هبّي لقلبي. كم تمرّغ في انتظارات ولم تأت القطارات. وكم هزّت أضلاعه صرخات خوفه. والكلمة التي كنتُ أنحتها على أسوار المدارس، تلاشى أثرُ الرذاذ من طباشيرها. والقصيدةُ التي حسبتها تُزلزلُ هناءة القضاة، تفتّتتْ تحت مطارق جزْمهم. لا قول يعلو على تغريدة الصبر. لا إنسان يسمو إلا حين ينظر للضوء حتى يعميه. وأنا نظرتُ إلى بصيصِ بلدانٍ لعل ظلك شمسها، ولم أر غير اكتظاظ زوالها لأن عيونك مغمضة. وتعلمتُ أن أجثو للشجرة، لعلّ يميلُ بثماره الغصنُ الذي فيها. وتعلمتُ أن أتبع الكلمات التي تفرُّ من تكرار جرح الأمر. هكذا عثرتُ في فم النسيان على زمرّدةٍ ظنها الخرسُ غصّة نطقهم، وكان مطلعها أوّل حرفٍ حين ناديتك لهفة لهفة، ولكن لم يهبّ لقسوتي حنانكِ. ولا وجدتُ براً ولا بحراً لمرور نهري نحو عينيك. كانت الغابةُ حشو اخضرارٍ محض ليس إلا، والصحراءُ محميةً بدعاءِ رُحّلٍ يبجّلون نسل النجم. نعم نسيتهم الآن، لكني وجدتُ وصفكِ في تضاريس هجراتٍ مؤجلة. وقرأتُ ما يشبه وجه اكتمالكِ في قمرٍ لا هلال لمطلعه، ولا خسوف. ثم مشيتُ في قافلةٍ أولها حرف هاء، وآخرها البداية، والحبُّ سطرٌ في مكان عبورها.

وأنتِ، عصيانٌ على الورق. تمرّدُ جناح طيرهُ مثقلٌ بوهم النهايات الناقصة. لو أقول شيئاً من شكل اسمكِ، تبلعني فقاعة الدائرة، ويخسرُ وجهي قناع سيرته عمراً بعد عمر. وبعدها لا تُطاق في ولائم الطاعات نصيحتي. كل هذا لأني اكتهلتُ اشتاقُ حصّة أن تضجّي ضد بدعة السكون. وأن يكون لصوتك بحة نداءٍ ملهوف. وأن يكبر جناحك، وأرى حصانك يصهل في شهوة المدى، متحدياً سأم من يُمسك، برخاوةٍ، لِجام زمامه.

وأنتِ دفترُ امتحان الضوء. قلمٌ حملته رايةً في ضبابٍ يعاند، وقلتُ أكحّلُ بلعابِه خُسران الأيام وشحّ نبوغها. وحين كتبتكِ على جبين ورقة، نسيتُ يدي على الطاولة، وتبعثر صوتي في رفيف ذكرياتٍ آتية. الآن هنا للتو تفجّر نبع صفوي والورقة لا تزال بيضاء. وبيني بين سور معناكِ، أن أصرخ أعلى من جدار الحذر. وأن أنهب مجدافين لعلي أطيرُ عصفوراً في اتساع ندى هذي العيون.
كلنا ندركُ، أن الحبَّ يولدُ أولاً من استيقاظك، ثم يكبرُ من تثاؤب قلبكِ، ويكتملُ صبياً حين ننتظرُ التفاتكِ نحونا، ويعتلي عرشه إذا نزلت قدماكِ في ماء هذا الحنين.