تابعت النتائج النهائية لانتخاب الرئيس الخامس والأربعين للولايات المتحدة صباح أمس، من قاعة الانتظار بمقصب الجمهور في العاصمة أبوظبي، ومن خلال شاشات التلفزيون الموضوعة هناك، والتي انتهت بإعلان فوز المرشح الجمهوري دونالد ترامب رئيساً لأميركا، بعد تغلبه على منافسته الديمقراطية هيلاري كلنتون. كان اختيار قنوات البث المباشر يؤكد مدى انغماس تلك الفضائيات بالحدث الأهم عندها، ولكن جمهور الحاضرين لم يكن مهتماً ـ شأنه في ذلك شأن أي مواطن بسيط في عالمنا العربي والإسلامي ـ بالسيد الجديد للبيت الأبيض خلال الأربع أو ربما الثماني سنين المقبلة، لأن القادم لن يختلف عن الراحل، وقد يكون أسوأ منه أو بالقدر ذاته من السوء مع غيره. شعر المرء بالإشفاق على المحللين الفضائيين المجانيين الذين نصبوا مناحة على الهواء مباشرة مع اقتراب ساعة الصفر للحسم الانتخابي، وصبوا جام الغضب على استطلاعات الرأي التي خذلتهم بعدما توهموا قرب دخول أول امرأة في تاريخ أميركا للمكتب البيضاوي. وعادوا وقالوا إن الشعب الأميركي ليس مستعداً لقبول امرأة في أعلى سلم السلطة في بلاده. تناسى هؤلاء أننا نتحدث عن أكبر وأقوى دولة في العالم، وليس عن إحدى جمهوريات الموز التي ينجح فيها عريف بالجيش في الاستيلاء على السلطة ويعلن بيانه الأول. دولة تحكمها قوانين ومؤسسات، وفيها كونجرس بغرفتيه، وتحركها «لوبيات» المصالح، تتولى تهذيب الداخل للبيت الأبيض وتروضه مهما شطح بتصريحاته خلال حملاته وجولاته الانتخابية ليستدرج أصوات الناخبين. نتذكر هذه الحلقات المحيطة بصنع القرار الأميركي وكيف نجحت في جعل ممثل أفلام رعاة البقر رونالد ريجان أحد أقوى رؤساء أميركا، وهو الذي أطلق حرب النجوم، وانهار في عهده الستار الحديدي، وسقط الاتحاد السوفييتي منكسراً متفتتاً. وهي الدوائر والحلقات ذاتها التي كبلت الفتى الأسمر الخطيب المفوه باراك أوباما، وجعلت منه أضعف وأسوأ رئيس أميركي، لأن هناك مصالح عليا للولايات المتحدة، وثوابت لا تحيد عنها، أما هؤلاء الرؤساء فيتحركون ضمن الهامش المحدد لكل منهم، والدور المناط بهم. سيناريوهات تتجدد أمام الجميع، مع كل انتخابات في الولايات المتحدة، وينشغل العرب بها كما لو أنها في حومتهم من دون استفادة من الدروس المتلاحقة والصدمات المتتالية، لأن حساباتهم تعتمد على الآخرين وما يفعل غيرهم. وتظل الحقيقة المؤكدة التعامل مع جديد عالم أصبح في عهدة ترامب.