«قولوا لعين الشمس ما تحماشي، لحسن حبيبي دا اللي صابح ماشي»، وتأتي نعوت وأغانٍ كثيرة للفلاحين والعمال والشغيلة والعتالين والبنائين «ملح الأرض» الذين يكدّون من أجل أن تستمر الحياة. الشاعر الذي أحبه الناس الغلابة، عبدالرحمن الأبنودي، الشاعر الذي عشق المرتبطين بالأرض والعمل والبناء، وكذلك «المراكبي» في مسارات النيل العظيم.. كل هؤلاء أحبوا الأبنودي وشعره الرقيق الذي يرافق دروبهم أينما سارت.. حتى أولئك الفقراء على مساحة الوطن العربي كله كانت لهم مساحة من الحب والإعجاب والترحاب بالشعر الذي ينتمي إلى الناس ويعبّر عن أحلامهم وتعبهم. فالقصائد الشعبية هي مثل نهر متدفق يروي عطش الأرض والناس.
عبدالرحمن الأبنودي تخطت أشعاره صعيد مصر وحقولها وغيطانها لتصل إلى مسافات بعيدة، من شرق الوطن العربي إلى مغربه، لأنه يعبّر عن تعب وشقاء الناس تحت عين الشمس. ففي كل ناحية هناك فلاحة تقوم لتعجن من الصبحية (الصبح)، وهناك دائماً من يسابق شروق الشمس ليأتي بلقمة يومه.
الشاعر الحقيقي هو الذي يترك ما أبدعه من كلمات لتتحول إلى أغانٍ خالدة لا يمحوها الزمن، والرائع أن كثيرين من فناني مصر أخذوا من كلمات الأبنودي ليصدحوا بها كأناشيد من أجل الريف والمدينة في آن. وكلنا نشعر بقوة هذا الانتماء وصدق المشاعر والإيمان بأن الصعيد هو قوة الرجال، وحلم الأجيال بالنهوض.
الأبنودي لا يتحدث إلا بلهجة أهله في الصعيد، ولا يؤمن إلا بالأرض والوطن، ولقد حافظ على لغته ولهجته وعاداته وحملها معه أينما سار واتجه، لم يضع في القاهرة أو غيرها، ولم يلبس ثوب غير ثوب أهله. يجعلنا نشعر بكل معنى من معاني الهوية، عندما نسمعه يتحدث عن صعيديته.
وطبعاً هو ليس الوحيد في مصر العزيزة الذي قدم دروساً في الانتماء إلى الأرض والناس، فقد سار على هذا الطريق من قبله كثيرون من المبدعين في الأدب والشعر والفن في مصر. وفي هذا الإطار، نتذكر الشاعر الرائع الراحل أحمد فؤاد نجم الذي سار في مدن كثيرة بثوبه الشعبي، وتحدث بلهجة ناسه وأهله في حارات القاهرة، دون أن تغيّره الحياة ولا المدن.
كلما ترجل شاعر أو شاعرة شعبية، تذكرنا نجوم الأشعار الشعبية الرائدة في الوطن العربي، ورحيل الشاعرة الإماراتية الكبيرة عوشة بنت خليفة السويدي، دعاني إلى أن أقلب صفحات الشعر الشعبي.