تهلّ الصين شمساً دافئة على أرض الإمارات، لتجد في استقبالها القلوب المحبة، والأيادي المفتوحة التي تشتاق إلى معانقة نور الحكمة القادم من الشرق. والحقيقة أن الصين ارتبطت في أذهاننا بالحكمة منذ أن قرأنا صغاراً (اطلبوا العلم ولو في الصين). وتجذرت هذه الصورة لاحقاً باقترابنا أكثر من عوالم وتاريخ هذه البلاد العظيمة. أسهمت السينما الصينية في تعريفنا بحياة هذه الأمة وتاريخها وفنونها، وأبرزها فنون المبارزة بالسيف، وقدمت لنا أيضاً المخيال الصيني في أوج تجلياته من خلال قدرة المعلمين والحكماء منهم على الطيران في الهواء والتخفي والمشي على الأغصان، وغيرها من الأمور الأسطورية الساحرة. وتبدو هذه التجليات متجذرة أيضاً في الأدب الصيني، وليست وليدة السينما فقط، وتعد رواية (الملك القرد) التي كتبت قبل خمسمئة سنة واحدة من أروع الروايات التي يختلط فيها الخيال السحري بالواقع اليومي لحياة الناس البسطاء. ورغم بروز الصين اليوم كأحد أقطاب العالم اقتصادياً، إلا أن ثقافتها لا تزال تتكئ على فلسفات الحكمة القديمة لكونفوشيوس (الفلسفة الأخلاقية) التي تنادي بحب الآخرين من بني البشر، وتنزع في جوهرها إلى إعلاء قيم التعايش وتجاوز وهم الأنا والتفوّق العرقي الذي صبغ تعاملات الغرب مع العالم. يضاف إليها البعد الروحي العميق، والتبصّر الصوفي في النظر إلى العالم من خلال فلسفة لاوتسو التي طرحها في كتابه (التاو). وبسبب عمق وأصالة هذه الفلسفات، استطاعت الصين أن تستوعب الثقافات على اختلافها، ومن بينها الثقافة الإسلامية لقرون عديدة، وأن تتعايش معها حتى اليوم. زيارة الرئيس الصيني شي جين بينغ إلى الإمارات هي في العمق لقاء بين ثقافتين تجمعهما رؤى مشتركة نحو إحلال السلام في العالم، والعمل معاً على تعزيز قيم التعايش والمحبة والحكمة، ومد جسور التواصل الحضاري حتى أقصاها. وبالإضافة إلى المكاسب الاقتصادية العظيمة لهذه التعاون، يعد المكسب الثقافي جراء الانفتاح الواسع على الصين، أحد أكبر المبادرات التي يمكن أن تثري حياتنا الثقافية، كونها ستقدم الصوت المختلف والمغاير للفلسفات المادية ذات النزعة الفردية. وترسّخ في الوجدان القيم الإنسانية الحقيقية التي عرفها الشرق منذ قديم الزمن، ولا تزال جواهرها تومضُ حتى اليوم. مرحباً بنور الصين العظيم. هذا النور الذي نعرفه ويعرفنا منذ مئات السنين. وهو اليوم يكبر ويرى انعكاس وجهه في مرايا قلوبنا.