استقبال الدعابة أمر في غاية التعقيد، رغم أن هذا أول تجاوب طبيعي يقوم به الكائن البشري مع الآخرين. فالضحك من أول الأفعال التي تظهر مدى استجابة الأطفال -حتى الرضع- لبعض المثيرات حولهم كالأصوات أو الأشكال أو الحركات أو الملامسات، وما إن نعرف، نحن الكبار، ذلك فإننا نستمر فيه -رغم ما قد يكون فيه من البلاهة والغرابة- بل ونطوره لنلفت انتباه هذا الكائن الصغير. تأتي محاولاتنا الأولى تلك حثيثة يملؤها الحب والصدق، ولكن ما يحدث بعد ذلك أننا نتوقف؛ ونبدأ في التعامل مع الطفل حسب ما توفره لنا خبرات الآخرين، من ألعاب أو أفلام كرتونية، أو كتب ومجلات اعتقدنا طويلاً أنها جيدة لأنها كانت كذلك بالنسبة لنا. الأسبوع الماضي وفي هذا المكان أثرت قضية أجدها في غاية الأهمية، إذ كيف لنا مخاطبة الأطفال بما يثير جذوتهم ويجذبهم ليكونوا أسوياء نافعين لأنفسهم ولمجتمعاتهم؟! طرحت أسئلة ولا زلت أبحث في إجابات من المفترض أنها تشغلني وغيري من الإعلاميين والتربويين. غير أننا وطوال الوقت نبحث في الأمور من منظورنا لا من منظور الصغار، ولذا كانت البوصلة لا تعمل، كون أننا أساساً مشغولون بعدد من الأهداف المتداخلة التي لا يمكن أن تتحقق معاً. عندما نوجه مادة مكتوبة للطفل، يجب أن يكون هناك سلم أولويات جلي نتحرك عليه؛ هل نرغب في دفع الطفل للقراءة، أم أننا نرغب بأن يصبح بعد هذه القراءة صالحاً وسوياً، مهذباً ومنتجاً وحكيماً؟ الإجابة في الاقتناع بأن قراءات الطفل الأولى لا تعني بشكل أساسي بأن يصبح حكيماً وصالحاً في تلك المرحلة العمرية، إنما ما يجعله سعيداً مبتهجاً، وما يحفز في تركيبته الجسدية والنفسية مناطق لا تتحرك فيه عادة؛ فإذا حدث ذلك من خلال القراءة، سيستمر الطفل بالتمسك بها، وهذا هو الهدف الذي يجب أن تتمحور أعمالنا حوله. القراءة لها مزايا أكيدة متحققة بفعل التراكم، كالإثراء اللغوي والترتيب المنطقي والتمكين الخطابي وامتلاك القدرة على التقييم؛ لكن، هذه الميزة الأخيرة بالذات هي التي ستدفع الطفل القارئ للتوجه نحو نوع جديد من القراءة يشبع فيه حاجات عمره الجديد، ليقرأ فيما بعد ما سيجعله صالحاً وسوياً ومنتجاً وحكيماً ولكن بقراره. بتُّ على قناعة بأنه علينا أن نستمر فيما كنا نفعله بأطفالنا الرضع، فاستخدام عناصر كالبلاهة والغباء والكسل والمشاكسات واللؤم والغرابة في أعمال الكتابة المقدمة للأطفال، هي تماماً ما ستحفزهم على الاستمرار في القراءة، وهي ما ستجعلهم يتعلقون بهذه الهواية التي ستأخذهم بلا شك مستقبلاً.. إلى طريق الصلاح والحكمة!