبيعي أن تنقلب على طاولة المفاوضات، مثلما انقلبت على الشرعية ومؤسساتها، وارتهنت للمشروع الإيراني- القطري، بكل مآلاته وخرابه.
لا نسأل الحوثيين لماذا تغيّبوا عن فرصة جنيف. السؤال يُوجّه إلى طهران، وإلى مشروعها الانتحاري في اليمن، وحروبها المستمرة بالوكالة، فهي التي أوعزت إلى الحوثي بتجاهل أكثر من لقاء دولي وعربي لعرقلة كل مساعي المصالحة والسلام، مرةً في سويسرا العام 2015، وأخرى في الكويت العام 2016، فما تريده إيران من اليمن لا يتحقق بالحلول السلمية، على النقيض، فهي تنفذ من الفوضى والخلاف إلى أهدافها في العالم العربي، والشواهد ما اقترفته في سوريا والعراق ولبنان.
الأسوأ، عندما يساعد طرف عربي الأطماع الإيرانية في اليمن، على نحو مخجل ومكشوف. وهذه مهمة أوكلتها طهران أيضاً إلى الدوحة، وتنفذها حتى عندما كانت جزءاً من التحالف العربي قبل أكثر من ثلاث سنوات، وقد سجّلت التسريبات الإعلامية وقائع الخيانة القطرية، عبر معلومات استخبارية ودعم مالي للحوثي أثناء المعارك الأولى لـ«عاصفة الحزم»، فيما يستمر تهريب السلاح الإيراني- القطري الآثم إلى الحوثي، مثلما هو النهج مع سائر الحركات والتنظيمات المتطرفة في غير بلد عربي.
لن يستفيد الحوثي من إطالة أمد الصراع في اليمن. فالعمليات الميدانية تُوقع كل يوم خسائر كبيرة في عناصره وعتاده العسكري، وهو يعرف جيداً قدرة طائرات التحالف على الإمساك بزمام الأمور عسكرياً، وحتى في جبال صعدة ومران تواصل القوة الجوية للتحالف تدمير عربات الصواريخ الباليستية التي تهدد المدنيين.
من المهم أن يكتشف المجتمع الدولي الآن مكامن الخطر على مستقبل اليمن. فتخريب مهمة الأمم المتحدة لاستثمار الفرص نحو الحلول السلمية، يقف وراءه الحوثي والإيراني والقطري. وهذه أطراف تدفع اليمن إلى المجهول، وهي وإنْ فشلت في عزله عن جواره ومحيطه العربي، فلا تزال مصممة على تحويل هذا البلد إلى أرض منكوبة.
الأهم أن تضغط الدول الفاعلة في المجتمع الدولي على مثلث الشر بمزيد من الردع السياسي، والعقوبات الاقتصادية، وذلك دون إبطاء.