لا أحد يشغله موضوع الرئيس الجديد، في أميركا أكثر من العرب، حتى الأميركيون أنفسهم حطوا رحالهم واستكانوا وقبلوا بالأمر الواقع، رغم الحشرجة البسيطة في بعض شوارع واشنطن. نحن مشغولون مهووسون حالمون إلى درجة الثمالة، وأحلامنا تتجدد في كل مرحلة جديدة يأتي بها رئيس جديد في أميركا.. الفضائيات عافت مسلسلاتها وبرامجها الخفيفة والضعيفة والتهت بما يصرح به رونالد ترامب، ومشكلة العرب هي الموقف الأميركي من إسرائيل، وكأن كل ما يحصل للشعب الفلسطيني هو نتيجة تعاظم الدور الأميركي في تعزيز ما تفعله إسرائيل بحق هذا الشعب، لا أحد من العرب يقبل بأن يقول الحقيقة، بأن داء العرب يبدأ من العرب، وعندما تسمع عن مصالحة فلسطينية فلسطينية تعقد في موسكو تصاب بالأذى وينتابك سؤال أشد فظاظة وغلظة، وهو هل لا زال الفلسطينيون وبعد سبعين عاماً من النضال لم يبلغوا سن الرشد ليحكموا العقل ويتقوا الله بالشعب المظلوم وينتصروا على ذواتهم ويخرجوا من أزمة الشقاق المريع. مشاكلنا كلها في ليبيا، وسوريا، وتونس، وغيرها من البلاد التي ابتليت بداء الشقاق والنفاق تحل بوساطة الآخرين، والآخرون هم الجحيم، وهم الذين يستثمرون ضعفنا، وهزال مواقفنا من الحياة، الآخرون باطنيون حتى النخاع يظهرون ما لا يبدون ونحن لا زلنا نتعلق بأطراف ثيابهم، راجين الحل ومنتظرين فك عقدنا عن طريقهم. إذاً لا غرابة تحلل الفضائيات العربية، وتعلل وتدلل وتهلل، وتجلل وتطل علينا بمحللين ما أنذل الله بهم من سلطان، يقرأون الفنجان والكف، ويعلمون عن ترامب ما لا يعلمه هو عن نفسه، وبكل ثقة فهم ضالعون في التحليلات التي هي تعبر عن أمنيات لا معلومات فلا أحد من هؤلاء يملك غير لسانه يطلقه كما هي أجنحة الطيور الهاربة من عصف أو خسف. لا أحد في العالم يعرف تحليل الأوضاع ليست العربية فحسب بل العالمية، أكثر من المحللين العرب، فهؤلاء يتغذون على التحليل، ويقضون حياتهم في هذه الدائرة المغلقة ويعرفون عن ترامب وسياساته وأفكاره أكثر مما يعرف هو عن نفسه، وأكثر من مراكز الدراسات في العالم المحترمة والتي تقدم ما يفيد من دون زبد، أو رعد، ومن دون ألفاظ بذيئة، وكلمات نابية ولغة ملغومة، وسباب وشتائم.. وسوف تنتهي ولاية ترامب بعد أربع سنوات أو ثماني والتحليلات العربية على أشدها، وعبارات اللوم لن تكف عن قذف هذا الرئيس الأميركي أو ذاك لأن العرب لا يهنأ لهم بال إلا بصناعة العدو الخارجي، فهم اعتادوا ذلك منذ داحس والغبراء، لا بد من التخلص من مسؤولية المشكلات الداخلية وتعليقها على مشاجب الآخرين.. هذا تراث عربي والعرب يحترمون التراث، والآخرون جاهزون لاستغلال هواننا وضعفنا وعقدنا النفسية التي لا تعد ولا تحصى.