خلال أكثر من شهر، عشنا إثارة ومتعة ومفاجآت كأس العالم التي كان نجاحها الخرافي هو المفاجأة الأولى، بعدما توقعنا لها الفشل إثر الخلافات السياسية ما بين الغرب وروسيا، ولكن المونديال وبشهادة الجميع وحتى المختلفين مع الخط السياسي الروسي أجمعوا على دقة التنظيم وسلاسة الإجراءات الأمنية، رغم التهديدات الكبيرة وغير المسبوقة لبطولة رياضية والتدفق الجماهيري الكبير، من كل أنحاء العالم، وجمال المدن والملاعب التي استضافت المونديال. ومن أسباب جمال المونديال هو المفاجآت المذهلة التي بدأت بخروج ألمانيا بطلة العالم على يد المكسيك وكورية الجنوبية، وكادت أن تخسر من السويد، وبالتالي كان يمكن للسجل الألماني أن يكون الأكثر سوءاً خلال 80 سنة من عمر مشاركاتها في كؤوس العالم، ثم الخروج الأرجنتيني والبرتغالي والإسباني والأفريقي الكامل، ومن بعده البرازيلي، حتى تخيلنا أنه لم يبق أحد من الكبار التقليديين، ولكن فرنسا أنقذت الأسماء الكبيرة ببقائها، وهي التي تلعب بتشكيلة معظمها من أصول أفريقية مثلها مثل نظيرتها البلجيكية التي قهرت الإنجليز على المركز الثالث، لتسجل إنجازاً تاريخياً بقيادة مدرب أجنبي. وعلى ذكر المدربين، فقد تابعنا بكل اعتزاز مسيرة الكرواتي زلاتكو الذي نعرفه عن قرب، ولم يكن أشد المتفائلين به بتوقع أنه بعد تسعة أشهر من تركه للعين الإماراتي، سيكتب التاريخ بأحرف من ألماس وليس من ذهب، وهو ما يؤكد أن المدرب قد ينجح في مكان، ولا ينجح في آخر، بسبب الظروف التي بين يديه، والأدوات التي يتعامل معها، وليس من الجائز وصفه بالمفلس، أو الفاقد الفكر، أو ليس لديه ما يعطيه فقط، لأنه خسر بطولة مثلاً، بسبب ضربة جزاء لم يسددها هو، أو خسرة مباراة بنتيجة كبيرة، وهو ما يجب أن يفتح أعيننا على الانتقادات الانفعالية التي نرميها ذات اليمين وذات اليسار على كل مدرب لا تعجبنا نتيجة له، ولنتذكر أيضاً أن الإسباني روبرتو مارتينيز مدرب بلجيكا كان مدرباً لفريق ويجان المتواضع الذي لعب له العُماني علي الحبسي، ومن بعده إيفرتون، ولم يدرب نادياً كبيراً، ولم يدرب أي منتخب، ومع هذا دخل التاريخ من أوسع أبوابه، ويجب أن لا نلقي التهم جزافاً عند اختيارنا لأي مدرب، معتمدين على سيرته الذاتية أكثر من طموحاته وإمكاناته الشخصية. كأس العالم انتهت وأكتب هذه المقالة قبل معرفة هوية البطل، فإن كان كرواتيا فستكون آخر المفاجآت، وأقواها وسيكون الكروات هم المنتخب التاسع الذي يحمل اللقب، وإن كانت فرنسا فسيكون المنتخب الأكمل هو الذي توج، ومع كل قصص الهجرة والأصول الأفريقية والإندماج الحضاري والاجتماعي والفكري ومنح الفرص للمجنسين كي يكونوا مثلهم مثل أبناء البلد الأصليين شركاء في الإنجاز والفرح وكتابة التاريخ.